الذكرى الـ18 لرحيل رائد استقلال الجـنوب العربي (شيخان الحبشي رحمه الله)

علي محمد السليماني
علي محمد السليماني

في الـ28 من اْبريل 1995م، رحل عن دنيانا الفانية الزعيم الوطني الفـذ شيخان عبدالله الحبشي “رحمه الله”، بعد رحلة من النضال الوطني المخلص، الذي تكلل بصدور قرارات الاْمم المتحدة باستقلال ووحدة الجنوب العربي.
وعوضا عن الكلام المباح وصياح الديكة في الصباح نترك الاْعمال والاْنجازات تتكلم عن اْصحابها، وليس كما يلوك البعض الكلم ويجره عن مواضعه لاغراض في نفسه وهي بدون شك ضارة بالجنوب وبشعبه ونتيجتها الفأس في الرأس كما يحس به كل اْحرار وشرفاء شعب الجنوب…
لقد ظل الجنوب العربي لمئات السنين عرضة للإهمال والإقصاء تفتك به الدويلات الاسلامية عبر سيطرتها من العواصم الاسلامية المختلفة من خلال صنعاء…تلك الدويلات التي تتلبس لبوس الاسلام والمذاهب وهي تهدف الى الاْستفادة من مواقع الجنوب العربي الاستراتيجية والاقتصادية دون اْن تعبأ بإصلاح أْحوال هذه القطر العربي، الذي أدى اأدوارًا تأريخية كبيرة ويعد الوعاء الاْول الذي اْنطلقت منه مسيرة البشرية الاْولى منذ عهد اْبونا اْدم وأمناء حواء “عليهما السلام”..
وأيضاً في عهدها الثاني الذي اْنطلقت منه سفينة اْبونا نوح “عليه السلام” وأرست فيه بسلام..
ومن هذا الصقع أنطلق التمكين الاْول على اْيدي تبع ذو القرنين، الذي جاب الكرة الاْرضية حتى بلغ مشرقها ومغربها، كما جاء في القراْن الكريم، لنشر الخير والعدل في الأرض.
وجاء الاْستعمار البريطاني بذرائع كشأْن كل الغزاة والطامعين الذين يتذرعون بحجج أوهى من خيوط العنكبوت وتمكن بعد مقاومة غير متكافئة من انتزاع عدن وسلخها عنوة من سلطنة لحج العربية الجنوبية وإخضاعها للاْحتلال البغيض في 19 يناير 1839م.
ومنذ اْن وطأت اْقدام المحتل الغازي اْرض الجنوب العربي والثورات والتحركات والتمردات مابرحت تتوالى لرفض الاْحتلال بكل صوره وأشكاله..
وظهرت الحركة الوطنية الرائدة الاْولى في الجنوب العربي، “رابطة اْبناء الجنوب العربي”..، التي اْخذت على عاتقها حمل واجب الدعوة الى الاْستقلال والوحدة الوطنية للجنوب العربي من كمران غرباً والى منتهى حدود الجنوب العربي مع سلطنة عمان الشقيقة شرقاً، ومن الجنوب البحر العربي وخليج عدن ومن الشمال اليمن والسعودية..
وقد أخذت على نفسها عهداً بنشر ثقافة التحرر والوحدة ونشر الوعي والعلم ومحاربة الجهل والفقر، والنعرات العصبية الضيقة، والدعوة الى التمدين والرقي والتطور…
