عقب صراع 1986م كان صديقي، الذي لم استأذنه في ذكر اسمه، لا زال موظفا كبيرا في إحدى وزارات (الطغمة) فيما أخيه الأكبر كان نازحا في صنعاء مع جماعة (الزمرة)، وحين كنا نلح عليه في أن يحدد موقفا فيما إذا كان طغمة أو زمرة كان يرد ضاحكا أنا (طز)، يقصر الحرفان الأولان من طغمة وزمرة.
لم أفاجأ كثيرا حين قرأت لواحد من أدعياء الاشتراكية أشارة إلى أن الرئيس هادي لم يتحرر من عقدة الطغمه والزمرة , ذلك أن هناك فعلا من لم يتحرر من هذه العقدة وهناك من يتكسب من حاله الانقسام الجنوبي وهناك من صعد في غفلة من الزمن على حساب هذا الانقسام.
رجعت بناء الذاكرة إلى سنوات قليله مضت عندما أنطلق الحراك الجنوبي في 2007 م وكانت سلطت ذالك العهد تستدعي صراع 1986 م بقوة لضرب التسامح و التصالح الذي ولد في جمعيه ردفان، قبل أن تسبقه زيارات متبادلة بين المناطق الجنوبية التي تصارعت في 1986 م، وصل حد أن صار هاجس رسمي، لكنه لم يفت في عضد وحدة الصف الجنوبي.
واقع الحال أن حالة التشظي التي أصابت الجنوبيين بعد انطلاق الحراك الجنوبي ترجع في الأساس إلى (نكباته) التي ظهرت بعد ذلك بسنوات والمسماة، مجازا، (نخب) فهذه النخب معجونة بثقافة الصراع (كالنار تأكل بعضها، إن لم تجد ما تأكله) وقد كشفت الأيام إلى أي مدى كانت مصائرنا بأيدي عقول ضحلة، حمقى، في الغالب، أوصلتنا إلى جحر الحمار الداخلي ولم تتوقف بعد.
معضلة الرئيس هادي الحقيقية هي مع أطراف تريد فرض مصالحها (مراكز قوى، تحالفات، أحزاب) لا تهم التسمية، الشئ المؤكد أن معاناة الناس لم تعد في حسابات الأحزاب التي تحولت إلى مجاميع بشريه تحمي مصالح أفرادها وتتصارع على غنائم السلطة وتتفق وتختلف مع الرئيس هادي بمقدار الحصص من هذه الغنائم ونسيت أن هناك وطن فيه أناس يبحثون عن دوله وفي الجنوب ينشدون وطن وهوية , لقد نسيت هذه الأحزاب معاناة الناس , فهم لا يصارعون لرفع المعاناة عن مريض أو إشباع جائع أو إيواء مشرد , هم يصارعون على زيد من الترف والزوجات.
أن الحديث عن المدنية ودوله القانون وعن قيم التعايش وقبول الأخر ليست (فكرة) ولكنها (حاله) يجب أن نعيشها ولست أدري هل ذلك ممكن في ظل وجود أناس يلبسون أزياء القرن الـ (21) ويفكرون بعقليه القرن الـ (19) , هل ذلك ممكن في ظل وجود حزب حداثي يستدعي بعض قياداته صراعاتهم الماضية لتحقيق مأرب شخصيه أو حزبية.
لست أدري هل ذلك ممكن في ظل وجود من يفترض بهم نخب، يقتربون من أرذل العمر ويفكرون بعقليه المراهق الأرعن, يقول كلاما دون تفكير أو تمعن. لا زال هناك من يعاني من متلازمة 1986م، أما تأثرا أو بقصد التكسب، أما السواد الأعظم ممن دفعوا ثمنا حقيقيا في ذلكم الصراع، وأنا واحد منهم، فقد قالوا له (طز).