حاوره نشوان العثماني: الخميس 19 ديسمبر 2013
طرقتُ مع الأستاذ يحيى الجفري هذا الحوار حول القضية الجنوبية والعناوين المرتبطة بها, ووجدته مرحبًا مجيبًا, له الشكر والتقدير. الحوار أجري لصحيفة «الأمناء» عبر البريد الالكتروني؛ ما يلتمس لي القارئ العذر عن عدم التدخل بالاستيضاح حيثما كان يلزم أو من باب الدفاع عن الشيطان! وضيفنا الكريم هنا يقدم وجهة نظره وحزبه في هذا الفضاء.
ويحيى الجفري (64 عامًا) هو رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية لحزب الرابطة , خريج جامعة القاهرة في القانون, ويحمل شهادة محكم تجاري دولي معتمد لدى غرفة باريس.
لن أُقدّم للحوار؛ فهو يقدم نفسه
لنبدأ من حيث وصل المشهد اليمني مؤخرًا: عشرات الآلاف من الجنوبيين توافدوا إلى ساحة العروض في الاحتفال بذكرى الاستقلال. رئيس مكون القضية الجنوبية محمد علي أحمد ينسحب من الحوار الوطني وهناك جهود يقال إنها تُبذل لإعادته للحوار, وثمة انشقاق يشرخ مؤتمر شعب الجنوب. حتى الآن لا حل للقضية الجنوبية في الحوار. خلاف على عدد الأقاليم. خلاف على التمديد والمرحلة التأسيسية. خلافات هنا وهناك وانفلات أمني. نزاع مسلح في شمال الشمال. قراءتك سيد يحيى لهذه البانوراما اليمنية!!
بدايةً، أتقدم بالشكر للأخ نشوان العثماني على هذا الحوار الشفاف والعميق والشامل الذي لم يترك شاردة ولا واردة على مستوى الأحداث والمستجدات والأحزاب والشخصيات، محلياً وإقليمياً، إلا وسبر أعماقها بغية الاستعلام والإفهام لما قد ران على الأفهام.. وعلى ذات القدر من الشفافية والشمولية ستجد يحيى الجفري – الرابطي – الجنوبي.. بالرغم من يقيني أن البعض سيصُدم أو يغضب؛ ولكني على يقين بأن الغالبية من أبناء وطني الجنوب ستسعده الشفافية والشمولية.. وسأنال من سهام المصدومين و/أو الغاضبين الكثير ولكن كل ذلك هين أمام وضع حد للتزييف الذي اُبتِلي به أبناء وطني في وعيه وتاريخه وهويته.
ومن الأهمية بمكان التنويه عن أننا في حزب الرابطة نملك رؤية واضحة وجلية للمشهد اليمني والمشهد الجنوبي.. وعليه، فالبانوراما تنقسم قسمين واضحين للعيان، هي البانوراما الجنوبية والبانوراما اليمنية..
فأما المشهد الجنوبي، فقد أظهر واقع الحال الإرادة الشعبية لشعب الجنوب، المتمثلة في التحرير والاستقلال وإقامة دولته الجنوبية الفيدرالية الجديدة، بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي المعاصر، وستجد في ميثاق الأمم المتحدة [المادة(1) الفقرة(2)] أنه أقر حق الشعوب في تقرير مصيرها .. فالمظاهرات المليونية من الجنوبيين الذين تظاهروا في أكثر من فعالية خلال هذا العام وقبله وآخرها في الثلاثين من نوفمبر تثبت هذه الإرادة الشعبية للجنوبيين.. ونحن في حزب الرابطة مع إرادة شعبنا في الجنوب، ولن نتخلى عنه، لأنها الحل الوحيد للقضية الجنوبية.. فالكل يعلم، علم اليقين، أننا قدمنا الحلول (في مشاريع تلو مشاريع) لتنعم المنطقة بالأمن والاستقرار والتنمية والازدهار وذلك ببناء أسس الدولة وترسيخها بحفظ حقوق المواطنين وصون كرامتهم ومحاربة الفساد المالي والإداري وتجسيد المواطنة السوية [ ونقصد بها: العدالة والديمقراطية والتنمية] وحماية وتنمية المصالح الوطنية والحفاظ على مصالح الآخرين ولكن: أسمعت إذا ناديت حياً *** ولكن لا حياة لمن تنادي.. وحذرنا السلطة في صنعاء أن الممارسات التمييزية اليومية ضد شعب الجنوب تبني جداراً من الكراهية يصعب بل يستحيل هدمه، وهو أسوأ من الحرب عام 1994م وآثارها، مما يجعل هذه الحلول تفقد أهميتها وسيأتي الوقت الذي لن يتم الالتفات لها، ولا يجد الشعب في الجنوب فيها أي معنى له، وها نحن نعيش هذا الوقت.. بل قد أوضحنا، بالحجج والبراهين، قبل بدء الحوار أنه وآليته لن يصل هذا إلى نتيجة لأنه لا يتضمن أدنى نسبة من الحل العادل للقضية الجنوبية باعتبارها القضية الوحيدة المحورية التي يترتب عليها نجاح مخرجات الحوار المصيرية.. وانسحاب الأخ محمد علي أحمد، رئيس “مكون مؤتمر شعب الجنوب”، وانشقاق مكونه الذي نشأ قبل الحوار بفترة قصيرة، فهذا شأنهم، وهم يمثلون أنفسهم .. وأجدها فرصة لنصرخ بأعلى صوت ونسمع الجميع أن تجربة الإخوة الجنوبيين في الحوار يجب أن يستفيدوا منها ويصطفوا مع الإرادة الشعبية لشعب الجنوب قبل فوات الأوان، فحينها لا رضى الآخرين يتأتى؛ ولا قبول شعب الجنوب يحصل.
أما المشهد اليمني، فما يحويه من حراك سياسي وتجاذباته والمحاصصة لمناصب السلطة ومشاريعه لا يعنينا إلا بالقدر الذي يتعلق بحل القضية الجنوبية وفقاً لإرادة شعب الجنوب.. ونسأل الله أن يوفق القائمين على المشهد اليمني، لما فيه خير الدارين، ويتعظوا ويستفيدوا من دروس الماضي؛ فالمركزية وإدارة البلد بالأزمات باستغلال البعد القائم على المحاصصة والبعد الديني من أجل السلطة أوصل اليمن إلى لحظة انفجار لا يبقي ولا يذر لولا أن قيّض الله لليمن أشقاءنا الخليجيين – بمبادرة حقنت الدم اليمني وسلمت اليمن من الدمار – ثم أصدقاءنا من المجتمع الدولي بتأييد ودعم المبادرة الخليجية.. وكلنا يعلم أن تحزيب المحاصصة قد سبق تجربته بعد إعلان الوحدة فماتت.
لأركز في أسئلتي هذه على الشأن الجنوبي وهذا لا يعني إغفال الشأن الآخر من القضايا اليمنية. لكن فيما يخص الحراك الجنوبي: ما هو الداء وأين يكمن الدواء في هذه الخلافات(ويمكنني وصفها بما يتجاوز الخلاف) التي تجتر بعضها وأعاقت حتى الآن التقارب الذي كان يفترض أن يحدث من زمن مضى من أجل إدارة التنوع بين مكونات الحراك الجنوبي وإيجاد الحامل السياسي للقضية؟
نحن في حزب الرابطة نؤيد إدارة التنوع بالتعاون المثمر المعتمد على احترام الآخر ورأيه والتعايش معه لأجل تحقيق غاية واحدة تجمعنا، فهذا هو الدواء.. ولنا تجربة في “التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي”، كأحد مؤسسيه في 12/5/2012م في عدن، حيث نجحنا مع زملائنا بنسبة محمودة في إرساء ثقافة التعاون في ظل التنوع.. واستطعنا، ونستطيع كجنوبيين، بعون الله أن نطرد الداء وهو إما ذاتي باعتقاد عدم القدرة على احتواء الخلافات أو خارجي بصد أي عامل من مصلحته إعاقة التقارب والمضي قدماً لتحقيق إرادة شعبنا في الجنوب ولا شك أننا استفدنا من هذه التجربة.. وها نحن نكررها بقبولنا مبادرة الإخوة في تيار “مثقفون من أجل جنوب جديد” بدعوتهم لتشكيل “لجنة تحضيرية” من الجميع للتحضير لمؤتمر جنوبي جامع، لا يستثني أحداً إلا من يأبى وتبقى علائق الود قائمة، على قاعدة التحرير والاستقلال وإقامة الدولة الجنوبية الفيدرالية كاملة السيادة، ينتج عنه “الحامل السياسي” للقضية الجنوبية، وهو إما “قيادة موحدة” أو “هيئة تنسيقية قيادية عليا”، الذي نؤكد على أن المصلحة الوطنية تقتضي أن يكون العنصر الشبابي والمرأة أحد أركانه كشركاء وليس كمشاركين تابعين.
* ثم أسألك هنا: الحراك الجنوبي والقضية الجنوبية إلى أين؟ هل من إجابة لسؤال: ماذا بعد؟
الحراك الجنوبي الثوري السلمي ظاهرة أدهشت العالم بإصرارها واستمرار سلميتها، وبيان دبي المشترك الصادر بتوقيع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الأستاذ جمال بنعمر مع قيادات جنوبية، أكد على سلمية النضال.. والقضية الجنوبية بتوصيفها الصحيح والصريح هي قضية وطن وهوية، أصبحت متداولة بين متخذي القرار السياسي.. فسلمية وعدالة القضية يتجهان إلى تحقيق إرادة شعب الجنوب المدعومة بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي المعاصر.. فالمبشرات، بحجم التحديات الكثيرة والكبيرة، حتمية بقدوم جمهورية الجنوب، وتجيب على سؤال ماذا بعد؟
* ثم ما هو تعريفك للحراك الجنوبي وللناشط أو المناصر أو العضو أو أو… الحراكي؟
أستميحك والقارئ العذر في طول الإجابة فلا مناص عن ذلك لاستيفاء السؤال حقه؛ ومن هنا، وكما جاء في “مدخل وثيقتنا الثالثة المقدمة إلى اللجنة الحضيرية لمؤتمر جنوبي جامع”: {…. فلم تمضِ ثلاثة أشهر على اجتياح قوات الاعتداء لأراضي الجنوب إلا وتم تشكيل الجبهة الوطنية للمعارضة ((موج))، ضمت مختلف الأطراف الجنوبية التي وقفت في وجه العدوان في حرب94م وهي [حزب الرابطة ، الحزب الاشتراكي، جبهة الوحدة الوطنية (المكاوي) والمستقلون]، وقد تشكلت لها أُطر وقيادات تمثلت في اللجنة التنفيذية ومجلس وطني بالإضافة إلى مكاتبها التي مثلت مختلف الأنشطة، وتُعتبر تجربة رائدة ضمت مختلف الأطياف الجنوبية في حينها؛ ولأول مرة يشارك بها كل فرقاء المراحل السابقة، وقد واصلت النضال السياسي في الخارج والداخل لأكثر من ستة أعوام.. واستطاعت أن تعقد المؤتمرات الدولية حول القضية سواء في جامعة لندن أو “شاتم هاوس” أو غيرهما.. كما استطاعت أن تثيرها في البرلمان الأوروبي ومجلس العموم البريطاني واستصدرت بذلك مواقف مساندة.. كما أصدرت صحيفتين عربية وانجليزية.. وواصلت الاتصالات بالإقليم والعالم.. وعلى صعيد آخر، ورغم القمع ونشوة المنتصر إلا أنها استطاعت إبقاء التواصل النسبي مع شعبنا في الداخل واستطاعت أن تشجع وتسند المظاهرات التي انطلقت في حضرموت التاريخ والفداء.
كما أن التجمع الديمقراطي الجنوبي”تاج”، في مرحلة لاحقة، كان له الدور في إحياء القضية الجنوبية بفضل إصرار مؤسسه د. عبدالله أحمد بن أحمد؛ وواصلت النضال في الخارج والداخل بثبات وعمل سلمي دؤوب.
كما كان قبل ذلك للشباب المتحمسين في حركة تقرير المصير (حتم) – رغم اختلاف الوسائل – إلا أن الظلم والقهر أجبرهم على ذلك وقدموا التضحيات.
واستمر شعبنا بأساليب سلمية شتى يعبّر عن رفضه لنتائج تلك الحرب التي دمرت أول ما دمرت الوحدة في النفوس ثم على الأرض..
وتواصل النضال بشتى الوسائل السلمية.. وجاء نداء التسامح والتصالح ليجد لدى شعبنا استجابة صادقة فأدرك أن هذه الخطوة ضرورة، وإن احتاجت إلى استكمالها للوصول إلى المصالحة الوطنية الشاملة وهو ما سنستمر جميعاً في العمل نحو تحقيقه.
وجاءت دعوة تصحيح مسار الوحدة التي تبناها في إطار الحزب الاشتراكي اليمني المناضلان الأخوان د. محمد حيدره مسدوس وحسن أحمد باعوم وواجها عنتاً في إطارهما.
وتقدمنا – وتقدم غيرنا – بمشاريع لإعادة النظر في نظام الدولة حتى وصلنا إلى طرح مشروع فيدرالي على إقليمين يعقبها استفتاء شعب الجنوب وأعلنّا ذلك في صنعاء وقامت الدنيا فأدركنا أن العنجهية والتسلط قد وصلت إلى مرحلة لا علاج لها وسجلنا بذلك، سياسياً، أقوى المبررات – أمام العالم – لموقف شعبنا الذي كان قد جاء يوم: 7/7/2007م ليشكل نقلة نوعية تاريخية قام بها أبطال من ضباط جنوبنا واستطاعوا أن يكسروا كل حاجز معيق لحركة شعبنا فأعلنوا في ذلك اليوم ومن ساحة الحرية بـ”خور مكسر” أن مطلبهم لم يعد وظيفة أو معاش وإنما التحرير والاستقلال، أعلنها العميد/ ناصر النوبه وبجانبه العمداء/ علي السعدي وعبده المعطري والداعري وعلي الشيبه ومحمد طماح وعلي مقبل صالح وناصر الطويل وسيف البقري وصالح حمود ومحمد باراس وآخرون، ومنهم من استمر ومنهم من تراجع.. وتوالى الالتحاق بالثورة السلمية الجنوبية ولا يزال..
وتأسيساً على مبدأ “التعاون في ظل التنوع”، وبسقف التحرير والاستقلال، فقد تم تشكيل “التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي” وإعلانه بتاريخ: 12/5/2012م في مدينة عدن.}
هذا باختصار كيف بدأ الحراك وتطور فتشكلت تكوينات المجلس الوطني الأعلى.. والهيئة العليا لاستقلال الجنوب.. والمجلس الأعلى للحراك السلمي.. ومكونات شبابية كاتحاد شباب الجنوب.. و16 فبراير.. والحركة الشبابية الطلابية.. وشباب الكرامة.. وحركة شباب عدن و…الخ؛ ولا شك أن “الحراك الجنوبي” منذ 7/7/2007م أكد على نضوجه وتبلوره وقد عرف بنفسه، على كل الأصعدة المحلية والخارجية، بأنه حراك ثوري سلمي للتحرير والاستقلال وإقامة دولته الجنوبية الفيدرالية.. وأي ذات تتصف أو تتصل حركياً بـ”الحراك الجنوبي” لا يمكن أن تكون على غير هذا التعريف.. ومن له تعريف آخر وأهداف أخرى تتعارض وتتناقض مع رأي الأغلبية التي عبرت عنها مليونياتها المطالبة بالاستقلال والتحرير وبناء دولة الجنوب الفدرالية الجديدة؛ فإنما يتكلم عن نفسه ويمثل نفسه بأنه حركة سياسية – وليس حراكاً جنوبياً – من ضمن الحركات السياسية التي تعج بها الساحة، وفي المقابل لا تُتنقص جنوبيته.. ولا وطنيته.. ولا حقه في الاختلاف فكل ذلك حق أصيل له لا يجوز ولا نقبل المساس به بل وسنقف مدافعين عن حقه في التعبير عن تباينه واختلافه؛ شرط الالتزام بقواعد العمل السلمي المشروع والالتزام برأي الأغلبية لا عرقلته.. وحينها يبرز على الساحة الجنوبية أكثر من طرف سياسي.. تجعل التعاون في ظل التباين هو الأساس، لا الصراع كما حفلت به المراحل الماضية وإلى حد ما بعد مشاهد الحاضر المعاش.
* كيف تقرأ توجه الإقليم وخصوصاً القرار السعودي إزاء القضية الجنوبية؟ والقرار السعودي بالتحديد في هذه الآونة التي تبدلت فيها كثير من التحالفات الدولية والإقليمية!!
القرار السعودي كأي دولة هامة أساسه متطلبات تحقيق مصالحها وأمنها واستقرارها وينبع أيضاً من المشاركة الفعلية، التي يقتضيها الجوار الجغرافي والمنفعة المتبادلة، وعليه، فنحن نقدر الموقف السعودي من القضية الجنوبية ونتفهمه جيداً، سابقاً وما سيكون لاحقاً، بل ونقدر ونتفهم جميع المواقف الدولية التي هي في حركة تموجية لا تهدأ تبعاً للمستجدات.. وعلى الجميع أن يفرق في التعاطي بين العلاقات الدولية والعلاقات المحلية، وإن بدا أن هناك نقاط تلاقي بين المجالين ولكنه ليس ذلك التلاقي الذي يساوي بينهما، كما ذكر البروفسور/ جوزيف فرانكل، في كتابه العلاقات الدولية.. وبالتالي، فما كان مرئياً قد يختفي، وما كان خافياً أو معدوماً فقد يظهر، طبقاً لبوصلة التطورات المواتية والانطلاق من المربع الأول حيث يكسب الجميع.
* هناك اختلال في المعادلة.. شارع ثائر في الجنوب قدم ولا يزال الكثير من التضحيات وكان سباقاً ومنفرداً ومتمسكاً بالنضال السلمي في المنطقة, ثم إذا بهذا الزخم الثوري يقع تحت قبعات رموز الماضي فنراه يختلف باختلاف توجهات قياداته التي قفزت فجأة إلى الحاضر وأمسكت بزمام القرار ويتفق باتفاقها في ظل غياب الضغط الشعبي من أجل القضية؛ الضغط على القيادات الذين في تقديري لم يكونوا بحجم التطلعات ولن يكونوا إلا كما كانوا في ماضٍ له ما له وعليه ما عليه!! ما هي قراءتك؟
قد أوضحنا في الوثيقة الثالثة، من مشروعنا لاستقلال الجنوب، بأن شعبنا قد قدم ملاحم نضالية غير مسبوقة على مستوى المنطقة العربية كلها.. ووصل إلى ذروة الحشود الجماهرية.. وآن الأوان لتطوير وتنويع أساليب النضال مع ضرورة الارتقاء بالأداء السياسي إلى مستوى العمل الميداني، وبإيجاز أسرد النقاط التالية:
1] توحيد الخطاب السياسي ومصطلحاته.
2] أن يشارك في إيصال الخطاب السياسي الفرق المبينة أدناه:
1) فريق متعدد الفئات والأعمار ومستوعب لأساليب العصر في التعامل مع الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية (منظمات المجتمع المدني).
2) أن يكون المكلفون مستوعبين لأهمية الجنوب وللمنطقة والعالم سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
3) أن يكون الفريق المكلف مستوعبين لمصالح الإقليم والعالم ولمصالح بلادنا.
4) التواصل وعقد اللقاءات مع سفراء الدول المتواجدين خاصة سفراء الدول “العشر 4” وممثلي الوكالات والمنظمات الدولية الأخرى.
5) السعي إلى إقامة ندوات ومؤتمرات وورش عمل حول القضية بمشاركة عرب وأجانب. ويمكن برعاية جهات أكاديمية أو مراكز أبحاث أو مؤسسات ثقافية أو منظمات مجتمع مدني يحضرها عنّا عدد محدود.
6) التواصل مع الهيئات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان.
وإذا نهجنا هذا المنهج فلن يقع أحد تحت قبعة أحد وجميعنا سنكون في اتجاه المستقبل لا البقاء في الماضي فكراً وأسلوباً .. وتأكيداً لما ذكرته في آخر سؤالك فيحضرني هنا قول أحد قيادات العمل السياسي في لقاء تلفزيوني، مؤخراً، أن حزبه دخل الحراك للحفاظ على الوحدة والهوية اليمنية ومن هنا يمكنك أن تعرف كيف حدث هذا الاختلال ولماذا وكيف؟!!!.. والحراك كما أعلنه أصحابه المؤسسون واصطلحوا عليه هو ما أوضحته في الإجابة الخامسة بأنه قام للتخلص من المحتل والتمسك بهويته الجنوبية وليس للحفاظ على وحدة انتهت والإبقاء على هوية مصطنعة ومفروضة على الجنوب.