وكان المجال الذي سلكته الرابطة من اْجل مساعدة شعب الجنوب العربي، هو المجال العربي بحكم روابط العروبة والدين والجوار والمصير العربي المشترك.. وكان ممثلو مملكة اليمن يعترضون على تقديم اْي عون اْو دعم لشعب الجنوب العربي لتخلصه من الإحتلال والاستعمار بحجج واهية ودعاوي زائفة ومخادعة.. وكانت جامعة الدول العربية والأعضاء فيها تتحاشى اْثارة غضب المملكة اليمنية ذات الاْطماع التوسعية..، والتي اْحتكرت التسمية الجهوية باْسمها كحق مشروع في تلك التسمية بما فيها من جغرافيا وديمغرافيا وتاْريخ عظيم..، بينما لا تحتل اْرضها (العربية السعيدة) منه غير جزء يسير..الاْمر الذي اْضطر الرواد الاْحرار الجنوبيون الى جانب نشر ثقافة التحرر والوحدة في الجنوب العربي في الداخل ومساعدة الحركات التحررية في العوالق والواحدي وبلاد باكازم وفي يافع والفضلي (المرقشي) وفي ردفان والصبيحة وفي حضرموت..
وبعد شعورها بتقصير الاشقاء العرب اْضطرت التوجه الى الاْمم المتحدة كمنظمة دولية اْرتضت الشعوب ودولها اْن تكون مسئولة عن الاْمن والاْستقرار في العالم.. وذهب الراحل الكبير الاْستاذ والمفكر/شيخان عبدالله الحبشي أْمين عام رابطة الجنوب العربي “رحمه الله”، الى الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1959م، وحاول عرض القضية الجنوبية على مندوبي الدول ومنهم الخمسة الدائمين، لكن الاْمم المتحدة ونظامها الداخلي في ذلك الوقت لايسمح لحركات التحرر الوطني عرض قضايا شعوبها وأوطانها مباشرة..، بل لابد من دولة في الاْقليم وعضو في الجمعية العامة اْن تتبنى تقديم الطلب، وهو ما تعذر نتيجة دعاوي واْعتراضات مملكة اليمن المتوكلية، وبمهارته ومقدرته السياسية والقانونية قدم شرحا وافيا وكاملا عن الجنوب العربي وعن الملابسات التي تحيط به من كل الاْتجاهات والأطماع المحدقة به نظراً لصغر شعبه وفقره وجهله وتشرذمة..
وعليه صدر الاعلان العالمي لحق تقرير مصير الشعوب التي مازالت رازحة تحت نير الاستعمار رقم 1514 لعام 1960م بحقها في تقرير مصيرها واختيار مستقبلها ووحدة وسلامة اْراضيها..
كما منحت حركات التحرر الوطني في العالم اْجمع حق مخاطبة الاْمم المتحدة مباشرة وطرح قضايا بلدانها وشعوبها على العالم من خلال منبر الاْمم المتحدة..
وهوماتم من خلال اللجنة الرابعة واللجنة المنبثقة عنها الخاصة بتصفية الاْستعمار والتي مثل اْمامها في 27 أبريل 1963م الاستاذ/شيخان الحبشي “رحمه الله”، ليلقي الى العالم قضية الجنوب العربي ويحدد مطالب شعبه العظيم في التحرر والوحدة والاْستقلال والإنعتاق من العبودية، وتبنت اللجنة كامل مطالب رابطة الجنوب العربي، التي هي مطالب شعب الجنوب العربي قاطبة..
وبعثت اللجنة الرئيسية بلجانها الفرعية لتقصي الحقائق واستمعت الى اْبناء الجنوب العربي في القاهرة والسعودية والعراق والكويت ولبنان واليمن، وأجمع الكل على التحرير والاستقلال والوحدة لكامل تراب الجنوب العربي والذي حددته الرابطة، كما ذكرت اْنفا وقدرت مساحته ب 112 اْلف ميل مربع زائدًا جزر الجنوب العربي ومساحاتها..
وفي 11 ديسمبر 1963م صدرت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضية باْستقلال الجنوب العربي على النحو التالي:

• قرار الجمعية العامة للاْمم المتحدة:
وأخيراً قدمت لجنة تصفية الاْستعمار تقريرها عن قضية الجنوب العربي (عدن والمحميات) بواسطة اللجنة الرابعة..الى الجمعية العامة للاْمم المتحدة…ونوقش التقرير في النصف الاْول من شهر ديسمبر 1963م، وتحدث كثير من الوفود حول القضية منددا بالاستعمار البريطاني وعدوانه وتلكوءه في تنفيذ نص الاعلان العالمي بتصفية الاستعمار بالنسبة للجنوب العربي وامتناعه عن السماح للجنة الفرعية بدخول المنطقة….
وقد وافقت الجمعية العامة على هذا التقرير.
كما اْصدرت في 11 ديسمبر سنة 1963م بأكثرية 77 صوتا و10 أْصوات معارضة و11 صوتا امتناع….
وفي مايلي نص تلك القرارات التاريخية:ـــ
• نص القرارات التي اْصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11ديسمبر1963م بشاْن تحرير الجنوب العربي بأغلبية 77 صوتا ومعارضة 10 اْصوات واْمتناع 11 عن التصويت
ملحوظة:
كل الدول العربية (عدا واحدة اْمتنعت عن التصويت وهي الجمهورية العربية اليمنية التي اْخذت مقعد مملكة اليمن للتو) اْيدت القرارات وصوتت لها..أْن الجمعية العامة: وبعد..
اْن وضعت في اعتبارها الفصل الخامس من تقرير اللجنة الخاصة بالنظر في تطبيق الاعلان القاضي بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة وهو التقرير المختص بعدن..
وإذ تشير الى قراراتها رقم 1514 (15) الصادر في 17 ديسمبر 1960م ورقم 1954 (16) الصادر في 27 نوفمبر 1961م ورقم 1810 (17) الصادر في 17 ديسمبر 1962م…
وإذ جعلت نصب عينيها الرغبة الاجماعية التي أعرب عنها للجنة الفرعية المختصة بعدن في الاْنهاء العاجل للسيطرة الاْستعمارية…وإذ تعرب عن اهتمامها العميق للأحوال المتردية في المنطقة واْن استمرارها قد يؤدي الى اضطراب خطير ويهدد الاْمن الدولي ويعكر صفوة..
وبعد اْقتنعت بضرورة استشارة شعب المنطقة في اْقرب وقت ممكن:ــ
1 – تصادق على تقرير اللجنة الخاصة بتطبيق الاعلان القاضي بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة وتؤيد استنتاجات وتوصيات اللجنة الفرعية المختصة بعدن..
2- تعرب عن اْسفها البالغ لرفض حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال ايرلندة التعاون مع اللجنة الفرعية المختصة بعدن خاصة رفضها السماح للجنة الفرعية بالذهاب الى المنطقة تنفيذا للمهمة التي كلفتها بها اللجنة الخاصة..
3- تؤيد قرارات اللجنة الخاصة التي اْصدرتها في 3 مايو 1963م و19 يوليو 1963م.
4- تجدد التأكيد بحق شعب المنطقة في التحرر من الحكم الاستعماري وتقرير المصير طبقا للإعلان القاضي بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة..
5- تعتبر اْن الاحتفاظ بالقاعدة الحربية في عدن يلحق اضرارا بصفو الاْمن في تلك الجهات ولذلك فاْن الغاها العاجل اْمر مرغوب فيه..
6- توصي بوجوب السماح لشعب عدن ومحمياتها بمزاولة حقه في تقرير مصيره بالنسبة لمستقبله، على اْن تتخذ مزاولة ذلك الحق شكل التشاور بين جميع السكان يجري في اْقرب فرصة ممكنة على اْساس من حق التصويت العام لكل البالغين….
7- تطالب الدولة صاحبة الاْدارة باْن:ــ
أْ / تلغي كافة القوانين التي قيدت الحريات العامة.
ب/تطلق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين والمحكوم عليهم لقيامهم بنشاط ذي طابع سياسي..
ج/ تسمح بعودة المنفيين اْو الذين منعوا من الاْقامة في المنطقة لنشاطهم السياسي…
د/ اْن تكف في الحال عن جميع عمليات القمع ضد شعب المنطقة خاصة توجيه الحملات العسكرية الى القرى وقصفها…
8- تطالب الدولة صاحبة الاْدارة ان تحدث التعديلات الدستورية الضرورية لغرض اقامة جهاز تمثيلي وإقامة حكومة مؤقتة لعموم المنطقة طبقا لرغبات السكان على اْن يقام ذلك الجهاز التمثيلي وتلك الحكومة بناء على انتخابات عامة تجري على اْساس من حق التصويت العام لكل البالغين مع المراعاة الكاملة لحقوق الاْنسان الاْساسية وحرياته السياسية..
9- ترجو السكرتير العام بالتشاور مع اللجنة الخاصة والدولة صاحبة الاْدارة اْن يرتب وجودا فعالا للأمم المتحدة قبل الاْنتخابات المشار اليها وإثناءها..
10- توصي بوجوب اجراء هذه الاْنتخابات قبل نيل الاستقلال الذي سيمنح طبقا للرغبات التي يبديها السكان بملء حريتهم…
11- توصي بوجوب عقد محادثات دون تأخير بين الحكومة التي تسفر عنها الاْنتخابات السالفة الذكر وبين الدولة صاحبة الاْدارة لغرض تحديد موعد الاْستقلال وترتيب نقل السلطة…
12- ترجو السكرتير العام اْن يبلغ هذه القرارات الى الدولة صاحبة الاْدارة واْن يقدم تقريرا الى اللجنة الخاصة حول تنفيذها…
13- ترجو اللجنة الخاصة اْن تدرس الحالة في عدن مرة اْخرى واْن تقدم تقريرا عنها الى الجمعية العامة في دورتها التاسعة عشر….
ومن الواضح اْن كل القرارات التي اْصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجانها المختصة قد جاءت مطابقة لنفس المطالب التي تقدم بها حزب رابطة الجنوب العربي الى لجنة تصفية الاْستعمار وهي المطالب التي تجمع الاْغلبية الساحقة من جماهير شعبنا العربي في الجنوب على ضرورة تحقيقها ..هذه المطالب التي تتلخص في:ــ
1- ازالة الوجود الاستعماري.
2- وحدة الجنوب العربي شعبا وأرضاً.
3- انتقال السيادة وسلطات الحكم الى الشعب بإجراء انتخابات عامة لمجلس تمثيلي تنبثق عنه حكومة وطنية لكل الجنوب العربي…
4- اجراء انتخابات عامة في ظل الحريات الاْساسية للإنسان وتحت اشراف لجنة دولية محايدة واْن تسبق هذه الإجراءات نيل الاستقلال….
وفي 4 ابريل عام 1964م اْعلنت بريطانيا ترحيبها بقرارات الجمعية العامة وحددت موعدًا لاستقلال الجنوب العربي 9 يناير 1968م..
وفي العام 1964م..تم اعلان الكفاح المسلح من قبل الجبهات التي تم تأسيسها حديثا في القاهرة تحت اْشراف المخابرات المصرية العامة لتخفيف الضغط الملكي على المصريين عبر اْمارة بيحان الجنوبية..
وقد اْسميت تلك العملية (صلاح الدين)..ردت عليها المخابرات البريطانية بعملية كودية مماثلة باْسم ( كسارة البندق)..
وهكذا تداعت الاْحداث وتسارعت حتى جاءت حرب 5 يونيو حزيران 1967م وتقدم اْستقلال الجنوب العربي لعدة اْسباب الى 30 نوفمبر 1967م وتم اْقصى كل القوى الوطنية من المشاركة في بناء الجنوب العربي، الذي تم اْدخال اْسم اليمن عليه لأول مرة في التاْريخ.
لكن بدون مفردات الوطن اليمني الواحد والشعب اليمني الواحد والثورة اليمنية الواحدة تلك المفردات التي ظهرت فيما بعد العام 1972م عندما تسلق سلطة مابعد الـ30 نوفمبر 1967م المتشعبطين برماد ثورة 14 أْكتوبر ومتسلقي السلطة الناتج عن تكرار دورات العنف والصراع الطبقي الذي اْبتدعوه…وتلك المفردات هي التي يتمسك بها الاْشقاء الشماليين بعد حرب صيف 1994م بحجة عودة الفرع الضال الى الأصل..
الاْمر الذي مابرح المفكر السياسي ومرشد الحراك الجنوبي الدكتور/محمد حيدره مسدوس ينفي تلك المفردات الماكرة والمخادعة بشده ويطالب الاشقاء الشماليين الاعتراف بالوحدة اليمنية والتسليم اْن اليمن يمنيين وشعبين ودولتين وعلمين وعملتين وجيشين..، مؤكدا اْن انكار تلك المسلمات البدهية يعد اْنكارا للوحدة ذاتها التي تم اعلانها في 22 مايو 1990م وإنكار لاتفاقياتها الموقعة منذ العام 1972م ومابعده…
ليس هذا فحسب وإنما اذا ثبتت صحة تلك المفردات الخاطئة فأنها تضع القيادات الجنوبية التي اْقامت دولة بعد رحيل الاْستعمار الاْجنبي على جزء من الوطن اليمني الواحد والشعب اليمني الواحد تحت طائلة العدالة بتهمة الخيانة العظمى للوطن اليمني الواحد والشعب اليمني الواحد والثورة اليمنية الواحدة..
من هنا يتضح اْن اْستقلال الجنوب العربي ووحدته قد اْستصلح تربتها وزراعتها ورعايتها والعناية بها رجال عظام غلبوا مصالح شعوبهم وأوطانهم على ما عداها من اْوهام اْو مصالح ضيقة فردية اْو حزبية وهم من عمق الهوية الوطنية الوحدوية وجذرها في وجدان ضمائر الشعب العربي الجنوبي وهم من لازالت اْفكارهم تتفاعل مع المعترك الراهن الذي يعيشه بألم ومرارة شعب الجنوب العربي من اْقصاه الى اْقصاه ..

27 أكتوبر 2013م.

شاهد أيضاً

عدن محافظة منكوبة

بداية، ببالغ الحزن والأسى نتقدم بأصدق التعازي والمواساة القلبية لذوي الشهداء جراء هذه الكارثة، فكل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *