كان لحزب الرابطة موقفا واضحا من (يمننة) الجنوب أثناء وبعد ثورة الجنوب الأولى خلال الفترة من منتصف خمسينيات إلى منتصف ستينات القرن الماضي , دفعت الرابطة ثمن ذلك الموقف غاليا وصلت معه بأنها أصبحت منفية قسرا خارج حدود الوطن الذي دافع أبناءها عن هويته , ولم يتوقف الأمر عند النفي ألقسري بل أن حزب الرابطة حورب وتحول خلال حكم الوجوه المتتالية على الجنوب منذ الاستقلال الأول حتى توقيع اتفاق الخطاء القاتل (الوحدة الاندماجية اليمنية) إلى شماعة علق عليها الرفاق كل إخفاقاتهم التي لا تحصى ولا تعد والتي تحولت الرابطة معها من خلال خطابهم إلى رجعية تارة , وكهنوتية تارة أخرى , ومتآمرة على التجربة الوليدة تارة ثالثة .. و الخ الخ !!
في كتابه (الخروج من نفق الاغتراب ) أورد الكاتب والمؤرخ الدكتور محمد علي الشهاري الكثير من الحقائق التي أكدها بالكثير من الوثائق المرفقة بهذا الكتاب , ومن هذه الحقائق تلك الخطوات التي قامت بها (حركة القوميين العرب في اليمن ) منذ نشوئها عام 1959م .. وفي تساؤل أورده الكاتب حول ما هي القضايا الوطنية والقومية التي دار حولها مجمل نضال فرع حركة القوميين العرب في اليمن منذ نشوئه عام 1959م وإلى حين قيام ثورة 26سبتمبرفي الشمال عام1962م وما هي الأفكار والمبادئ العامة التي تبناها خلال هذه الفترة , وما هي وجهات نظره إزاء مختلف التجمعات والأحزاب القائمة آنذاك : التقليدية , والعمالية, والقومية , والإصلاحية وما هو موقعه السياسي بين كل ذلك !!!
وللإجابة على هذا التساؤل أورد الكاتب وثيقة هامة وصفها بالغير منشورة وذلك عن نشأة (حركة القوميين العرب في اليمن) نسب إعدادها إلى الأستاذ علي احمد ألسلامي الذي كان يشغل حين ذاك المسئول الأول عن مرتبتها المسئولة في اليمن يوجز فيها تصور الحركة حول ذلك كله كما يلي :
في الفقرة (2) من هذه الوثيقة أورد الكتاب ((نتيجة لسيطرة وحكم الاستعمار في عدن وحكم السلاطين والاستعمار في بقية المناطق , ولما كان يعيش الشعب ظلم وقهر وإرهاب على أيدي الاستعمار والسلاطين كانت هناك أحزاب كثيرة وكنا نرى أن هذه الأحزاب لا يمكن أن تخلص البلاد من الحكم الفاسد .. وكنا نبحث عن تنظيم نلتف حوله .. وعرفنا عن تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي , وعن تنظيم حركة القوميين العرب .. وكانت الساحة العربية كلها تغلي في ذلك الوقت بالاتجاه القومي والوحدة العربية وقيام الجمهورية العربية المتحدة (من مصر وسوريا) ودور عبد الناصر المؤثر في كل أجزاء الوطن العربي , كل هذه الآراء القومية وجدناها في تنظيم حركة القوميين العرب , إضافة إلى أن التنظيم للحركة كان تنظيما حديديا حازما , ووجدنا هذه الدقة في التنظيم صالحة لوضعنا وظروفنا في اليمن الديمقراطية , كل هذه العوامل جعلتنا نعتنق أفكار حركة القوميين العرب ونقوم بتأسيس فرع لها باليمن )) !!
وفي الفقرة (3) (ب) جاء في هذه الوثيقة (( موقفنا من حزب الرابطة كان موقفا عدائيا تماما لان الرابطة لا تؤمن بالوحدة اليمنية , والرابطة لا تؤمن بالاشتراكية , ولها علاقات مشبوهة بالسلاطين وكبار الملاك في البلاد ….)) .. انتهى..!!
وقد أوضحت هذه الوثيقة موقف القوميين العرب من كثير من القوى السياسية على الساحة آنذاك منها موقفها من حزب الشعب , والموقف من التجمع الشيوعي , والموقف من البعثيين وغيرهم , وأشار الكاتب إلى كتيب ( اتحاد الإمارات المزيف مؤامرة على الوحدة العربية) الذي صدر باسم حركة القوميين العرب في اليمن العام 1959م والذي وضعه في صيغته النهائية كل من جورج حبش الأمين العام لحركة القوميين العرب , ومحسن إبراهيم عضو الأمانة والذي يحدد خصوم الحركة في اليمن الذين ينبغي التصدي لهم بأنهم : ( — الاستعمار البريطاني … الفئات الحاكمة المرتبطة به … الأحزاب والقوى الانفصالية… الشيوعيين… وقوى الجمود كما وصفها في اليمن عموما …) !!
في العام 1990م وفي خطأ جديد للحزب الاشتراكي الذي يفترض انه وريث الجبهة القومية صنيعة حركة جورج حبش ومحسن إبراهيم , ذهب الرفاق إلى الوحدة اليمنية جارين خلفهم شعب الجنوب الذي لم يستشار وفارضين حكم الأمر الواقع على القوى السياسية المنفية سياسيا حتى تلك اللحظة , وجاءت النتائج الكارثية للوحدة الارتجالية الفاشلة وكان حزب الرابطة مرة أخرى احد ضحايا شطط الرفاق وصلفهم ونزعة الانفرادية لهذا الحزب , فقد الحق (اليمننة) باسمه باحثا عن فرصة أخرى يحقق من خلالها لأبناء الجنوب ما حالت الظروف والأحداث دون تحقيقه في مرحلة الثورة الأولى في عقد الستينات , وحين نكص الاشتراكيين على أعقابهم مرة أخرى وليست أخيره وأعلنوا الانفصال كانت الرابطة على موعد جديد مع جريمة جديدة فرض عليها أن تشارك في حمل وزرها دون أن يكون لها يد فيها فتحملت مسئولياتها وأصبحت متهمة بالجريمة العظمى ( اليمننة) في ذيل اسمها , وأصبح من باع الجنوب في ليلة لم يطلع لها نهار هم الجنوبيون المخلصون وهم المدافعون عن الحق الجنوبي وهم المتباكون ليلا ونهارا على الملك الضائع , انقلبت الموازين وأصبح المعاقب والمنفي بجريمة رفض الوحدة اليمنية والانفصالي هو من يعاقب اليوم بتهمة الارتماء في اليمننة!!!!!!!!!!!
يا ترى بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها وتشهدها الساحة الجنوبية اليوم هل سنشهد فصلا ساخرا آخر ينضحك علينا به كجنوبيين تظهر من خلاله الرابطة دافعة لفاتورة خطأ جديد لبقايا القوميين والاشتراكيين , هل سنصحو يوما على صفقة جديدة بين عرابي الوحدة الفاشلة بالاشتراك مع سماسرة المصالح الإقليمية والدولية يصبح حزب الرابطة وغيره على إثرها انفصاليا؟؟!!!!
قبل الختام هناك تساؤل حول اختيار قيادات حزب الرابطة لأوقات اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية , لم نلاحظ يوما أن قيادات الرابطة قد زامنت اتخاذ قراراتها المصيرية بحالات تقدم وانتصارات الثورة الجنوبية , فقد جاء اتخاذ تغيير مسمى الحزب من حزب رابطة أبناء اليمن إلى حزب رابطة أبناء الجنوب الحرفي توقيت تعيش فيه الثورة الجنوبية لحظة من أصعب اللحظات التي تمر بها فبعد مخرجات الحوار الوطني اليمني وتداعياتها وحالة الإغفال المتعمد من قبل المجتمع الدولي ومن قبل النظام الحاكم في صنعاء لقضية الجنوب , وحالة التشرذم التي مازالت تلقي بظلالها على أبناء الجنوب ,وحالة الصمت الذي تعيشه الحالة السياسية والشعبية الجنوبية , تأتي الرابطة لتزرع ابتسامة في وجه كل هذا العبوس وتزرع بذرة أمل في ساحة القنوط المتسعة يوما عن يوم وهي بذلك أنما تبعث برسائل إلى الجميع تؤكد فيها أن لحظات الشدة هي فقط التي تظهر فيها معادن الثوار وتتضح فيها مواقفهم !!!