* أين تقع الدماء الجديدة من إعراب الجملة الجنوبية اليوم؟ أتابعين فقط؟ ولمَ؟ هل المال السياسي هو السبب مثلًا؟
أكدنا ونكرر، في أدبياتنا وبياناتنا وبرنامج “السفر إلى المستقبل” وليس سفراً إلى الماضي: أن الدماء الجديدة ضرورة ملحة لتتبوأ مكانها القيادي.. فهم أبناء العصر وأقدر على التفاهم بأدواته وأساليبه وأيضاً القدرة على الحركة بنشاط وحيوية الشباب.. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن الحالة المعيشية قد تؤثر سلباً في مكانة وتوجهات البعض، وهذا أحد التحديات التي تواجهها القضية الجنوبية وشبابها ولكن لماذا ننظر للجزء الفارغ من الكأس؟.. انظر إلى الشباب في الميادين الجنوبية وستجد أن المحرك لهم هو هم الوطن الجنوبي منطلقاً وغاية.
* متى تتوقع تخمن ترى أن شباباً من الأربعينيين (وليس ما فوق الستين والسبعين) سيظفرون بقيادة حراكهم وقضيتهم وبفن السياسة ومصلحة الشعب لا المصالح الأخرى؟
هذا أحد محاور الحركة الرابطية.. وقد نشرنا مشروعنا “السفر إلى المستقبل” وخلاصته هو ليس توقع وتخمين وإنما توجه نسعى لتحقيقه وهو تمكين الشباب – ذكوراً وإناثاً – عبر الدورات القيادية التأهيلية من تحمل المسؤولية الوطنية والسير لتنمية وتطوير الجنوب، أرضاً وإنساناً.
وللعلم نحن لا ننظر لمعنى الشباب من زاوية السن فقط برغم من أهميته في القدرة على العطاء والحيوية المطلوبة للأداء؛ ولكنا نتعمق إلى المضمون بمعنى أن الشباب لا يكتمل معناه إلا متى تم امتلاك المعرفة وأدواتها.. وتم اختيار الأنسب منها لمجتمعنا العربي المسلم المعتدل؛ ولذلك ففي مشروعنا “السفر إلى المستقبل” ذكرنا أن من أهم قيم المرحلة المقبلة قيمة “التعاون على البقاء من أجل تحقيق التنمية الشاملة”، بعد أن سادت البلاد العربية، وبلادنا منها، فكرة “التنازع على البقاء”.. ومن تلك القيم أيضاً “التواضع” بين جميع القوى الحية في المجتمع، حيث أن “الكِبْر” كان السبب الرئيس في عدم سماع الحكام والقيادات لشعوبهم وما يعانون منه.. ومن هنا، يجب أن ندرك أن توجهنا لبناء دولتنا الجنوبية الفدرالية الجديدة لا تعني فقط النظام الهيكلي للدولة (من دولة بسيطة إلى دولة مركبة)، ولا تعني فقط نظام الحكم (برلماني أو رئاسي)، ولا تعني فقط مؤسسات السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.. بل علينا أن ندرك أنه من غير المنطقي ولا المعقول ولا المقبول أن نبني كل الدولة ومؤسساتها وآلياتها.. وننسى أن الدولة مكونة من أرض وشعب ونظام حكم، وأن مؤسسات المجتمع المدني غدت مرتكزاً محورياً في أركان الدولة المدنية الحديثة التي ننشدها.
فهل يفيد أن نعيد هيكلة الأرض بنظام فدرالي وتقسيم وحدات حكم محلي في كل إقليم.. دون أن نعطي اهتماماً أكبر للإنسان الذي نعيد هيكلة كل شيء لأجله.؟!
سيكون خطأً كبيراً وأمراً معيباً أن يصبح كل شيء جديداً في هيكلة الدولة ومنظومة الحكم وسلطاتها بينما تبقى مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات وجمعيات… الخ دون تغيير أو تجديد دماء أو إعادة هيكلة. وهذا ليس فيه إقصاء لاشتراك ومشاركة لأي مواطن مسن مواكب للعصر قادر على العطاء مستوعب لشروط المرحلة مالك للمعرفة متمكن من استخدام آليات المعرفة وأدواتها من أن يمثل الجسر الرابط بين إيجابيات الماضي لضمان تغيير الحاضر السيئ سعياً لتحقيق الوصول السلس إلى المستقبل المنشود بأقل كلفة وفي أسرع وقت ممكن، مع فك ارتباط حقيقي بسلبيات الماضي واستدعاء لأي إيجابيات لمراحل ما قبل الاستقلال وبعده.
هذا المشهد أمامك: انقسام حاد بين مكونات الحراك الجنوبي مبني في جزء كبير منه على تراكمات ماضوية لا تزال منقوشة في الذاكرة. حتى أن هذا الانقسام يأخذ طابعاً مناطقياً أحياناً. كيف تشاهد هذه الصورة؟
ليست الهند (جنوب قارة آسيا) ولا جنوب أفريقيا بأحسن منّا في الجنوب العربي.. والفأل الحسن يحدونا بتفهم الجنوبيين بضرورة لم الشعث ورأب الصدع.. وما هو نتاج لواقع موروث يجب على الجميع التعاون لحلحلته وتفكيكه وقفل ملفاته للأبد، فالغاية واحدة.. وهذا الأمر في حقيقته لن يدوم لكنه يحتاج لزمن ليزول.. ولن يطول بإذن الله.. وهو أيضا أمر طبيعي – وأتمنى أن لا يؤخذ كلامي أنه هجوم أو إساءة مقصودة ولكنه، والله يشهد، تشخيص لحالة كنّا فيها ولا تزال تبعاتها مؤثرة سلباً علينا وأعتقد صحته – فبعد سنوات طوال من حكم شمولي تحت شعارات لا صوت يعلو على صوت الحزب.. والحزب ضمير وعقل وشرف الشعب.. والشرطة أداة قمع طبقية.. والقوات المسلحة قوة طبقية ضاربة للحزب.. وثالثة الأثافي تزييف الهوية باليمننة.. وهلم جرا.. ثم وحدة غير منطقية ولا عملية ولا مبنية على مصالح حقيقية وإنما على مخيلات وتخيلات.. ورافقتها ديمقراطية خالية من مضامينها الصحيحة والسليمة فاتسمت فقط بنزع اللواصق من الأفواه مع وضع السدادات في آذان الدولة ومسؤوليها.. وركزت السلطة على حماية ذاتها حتى صارت جزيرة منعزلة ومعزولة من الناس واتخذت إدارة شأن المجتمع بالأزمات وسيلة.. فأحيت الثارات في جنوبنا الذي قد ترك الثارات منذ ثلاثينات القرن الماضي في حضرموت وتخلصت باقي مناطق الجنوب تباعاً من هذه الآفة تماماً في أوائل خمسينيات القرن الماضي.. ووظفت دولة الاحتلال منذ 7/7/94م ثارات قبلية مندثرة وآثار صدامات الماضي البشع من السبعينات حتى أحداث 86م لشق الصف الجنوبي ومنع تلاحمه.. تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب بعد هذا كله فلا غرابة فيما كنّا فيه في حاضرنا الآن من حالات الشك والريبة والخلاف.. ولكني وبكل ثقة أستطيع أن أؤكد أن هذه الحالة لم تعد كما كانت ظاهرة مخيفة مانعة للتلاحم وإن بقيت تصرفات لأفراد بدأت الساحات ترفضهم ولا تلتفت إليهم.. وها هي اللجنة التحضيرية لمؤتمر جنوبي جامع برئاسة الشيخ صالح فريد العولقي مع زملاء كرام صادقين يلقون الترحيب في كل مكان وصلوا ويصلون إليه في الداخل والخارج.. وتستطيع أن ترصد المحاولات اليائسة لأولئك القوم الغارقين في ماضيهم للتعطيل ولن يفلحوا بإذن الله وبوعي الشباب.. ولكنهم سيكونون كالنقطة السوداء – وهو ما لا نحبه لهم – في الثوب الأبيض الناصع وأقصد به مستقبل الجنوب وأهله.. ولا يتصرف هذا التصرف الرافض للآخر إلا من لا يستطيع الحياة في بيئة سياسية.. تنافسية.. تعاونية.. وتكاملية لا تصادمية بالرغم من التباين.. ومن عاش في السابق معتمداً على هذا ولا يزال يصر عليه فتَصدُق عليه مقولة من شب على شيء شاب عليه.. وأسأل العلي القدير أن يهدينا جميعاً سواء السبيل. وعلينا رغم كل شيء أن نتحمل زملاءنا ونصبر عليهم ونتفهم دوافعهم ومحاذيرهم؛ وأن نزرع الطمأنينة الحقة فهم في النهاية منّا وإلينا.
تنوية : نلفت النظر ان هذه الحوار عندما نُشر بتاريخ 19 ديسمبر 2013 كان اسم حزبنا هو حزب الرابطة “رأي”