جريدة الحياة – بقلم جاسر الجاسر
هي مفارقة ذات دلالة أنه في الوقت الذي أقر اللواء منصور التركي، في مؤتمره الصحافي الثلثاء، باستحالة الانتقائية في حجب وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن لا حرمان للمواطنين منها وإن كانت بوابة نشطة للجماعات الجهادية التي تستهدف الشباب السعودي، كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة الآسيوية الـ11 للإعلام ترسخ سياسة استراتيجية: «وسائل الاتصال الاجتماعي بدأت تأخذ حيزاً كبيراً من الساحة الإعلامية، ولم نكن بعيدين عنها ولا خائفين منها، بل وفرت الدولة لها بنية قوية على امتداد مساحات المملكة الواسعة».
الخلاصة أن السعودية لا ترتعب من الحملات المتعددة التي تأمل بإرباكها وإزعاج استقرارها، ولا تلجأ إلى الإجراءات القاسية الناجعة إن كانت ستحرم مواطنيها من فسحة الحركة والتفاعل. ولعل الزميل فارس بن حزام في «العربية» أوضح معنى ذلك حين أكد أن المواطنين أسهموا في كشف الخلية الإرهابية والإشارة إلى بعض رموزها وكوادرها.
في بيان «الداخلية» رسالة تهديد للجماعات الإرهابية لأنها قطفت، ببراعة نوعية، تنظيماً وليداً قبل أن يشتد عوده فلا يكون أملها واسعاً وأمانيها التخريبية واقعاً، وأن مصير «داعش» سيلحق بـ «القاعدة» التي تساقطت مراكزها العديدة وأحبطت مخططاتها الكثيرة. ورسالة طمأنة للمواطنين لأن هذه العملية تؤكد اليقظة والجدية والاحتراف الرفيع.
الإشكالية المتكررة في كل العمليات الاستباقية لـ «الداخلية» أنها تكشف أن بواباتنا الخلفية مشرعة لهؤلاء يتناسلون منها، ويتكاثرون في ظلها، ولعل أهم هذه البوابات هي وزارات: الشؤون الإسلامية والتربية والتعليم والتعليم العالي والشؤون الاجتماعية التي لا يزال تقصيرها واضحاً في صناعة الوعي وحماية الشباب من الإغواء الجهادي. وهو التقصير ذاته في الحرب على المخدرات بحيث تصطاد «حرس الحدود» عمليات تهريب ضخمة لكنها لا تستطيع وقف مدها، لأنها تجد سوقاً عطشى ورحبة نتيجة خمول التوعية إن لم يكن غيابها.
«الداخلية» والمواطنون يحاربون الإرهاب، أما الآخرون فيزيدون عليهما الضغط والعبء لعدم قضائهم على المحاضن وخنق أسباب وعوامل وجودها. هذه حال غير سليمة، فإن بقي المحضن نشطاً تزايدت أطماع وأماني الإرهابيين وعاودوا المحاولة مراراً.
السعودية هي الهدف الأساس لكل جماعة إرهابية، لأن السعودية، بسلفيتها النقية، تطعن في شرعية وجودهم، وتفرّغ خطابهم من قيمته، فهي النموذج الحي الوحيد للهوية الإسلامية الصرفة من دون انحرافات أو تشويهات. من هنا يجيء التأليب المستمر عليها، فإن نجحوا في نزع الصورة الإسلامية عن المملكة حلّوا مكانها وأقنعوا أتباعهم بصحة مسارهم، مستفيدين من شخصيات دعوية نشطة لديها أهواء خاصة أو تعاني ارتباكاً في مفهومها ونقصاً في معرفيتها تروّج لهذه التيارات، أو على الأقل، تطرح خطاباً «مائعاً» لا يفرق بين الجهاد في صورته الإسلامية والجريمة المتلفعة بثوب الجهاد زيفاً وبهتاناً، فلا يكون الضحايا سوى شباب مغرر بهم وأمن بلد أحسن الظن فيهم على رغم كثرة التعديات والخروقات.
يقول الملك عبدالله في كلمته عن وسائل التواصل الاجتماعي إن الدولة «وضعت لها تنظيماً يضمن مساهمتها في التعليم والثقافة، وتكون ملتقى لتبادل الآراء المفيدة بالحكمة والعقل». لكن المخالفين يستخدمونها مدخلاً ومنبراً للتحريض والتدمير والتشويش، فلم يعد ثمة خيار سوى التطبيق الحازم للأمر الملكي الخاص بتجريم الجماعات الإرهابية، ومعاملة الناشطين من كوادرها على «تويتر» وسواه بما قررته الأنظمة من عقوبات وجزاءات، حتى لا تكون بديلاً عن «الكاسيت» والمنابر التي كانت مختطفة.
الخطوة الأكثر أهمية أن المغذين الأساسيين لنمو النشاط الإرهابي هما: التمويل والمعابر. التمويل نجحت الحكومة في تقنينه، ولا ثغرة فيه سوى حماسة الخيّرين للعطاء والتبرع، وهو ما يستدعي أن يختاروا الطرق الواضحة للتبرع حتى لا تكون أموالهم سلاحاً في أيدي أعداء الوطن وقنبلة تحيل حياتهم رعباً وخوفاً.
أما المعبر فإن اليمن سيظل أعواماً عاجزاً عن أن يحمي حدوده أو يقضي على مراكز «القاعدة» فيه، ما يستوجب العودة إلى فكرة الجدار بين البلدين لسد منافذ تهريب البشر والسلاح وإرسال الجهاديين إلى البلد، فلن يستطيع سلاح الحدود، وحده، تغطية مساحات شاسعة وهو يواجه، يومياً، نحو ألف متسلل من دون الإرهابيين.
رأي الدائرة الإعلامية : إذا كان التوجه الإقليمي من حقه الاستمرار نحو بناء جدار عازل بينه واليمن “الخطر” على الأمن والاستقرار، ألا يحق لشعب الجنوب العربي أن يقرر مصيره من هذا الخطر المحدق؟!
المقال من المصدر : لو عاد الجدار مع اليمن!