حين هاتفني احد زملاء الحراك الجنوبي، متعدد الكيانات، راجيا توفير باص لنقل بعض الشباب الذين لم يتمكنوا من المغادرة إلى الضالع مع ركب مساء الأحد، كنت أظن أن العدد الذي سيحضر صباح الاثنين لن يكون كبيرا لان توقيت المغادرة سيكون في الخامسة فجرا لذلك وضعنا بديلا آخر وهو وضع الجميع في الباص الذي كان مخصصا لصباح الاثنين بحيث نوفر أجرة باص نظرا لشحة الإمكانات التي كانت عبارة عن تبرعات شخصية من زملاء موظفين في الأساس، لكن الحضور كان يستوجب إضافة باص إلى ما توفر من وسائل نقل أخرى.
كان الجميع يرى الوصول إلى الضالع فرض وطني واجب على كل جنوبي، بعضهم لا يملك في جيبه إلا بضعة ريالات والبعض الآخر لا شئ، بعضهم في بيته طعام يكفي حد الكفاف وبعضهم اقل من ذلك، وتشاركوا في الطريق ثمن وجبة فطور مكونة من (خبز وفاصوليا).
وصلوا إلى الضالع مع بدء انطلاق مسيرة التشييع، اقسم بالله انني اعرف من سار حافيا طوال المسافة من الضالع إلى سناح والعودة إلى مكان تناول وجبة الغداء بمسافة إجمالية تقارب الـ (25كم) بسبب تمزق حذاءه المهترئ عند الانطلاق.
صحيح أن كرم أبناء الضالع كان يفوق الوصف، لكن ألا يستحق الأمر شئ من التأمل؟، شعب يعيش على الكفاف بسبب الإفقار الذي مورس عليه ويتعرض للموت والجراح والاعتقال والمطاردات ومع ذلك يأبى أن يستكين للذل، وأدعياء قيادة يعيشون في القصور والفنادق الفاخرة ويعجزون عن إصدار بيان، مجرد بيان موحد يحترم تضحيات هذا الشعب الذي يدفع ثمن خطاياهم، أليس ذلك دليلا على أن الشعب ينظر إلى المستقبل وهذه القيادات حبيسة ماضيها البائس.
تبا لأدعياء قيادة يفكرون قبل نومهم في نوع البذلة التي سيلبسها غدا، ونوع صبغة الشعر التي يستخدمها ومكان تناول وجبة الغداء، وسلام على شعب عظيم، يقضي أبناءه ليلهم يفكرون كيف سيتحركون غدا، وفي أي مسيرة أو اعتصام سيشاركون، رغم شظف العيش وأولوية التفكير في إطعام الأبناء، تبا لأدعياء قيادة يفكرون في تفاهات كماليات الحياة وسلام على شعب يفتقر إلى ابسط الضروريات.
قال لي صديق أن احد هذه القيادات الهرمة قال له (خلافاتنا لن تنتهي إلا بنهايتنا، فلا تنتظروا منا اتفاق، شقوا طريقكم بدوننا).. أعلينا نحن في الجنوب أن ندفع ثمن خلافاتهم خلال فترة رعونة سلطتهم وندفع ثمن خلافاتهم في شيخوختهم وهم بعيدون حتى عن رصيف وطن؟، لو كان الأمر بيدي لرفعت قضية حجر عليهم كما يرفع الأبناء قضايا حجر على آبائهم المعتوهين.
بئسا لبطاناتهم من الطبالين الذين يتسابقون على فضلات موائدهم، وكفى.