اهداني الاستاذ الفاضل محسن محمد ابوبكر بن فريد مشكورا نسخة من رؤية حزب الرابطة للوضع في الجنوب , وهي عبارة عن وثائق مقدمة للجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي المزمع بعنوان ( مشروع لأستقلال الجنوب ) , وللأمانة فأن هذا الرجل على درجة عالية من الرقي ودماثة الاخلاق , كما ان لديه حس وطني رفيع ورؤية متقدمة لجنوب حر ومستقل .
وبالعودة الى موضوع مشروع الرابطة فلقد قرأتها اكثر من مرة وما ارفق بها من مقالات للأستاذ الفاضل عبدالرحمن الجفري , وقد وجدت ان هذه الرؤى تعد مشروع وطني شامل ومتقدم , ليس فقط لمرحلة الثورة بل وكذلك لمرحلة الدولة ان شاء الله ,وقد بذلوا جهداً كبيراً في محاولة منهم لتقديم مشروع متكامل للمرحلتين بواقعية وعقلانية وأمل.
هذه الرؤى عبارة عن احدى عشر وثيقة , تمهد الاولى منهن لما يأتي بعدها بتعرضها بأيجاز لمرحلة ما قبل الاستقلال مرور سريعا بإرهاصات الاستقلال الاول وما تلاه من احداث وصولا الى مرحلة اعلان الوحدة وما تلاها من احداث وما تعرض له الجنوبيين في فترة ما بعد الوحدة وصولاً كذلك الى حرب العام 94 , وما أعقبها من استمرار مقاومة الجنوبيين للوضع الناتج عن حرب 94م بمختلف الطرق والاشكال انتهاء بمرحلة انطلاق الحراك الجنوبي وما تلاها وما هو مستمر الى يومنا هذا .
فيما الوثيقة الثانية تقدم مقترحاً بالهياكل النضالية التي يرون ان المؤتمر الجنوبي يجب ان ينتجها , ولقد احسنوا صنعاً حينما اقترحوا ضرورة الاتفاق على رؤية موحدة ينتج عنها خطاب موحد , وكذلك اصابوا باقتراحهم تشكيل قيادة صف اول واسعة وإتاحة الفرصة للشباب , وتأهيله ليتبوءوا مقاعدهم في هذا الصف من القيادة , وحددت الوثيقة عدد من الاجهزة التي ستتولى الاعمال التنفيذية المزمعة وان كانت اغفلت الجانب الامني المهم .
في الوثيقة الثالثة يضعون تصورهم لكيفية تطوير الاساليب النضالية السلمية وضرورة مواكبة العمل السياسي للعمل الميداني , وانهاء حالة تخلفه عنه , وفيها شرح لأساليب هذا النضال الجماهيري والفئوي المختلفة وصولاً الى مرحلة العصيان المدني الشامل .
في الوثيقة الرابعة تناول قانوني لتفنيد المصطلحات التي ترد في الخطاب الجنوبي من امر التفاوض باسم جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية الى مصطلحات استعادة الدولة و مصطلح فك الارتباط ؟.من ثم تناول قانوني لقراري مجلس الامن الخاصين بالحالة اليمنية رقم 924 و931 وتبيان لما قد يقع به البعض من لبس في اعتمادهما كمسانيد قانونية لمطالب الجنوبيين والتأكيد على ان الاحداث قد تجاوزت هذين القرارين .
في الوثيقة الخامسة تتبع قانوني ايضا لموقف القضية الجنوبية يتضمن شرحاً موجزاً لإرهاصات الوحدة وما جاء بعدها , وكيف تعامل معها طرفي الاتفاق , ففيما احدهما تعامل مع المشروع كهدف نبيل وسامي تم انجازه , فأن الطرف الاخر نظر الى الامر من باب استعادة الارض الموعودة , فاغراٍ فاه تجاه ما تحتويه هذه الارض من ثروات , مبطناً نية الفتك بمن يعتبرهم طارئين على هذه الارض , ليشرع في مسلسل نكث العهود , وبدء محاولات شطب الطرف الجنوبي والتي قادته الى حد اعلان الحرب الشاملة التي اراد بها اعادة الجنوبيين الى الوضع الذي يراههم حريين به ( رعايا لا موطنين ) , وتتعرض الوثيقة كذلك الى ما تعرض له الجنوبيين من جرائم اثناء الحرب وبعدها , وتذكر بالفتوى الظالمة ضد الجنوبيين , ودحض كبار علماء المسلمين لها , مثل الشيخ محمد سيد طنطاوي والشيخ عبدالعزيز بن باز , ثم تأكد الوثيقة على المسانيد القانونية لحق تقرير المصير لجميع الشعوب المتمثله بالفقرة 2 من المادة 1 من ميثاق الامم المتحدة , , كما وتؤكد على ان هذا المبدأ من القواعد الملزمة في القانون الدولي , وقد تم تثبيت هذا المبدأ القانوني في العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مادتهما الاولى , وتعتبر الجمهورية اليمنية طرف في هاتين الاتفاقيتين بناء على عضوية ( ج ي د ش ) فيهما بتاريخ 9/2/1987 .
الوثيقة السادسة تحوي مذكرة حزب الرابطة التي قدموها مشكورين الى السيد جمال بنعمر بشهر مارس 2013 بدبي .
في الوثيقة السابعة يتحدثون عن الاسس والضوابط والمرجعية لأي تفاوض مع الطرف الشمالي , وبحقيقة الامر فأن اصحاب الرؤية يفترضون حسن النية في الطرف الاخر واذعانه لصوت العقل والمنطق وهو امر مستبعد جدا .وبناء على افتراضهم هذا يضعون اسس معينة وضوابط تؤدي الى اعادة بناء دولة الجنوب بشكل آمن وسلس , يحفظ الامن والسلام للطرفين وللإقليم , ويجنبهم مخاطر الطريق الاخر , ويعتمدون في ذلك التفاوض على ميثاق الامم المتحدة كمرجعية للمتفاوضين .
في الوثيقة الثامنة يضعون ضوابط واليات بناء الدولة الجنوبية في مرحلة ما بعد التحرير, والتي ستكون عبارة عن مرحلة انتقالية يتولى ادارتها هياكل الثورة الجنوبي التي تحدثت عنها الوثيقة الثانية من رؤيتهم , وخلالها يتم التأسيس للدولة الجنوبية الفتية ويشرحون في الوثيقة المهام التي ستعكف عليها قيادة المرحلة الانتقالية على مختلف الاصعدة .
في الوثيقة التاسعة تصورهم لشكل الدولة الجنوبية القادمة ونظام الحكم فيها , ويرون ان الفيدرالية من اقليمين شرقي وغربي هي الصيغة التي تناسب الجنوب , كما انهم يقترحون نظام الحكم الرئاسي كأفضل النظم لحكم الجنوب ويشددون على استقلال القضاء والتعددية السياسية والفصل بين السلطات ونظام القائمة النسبية في الانتخابات وغيرها من المبادئ الاساسية للدولة المدنية .
في الوثيقة العاشرة شرح لمرتكزات السياسية الداخلية والخارجية للدولة المرتقبة ,ملتزمين قواعد الدين الاسلامي السمح مرتكزا اساسيا لمختلف سياسات الدولة الداخلية والخارجية , مع التشديد على مفهوم المواطنة المتساوية بما تحمله من معاني المساواة في الحقوق والوجبات للمواطن دونما نظر الى عرقة او دينه او لونه , وانتهاج الوسطية في الدين ومنع استغلال الدين لخدمة السياسة , واعتماد مبدأ السلمية والتفاوض في التعامل مع الاقاليم والعالم والموقف من الاقليات والقضية الفلسطينية التي يعتبرون التفاوض العادل الذي لا يقوم على التسويات التي تغلب مصلحة طرف على الاخر ., طريقا للوصول الى حلاً لها , واتخاذ المواقف من ما يحدث في العالم انطلاق من احترام حق الشعوب السلام والعدل وحقها في امتلاك القرار وتقرير المصير , كما تضمنت الوثيقة مقترح بصلاحيات الاقاليم ومالها وما عليها , وضرورة الاتفاق على آليات بناء الدولة المختلفة فوراً بالتوازي مع العمل الثوري وعدم انتظار تحقيق النصر للبدأ في مراحل بناء الدولة . .
الحادية عشرة عبارة عن مشروع دستور الدولة الجنوبية القادمة وهو مشروع متقدم ويجب ان يحظى بالدراسة والتدقيق –بألاضافة الى ما سيقدمه الاخرون من مشاريع – في أي مؤتمر جنوبي قادم ليستخلص الجنوبيين منها دستور مدني يكفل العيش الكريم للجنوبيين .
ما قام به الاخوان في حزب الرابطة جهد بشري يحتمل الخطاء , ويحتاج الدراسة والتقويم , ولست مخولاً ولا مؤهلاً لتفنيده او تزكيته , فهو جهد جماعي لمتخصصين بحاجه الى جهود جماعية متخصصة مقابلة , تقوم بدراسته وتمحيصه مع غيره من الرؤى لأنتاج مشروع ثورة يكفل نجاحها ومشروع دولة مدنية متحضرة قابلة للحياة ولجميع ابنائها .
لكن هناك بعض الملاحظات السريعة على ما جاء في الوثائق , فتحفظهم على حالة العصيان المدني التي ينفذها الحراك حاليا لا نرى صوابها , اذ ان من اراد الاستشفاء من الداء فعليه الصبر على مرارة الدواء , كما ان الرؤى تفترض في الطرف الشمالي وحتى في الجنوبيين حالة من الفضيلة ربما ليست واقعية , وتقسيم الدولة الى اقليمين بحاجة الى مزيد من الدرس, كذلك فأن الوثيقة تحمّل بعض المصطلحات التي ترد في خطاب الجنوبيين اكثر من ما تحتمل , فمصطلح ( استعادة الدولة ) مثلا , المقصود منه هو استعادة البلد , استعادة الوطن , وليس استعادة النظام الذي كان يحكم الجنوب كما تفترض الرؤية .
كما ان طرح الرؤى ومشاريع الحلول من قبل أي طرف يعد عملاً قاصراً ما لم يصاحب هذا الطرح التحام حقيقي بالميدان , وعمل مباشر في الشارع يكون جواز مرور لنجاح مثل هذه المشاريع والرؤى .
لكن وبمقابل كل هذا فأن لهذا العمل فوائد عظيمة , فعلى المستوى الشخصي فقد شكلت تلك الرؤية اضافة نوعية الى معارفي السياسية والثقافية فيما يخص القضية الجنوبية , وننصح كافة نشطاء الجنوب بقراءة هذه الرؤية , فبالإضافة الى كونها مشروع ثورة ودولة متميز , فهي تثقف القارئ بالقضية الجنوبية من مختلف ابعادها السياسية والقانونية وحتى التاريخية لما تحمله بين دفتيها من معلومات وحقائق , وهي عصارة جهد كوكبة متميزة من كوادر ( الرابطة ) , بذلوا فيها جهدا كبيرا يشكرون عليه .
كما ان قيامهم بهذا الجهد , وبالمبادرة الى هذا الامر يستحق ان يكون محل تقدير واهتمام ودراسة متأنية وعميقة , وكذلك فأن هذه الوثائق وتزامنا مع انطلاق اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي الجامع يجب ان تحفز الاخرين الى تقديم رؤاهم الى أي مؤتمر جنوبي مزمع , ليناقشها الجنوبيين ويفحصونها ويستخلصوا منهم ما ينفعهم ويناسبهم اكان لمرحلة الثورة او لمرحلة الدولة , ليحي من يحي على بينه ويهلك من يهلك على بينة , وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .
المقالين المرفقين بالرؤية للسيد عبدالرحمن الجفري الذي يتحدث احدهما عن حتمية عودة دولة الجنوب , والاخر عن التوصيف الخاطئ للقضية الجنوبية جديرين بالقراءة والتدقيق لا سيما وكاتبها يعد من الرجال المخضرمين في الجنوب .
نسخة من الرؤية .