حديث الأربعاء : لماذا لا نهنئ الرابطة على موقفها؟

أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد

وجه لي بعض الأصدقاء عتابا حول عدم تخصيص مقال الأسبوع الماضي للحديث عن حزب الرابطة بمناسبة خطوته التاريخية المتعلقة بتغيير “اسمه الطارئ” الى مسماه الأصلي السابق, خاصة وقد كنت شخصيا واحدا ضمن عدد كبير من الأشخاص الذين خاضوا نقاشات طويلة مع قيادة الحزب في ما يخص هذه النقطة على وجه التحديد, واتذكر ان حديثا وديا قد تم بيني وبين الأمين العام للحزب الاستاذ الخلوق محسن محمد بن فريد في قاهرة المعز قبل حوالي السنتين تقريبا حول نفسه النقطة, وفي ذلك اللقاء لم يقلل اخي العزيز من أهمية الموضوع بقدر ما تحدث عن توقيته وظروفه المناسبة. وفي نفس الاطار ايضا كان لي نقاشات لاحقة غير منقطة مع رئيس الحزب الاستاذ عبدالرحمن الجفري ارجع فيها مسألة الحسم في هذه المسألة الى ذات السبب الذي تحدث فيه معي امينه العام.

وربما ان القارئ الكريم يعلم انني كنت عضوا في قيادة الحزب في محافظة عدن قبل ان اتقدم باستقالتي لأسباب خاصة وعامة عام 2007م, غير ان “العلاقات الانسانية” بيني وبين قيادة الحزب بقيت على نفس الوتيرة من المودة والتقدير والاحترام المتبادل ولم اشعر في اي لحظة انها اهتزت او تبدلت لهذا السبب او ذاك حتى في الأيام الاولى من تقديم الاستقالة, وربما ان ذلك يعود الى واحدة من عديد مزايا تعلمتها شخصيا من مدرسة هذا الحزب الجنوبي العريق, بل انني اعزو “تورطي” في الشأن السياسي العام في مرحلة مبكرة من حياتي الى اعجابي الكبير بشخصية الاستاذ عبدالرحمن الجفري الذي كنت اتابع بإعجاب جملة المواقف والتصريحات والخطابات التي كان يتميز بها اكثر من غيره منذ ان بدأت التعرف عليه عام 1993م, وفي الحقيقة ان الرجل لم يبخل علي طوال تلك المرحلة بالتوجيه والارشاد وحتى المساندة.

وفي تقديري الشخصي ان قرار العودة الى المسمى الأصلي للحزب “حزب رابطة الجنوب العربي” يحمل قدرا كبيرا من الشجاعة والوطنية والواقعية الشديدة في آن واحد ويكفي انه اتى في مرحلة قررت فيها قوى النفوذ تقسيم الجنوب, كما ان قيادة الحزب قد عمدت إلى تطوير موقفها السياسي من “قضية الجنوب” عبر سلسلة من المواقف التدريجية التي تناسبت مع حجم المغيرات على الساحة الجنوبية حتى وصلت ذروتها التي ما بعدها ذروة بإعلان العودة الى المسمى الأصلي كما أشرنا. وما يهمنا ملاحظته هنا ان كثيرا من القوى السياسية الجنوبية التي كانت تتقدم على حزب الرابطة في “الموقف السياسي” فيما يخص قضية الجنوب بقيت عاجزة عن تحقيق اي تقدم يذكر في حين ان الرابطة كحزب, وخلال فترة قصيرة من الزمن تجاوزتها الى المكان الذي يليق به والى المستوى الذي يفترض ان يكون عليه هذا الحزب العريق!.

“المرض المزمن” لدى البعض والذي لا يمكن تفسيره او قبوله بحسابات اللحظة الراهنة يتعلق بأن “هذا البعض” يمكن ان يجد بين ثنايا “فكره المستنير”!! تفسيرات يمكن ان يصفها بالمنطقية وحتى بـ”الوطنية” لتبرير مواقف (متبلدة – جامدة) لبعض القوى السياسية والشخصيات الكبيرة وحتى الأحزاب الجنوبية الأخرى من قضية الجنوب في حين انه سيبقى عاجزا عن تقديم اعتراف حميد او حتى “اشارة ايجابية” تجاه الخطوة التاريخية لحزب الرابطة او حتى اشارات اخرى تتواكب مع كل تقدم يحرزه الحزب في مسيرتنا النضالية من اجل الاستقلال! وفي هذا السياق يمكنني شخصيا ان اذهب الى حد القول ان “التعافي الجنوبي” من امراض ماضينا التعيس خاصة ما يتعلق منها بـ”انكار” الآخر الوطني او اعتماد “المواصفات الخاصة” للوطنية تجاه هذا الطرف الجنوبي او ذاك يمكن الحكم على مدى تعافينا منها بدرجة التعاطي الايجابي من قبل هؤلاء مع حزب الرابطة.. ماضيا وحاضرا ومستقبلا! وحتى تتضح الصورة اكثر يمكنني ان اتساءل عن موقف هؤلاء فيما لو قدر لهذا الحزب ان يخوض غمار ما سمي بالحوار الوطني في “الموفنبيك” بصنعاء اسوة ببعض القوى والشخصيات الجنوبية التي ذهبت برضاها وخرجت برضاها ايضا.. نسألكم بالله هل كانت ردة الفعل الجنوبية ستكون واحدة فيما لو كانت الرابطة هي من ذهب الى صنعاء؟!!.. ان مثل هذا السؤال الجريء يمكن ان يكشف للنفس عن عيوبها التي التصقت بها عبر التاريخ جهة معايير التقييم العادل للآخر الجنوبي, وهو سؤال يمكن ان يقدم للشخص المعني الذي لامس عيوبه مثل هذا السؤال “وصفة طبية” لعلاج تلك العيوب المستعصية, وتجاوزها بكل روح رياضية ان هو اراد ذلك بطبيعة الحال.

ان هذه الشخصية الجنوبية التاريخية او تلك يمكن ان يبرر موقفها المتذبذب من قضية الجنوب من قبل البعض منا بـ”الموقف الذكي” أو “الموقف السياسي العبقري” أو بـ”الدهاء السياسي” حتى.. على اعتبار ان صاحبه قد شرب من معين “الطهر والنقاء الوطني” ماء زلالا دون غيره! او ربما ان “السر الالهي” قد سكن في شخصيته الوطنية دون غيرها, في حين ان بعض القيادات الأخرى كقيادات الرابطة مثلا او غيرها, يمكن ان توصف مواقفها ان كانت من نفس النوعية بـ”المواقف المتخاذلة” أو “المتواطئة” ويمكن ان يصل الحال حد وصف صاحب الموقف من هؤلاء بـ”الخائن لوطنه”!!.

الكثير من القوى السياسية والشخصيات الوطنية قدمت التهاني والتبريكات لحزب الرابطة على خطوته التاريخية الوطنية وعبرت عن سعادة كبيرة عكست روحا جديدة تجاه نظرتنا لبعضنا البعض ولمدى تكاتفنا معا في مواجهة قوى الاحتلال ولتكريس قيم التسامح والتصالح على ارض الواقع في جنوبنا الحبيب, والبعض الآخر اخذته العزة بالإثم ولم يفعل حتى بالحسابات السياسية ناهيك عن الوطنية!!.. وآثر ان يبقى وفيا لمدرسة الماضي العتيق على قبول المستجدات الخطيرة لمواجهة الكوارث التي احدثتها مدرسته العتيقة! غير ان القيادي الكبير الزعيم حسن باعوم كان اول المهنئين للحزب بخطوته الموفقة, بل ان الرجل ذهب الى حد التساؤل ان كان يستوجب عليه ان يهنئ قيادة الحزب ام يهنئ نفسه بهذه الخطوة!.. السيد الجفري اخبرني ذلك برسالة – ممتنا وسعيدا – بما سمعه من باعوم, ما يدلنا على مسألة في غاية الأهمية غالبا ما نهملها ونقلل من اهميتها, وهي ان الكلمة الطيبة التي لا تكلف المرء منا جهدا كبيرا يمكن ان تردم الكثير من الفجوات المصطنعة فيما بيننا.. فلماذا لا نفعلها لوجه الله اولا ولوجه الوطن ثانيا؟!.

لكن في المقابل.. على حزب الرابطة ان يدرك ان العودة الى الاسم التاريخي له ليست سوى خطوة واحدة ضمن سلسلة خطوات اخرى تستوجب على الحزب الوفاء بها خلال المرحلة القادمة, وهي اجراءات او خطوات تتطلب قدرا عاليا من “مواجهة الذات” بدرجة عالية من الشجاعة من خلال اجراء عملية تقييم حقيقية لمسيرة الحزب خلال الفترة الممتدة من عام 1986م حتى يومنا هذا على اعتبار ان ما قبلها وتحديدا منذ عام 1967م هي فترة زمنية ما كان يمكن فيها تقديم افضل مما كان. ففي تقديري ان على الحزب ان يقبل حقيقة ان “تشرذم الحزب” الى عدة كيانات ومسميات ليست بفعل عوامل خارجية صرفة على الدوام بقدر ما تحمل اسبابا اخرى داخلية ينبغي التعرف عليها ومواجهتها!. مع عدم انكارنا لجملة الظروف الصعبة التي واجهها الحزب خلال مسيرته المذكورة، كما انني اعتقد شخصيا ان التحدي الأكبر والابرز للحزب هو مقدرته على لملمة صفوفه المبعثرة على اكثر من جبهة من خلال اجراء عملية “مصالحة حزبية” مع الجناح الآخر لحزب الرابطة الذي يقوده الشيخ العزيز محمد ابوبكر بن عجرومة على وجه التحديد والذي لم يكن موفقا في بيانه الأخير ازاء زملائه التاريخيين وموقفهم المرحب به بالعودة الى المسمى الأول.

ثم على حزب الرابطة ايضا ان يلتصق بالجماهير على ارض الواقع اكثر مما كان يفعل في المراحل السابقة التي تميزت بنوع من “الانفصال” عن المزاج الشعبي العام وان يبحث في الأسباب التي جعلت منه حزبا ينظر اليه على انه حزب لنخبة معينة فقط وليس حزبا للجماهير بشكل عام!.

إن النقد المؤلم هو افضل وسيلة للحزب للتعرف على اخطائه وزلاته في هذه المرحلة من الاشادة او التفخيم الذي ربما لن يقود الى احداث تلك الخطوات الأخرى المنتظر انجازها.

عن عدن الغد | حديث الأربعاء : لماذا لا نهنئ الرابطة على موقفها؟
http://adenalghad.net/news/91724/

شاهد أيضاً

عدن محافظة منكوبة

بداية، ببالغ الحزن والأسى نتقدم بأصدق التعازي والمواساة القلبية لذوي الشهداء جراء هذه الكارثة، فكل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *