عند ذكر المدرسة المحسنية العبدلية في لحج تفتح نافذة لتاريخ مدينة الحوطة عاصمة لحج على مصراعيه , لحج التي تبنت التعليم مبكرا عن باقي المدن اليمنية حيث لم تجد ألا الكتاتيب الدينية و ان أرتقت الى صفو الترتيل و التجويد للقرآن الكريم أو تحسين الخط العربي بأشكاله المعروفة .
هكذا كان التعليم قبل تأسيس المدرسة المحسنية العبدلية , وحتى بعد هذه المدرسة وجود المعلامة في مدينة الحوطة كما أذكر معلامة الفقيه حسن عبدالله رحمة الله في حارة الصومال (ميدان داعر) .
وقد كان ذلك التعليم في الكتاتيب (المعلامة) سمة من سمات الأمة الإسلامية في المشرق و المغرب العربي في تربية الأولاد والبنات على أسلوب حياة المسلمين , وربط ما أنزلة الله عز و جل لعبده محمد (صلى الله عليه وسلم ) القرآن الكريم كنظام في المدينة والريف , وفي محتوى هذا القرآن قواعد اللغة العربية علم النحو , و هو ما يدرس اليوم كمادة أساسية في المدارس , و على مستوى الكليات في الجامعات التخصصية في الدول العربية و الإسلامية و بعض الجامعات الأجنبية .
أن تأسيس المدرسة المحسنية العبدلية في عام 1931م لا يعني ذلك أنه لم يكن هناك مدرسة قبلها , بلى لقد هناك مدرسة الترقي العبدلية الذي فيها التعليم بمنهجية , وقد أديرت هذه المدرسة بواسطة علماء جاءوا من مكة المكرمة , حيث تمت الاستفادة من بعض العلماء الذين جاءوا مع الحملة التركية على اليمن و قد تعلم في مدرسة الترقي أبناء مدينة الحوطة و أصبحوا مدرسين أفاضل في المدرسة المحسنية العبدلية الجديدة فيما بعد , أمثال الأستاذ / صالح عوض دباء , و الأستاذ / عبدالله هادي سبيت حمق و آخرين من أبناء مدينة الحوطة آنذاك و حسب معرفتي من خلال دراستي في هذه المدرسة المحسنية العبدلية في الأربعينات من القرن العشرين , وقبل وصول البعثة المصرية التعليمية في عام 1947م , وتدرجت في التعليم في هذه المدرسة ابتداء من الروضة عند الأستاذ عبداللطيف ألبان في إحدى زوايا المسجد المبني للمدرسة في فناء المدرسة , قبل أن يبتني الى جانبه مسرح المدرسة , و الذي صار فيما بعد في الخمسينات الى مقر للمجلس التشريعي اللحجي , و فيه تم إعلان الدستور اللحجي أول دستور في الجزيرة العربية آنذاك .
و لم يكن أيضا بناية المسجد آنذاك و الذي تحول إليها الأستاذ / عبداللطيف ألبان لتدريس التلاميذ المستجدين في سن أقل من ستة سنوات , و كلا المكانين المجلس التشريعي أو المسرح و المسجد باقي من أثارهما في إدارة التربية والتعليم للمحافظة .
أما ما بين المسرح أو المجلس التشريعي و المسجد فناء (حوش ) كان للطوابير الصباحية المدرسية ورفع العلم و تحية آنذاك , و في أوائل الخمسينات كان هذا الفناء معسكرا للكشافة الذين كانوا فيه ليلا و نهارا , وخاصة في الأجازات الصيفية , وقيامها بالرحلات الكشفية الى المراكز آنذاك , وقيامهم أيضا برحلات الى الأمارات و السلطنات كسلطنة الفضلية و العودة الى المعسكر في المدرسة المحسنية العبدلية .
هذا الكشاف يتكون من عدة فرق كشفية لكل فرقة وكيل كشاف , و الفرق الكشفية نظام كشفي يتدرج من رئيس ونائب ووكلا فرق و مشرفين من المدرسين كالأستاذ المصري/ فؤاد علام و الأستاذ / عبدالله محمد عبدالقيوم رحمه الله و الأستاذ / حسن عطاء رحمه الله و الأستاذ / سالم غالب عافاه الله .
لقد كان النظام المدرسي للمدرسة المحسنية العبدلية كما هو من الأنظمة في المدارس العربية وخاصة المدارس المصرية بالمنهج المصري , وكانت المدرسة المحسنية في مستوى الروضة و الابتدائية لكل منها أربعة مراحل.
و قد كان مدرسو الروضة بمراحله من المدرسين المحليين ( أبناء لحج ) أمثال الأستاذ / عبداللطيف ألبان و الأستاذ / حسين منيعم , أما في المرحلة الابتدائية كانوا من المدرسين المحليين والمصريين .
و مما هو جدير بالذكر أن المدرسة المحسنية العبدلية تختتم السنة الدراسية بكرنفال رياضي كبير من العاب الساحة و الميدان في ميدان المدرسة الذي هو اليوم الإدارة العامة لأمن لحج و حضور المدعوين من الشخصيات الاجتماعية و الأمراء و أولياء الأمور للتلاميذ في المدرسة المحسنية العبدلية , وجلوس هؤلاء المدعوين على الشرفة المطلة على الميدان و في نهاية الحفل تقدم الجوائز النقدية والعينية للفائزين في المسابقات الرياضية .
أن للمدرسة المحسنية العبدلية الفضل الكبير في تخرج العديد من أبناء لحج , وذلك في إرسال البعثات الطلابية الى البلاد العربية , وقد أرسلت هذه البعثات الطلابية الى مصر و العراق و السودان , وهذا ما تبنته إدارة المعارف آنذاك في السلطنة أللحجية .
و للأسف لم نجد لدينا وثائق أو صور لهذه النهضة التعليمية في السلطنة أللحجية آنذاك الى من وثائق و صور لبعض البعثات الطلابية عند بعض الأهالي , ولم نراها بعد , بعد المعرض الثقافي للشاعر الأستاذ / أحمد صالح عيسى في عام 1993م , و لا زالت في حوزة ورثته و لم تعاد لأصحابها بعد , و قد كان المعرض آنذاك في أوائل الوحدة المباركة عمل جيد جدا في تعريف النهضة التعليمية و الرياضية في ذلك العهد عهد السلطنة أللحجية و منذ عام 1838م حتى نهاية عام 1967م وهذا العمل يحسب لشخصية هذا الأديب و الشاعر و الرياضي أحمد صالح عيسى رحمة الله ولن يمحي من عقول أبناء لحج بل أبناء اليمن مدى الزمن .
أن للمدرسة المحسنية العديد من البعثات الطلابية التعليمية كما ذكرت سابقا ألا أنني لا أذكر متى أرسلت أول بعثه طلابية تعليمية بالتحديد , ألا إنني اذكر أنه قد كانت هناك بعثات طلابية الى البلاد العربية للدراسة من الثلاثينات الى العراق , و تخرجوا في أوائل الأربعينات و هم الأستاذ / صالح عبدالله بامعافا / علوم و قد رأيته يصنع صابون الغسيل والحبر و النعنع و صناعة العاج بأشكالها المختلفة وكان ذو مواهب متعددة كالخطابة و الصحافة والشعر , الثاني هو الأستاذ / محمد سعيد باعمر / علوم أيضا , و قد عرف آنذاك بصناعة العاج و خاصة العصي العاجية , وله مبرز يلتقي فيه أعيان البلاد والمثقفين يجتمعون به يوميا بعد العصر , و أذكر من رواد هذا المبرز ( المنتدى) السيد عبدالله علي بن محمد الجفري , و المحامي محمد ناصر بخيت , و الشخصية الاجتماعية ناصر عبدالملك البان و آخرين , أما الثالث هو الأستاذ / فضل عوزر , و قد عرف في الأربعينات مخرجا في مسرح العروبة للتمثيل مع مجموعة من المثقفين الآخرين . أمثال الأستاذ / عبدالله هادي سبيت حمق و الشاعر مسرور مبروك و الشاعر حمود نعمان ( أبو كدرة ) و قد عرف في الخمسينات صحفيا متمكن و ترأس صحيفة ( صوت الشعب ) أول صحيفة تصدر في لحج و عمل آنذاك زميلة الأستاذ/ صالح عبدالله بامعافا و قد أبتلي ابتلاء بالاعتقال و ربطة على جذع نخلة في عهد السلطان فضل عبدالكريم آنذاك .
كما أنني أعرف أن هناك بعثات طلابية , كما ذكرت وثائق حزب رابطة أبناء اليمن و كانت تلك البعثات الى مصر في الثلاثينات و الأربعينات , أمثال السيد محمد علي الجفري , وأبن عمه محمد عبدالرحمن الجفري الذين كانوا يدرسون في الأزهر الشريف في القاهرة و تخرج من الأزهر في عام 1947م .
والعلامة الفاضل / السيد محمد علي بن محمد الجفري ذات شهرة واسعة و ذو خدمات جليلة للحج و بل واليمن قاطبة في العمل السياسي و الاجتماعي , حيث قام مع زملاءه تأسيس حزب رابطة أبناء اليمن في عدن عام 1951م , و قيامة بإصلاحات قانونية و دستورية في السلطنة العبدلية آنذاك .
كما أن هناك بعثات طلابية كانت على حساب الأهالي في إرسال أولادهم من حين الى آخر الى البلاد العربية و الأجنبية طوال فترة الأربعينات و الخمسينات , أما البعثات الطلابية الرسمية على نفقات إدارة المعارف في السلطنة أللحجية من التركة التي وضعها آنذاك في الثلاثينات السلطان محسن فضل العبدلي , و أخيه السلطان عبدالكريم فضل و تقدر بألف فدان أرض زراعية في لحج و أبين .
أنني أتذكر أن البعثات الطلابية الرسمية على حساب إدارة المعارف للسلطنة أللحجية العبدلية لكل أبناء لحج وليس كما يشاع أنها لأبناء الأمراء و أبناء القبائل أو المشايخ , أضع بعض الأسماء لطلبة البعثات الطلابية لدراسة في مصر و قد تخرج منهم الكثير .
البعثة الطلابية للدراسة في مصر الأربعينات أواخر الأربعينات بالتحديد و خرجوا في بداية الخمسينات منهم:
1) المهندس ناصر عامر عنبول أبن المعماري (البناء) عامر عنبول من حارة وحيدة من أسرة فقيرة وتخرج من كلية الهندسة المدنية في القاهرة , و له بصمات واضحة كبنا سد ناصر في وادي تبن .
2) فضل حسين عنبول أبن حسين عنبول من أعيان لحج , تخرج من كلية الزراعة في مصر .
3) أحمد سعيد صدقة أبن سعيد صدقة من أسرة ال صدقة قرية عبر لسوم القريبة من الحوطة عاصمة لحج و تخرج طبيبا , عمل في مستشفى عباس آنذاك و عين بعد الاستقلال وزيرا في جمهورية اليمن الشعبية الجنوبية في عهد قحطان الشعبي , ثم هاجر الى دولة الأمارات العربية المتحدة .
4) خالد فضل منصور من أهل البان قرية الحمراء , وتخرج من كلية الحقوق وتعين وزيرا في حكومة قحطان لوزارة العدل .
5) السيد عبدالله شهاب من سادة قرية الحمراء من أسرة فقيرة كما أعلم , وكان أخوة ( الشيبة ) من زملائي في المدرسة المحسنية العبدلية في المرحلة الابتدائية , و تعين مديرا لإدارة الزراعة في السلطنة أللحجية بعد تخرجه من كلية الزراعة بالقاهرة .
و آخرين عادوا الى لحج في أوائل الخمسينات من القرن العشرين , غير واحد بقي في مصر يتابع دراسته و وهو محمد العبد المنتصر الى أن توفي رحمة الله و عمل مديرا لمكتب السلطان علي عبدالكريم في القاهرة بعد نفيه من قبل المستعمر البريطاني في عام 1958م .
و تواصل إرسال البعثات الطلابية الى مصر في الخمسينات من القرن العشرين من المدرسة المحسنية العبدلية على نفقة إدارة المعارف في السلطنة العبدلية , مع مشرف من قبل السلطنة هناك في مصر و هو الأستاذ / طاهر علي الزواوي حتى أنتها إرسال بعثات طلابية في العام 1967م .
هذا الجانب من الأنفاق على بعثات الطلبة للدارسة و التحصيل العلمي على حساب إدارة المعارف للسلطنة أللحجية مما تركهما كلا من السلطان محسن فضل بن علي , أخيه السلطان عبدالكريم فضل بن علي من أراضي زراعية للتعليم والصحة .
والجانب الآخر من الأنفاق على البعثات من المدرسين المرسلين من البلاد العربية كمصر والسودان في بناء مساكن لهذه البعثات بجوار المدرسة المحسنية و بدل سفريات و مكافآت معيشية و وقد تتابعت هذه البعثات من عام 1947م الى منتصف الستينات و كان آخرها البعثة التعليمية من المدرسين السودانيين .
أن فكرة الاحتفال بذكرى تأسيس المدرسة المحسنية العبدلية لم تكن وليدة الساعة ولكنها كانت تثار منذ تأسيس منتدى تبن الثقافي في عام 1994م و يشار إليها من حين الى أخر في إصدارته نشرة منتدى تبن الثقافي مع الكثير من قضايا لحج الحضارية و الأدبية والفنية .
و إذا كانت ذكرى تأسيس المدرسة المحسنية العبدلية توهج منذ شهر والتحضير لها من قبل أبناء لحج فعلينا التأكيد للمسئولين عن المحافظة و إدارة المحلية فيها بضرورة استمرارية مهما المعرفية بشكل أو بأخر وعدم التفكير فيتغير مجراها الطبيعي و أن تتم صيانتها صيانة جيدة وتبقى تلك الوقفية في عمل هذه المدرسة في المجال المعرفي كتعليم المتفوقين من أبناء لحج , أو كتعليم محو الأمية أو حتى تكون مقرات للنقابات التعليمية و للأدب و الفن , لأن المدرسة المحسنية العبدلية في مسار التعليم الابتدائية آنذاك كان منهج اللاصفي طول العام حتى في الإجازات الصيفية في ممارسة المسرح والفن بقيادة الفنان الراحل الأستاذ/ حسن عطاء رحمة الله و أصبح الكثير من خلالها مطربون وعازفون و ممثلون ومخرجون و أدباء في الشعر والكتابة للقصة وغيرها من أشكال الكتابة .
بقلم الأستاذ/علي بن علي سعد عيدان
احد التلاميذ الذين درسوا في المدرسة المحسنية