تحريض الشماليين على حضرموت

علي عبدالله الكثيري
علي عبدالله الكثيري

ثمة من يتحين الفرصة للانقضاض على حضرموت أرضا وإنسانا بحملات التشنيع والتحريض والتأليب الجهوي الصارخ، لذلك ما أن حدث ما حدث في ثنايا العصيان المدني الذي شهدته مدنها ابتداء من يوم السبت 23 فبراير وحتى الاثنين 25 فبراير 2013م، والذي فجره غضب أبناء حضرموت على مجزرة يوم الكرامة – 21 فبراير 2013م – بعدن،حتى استل عدد من كتاب صنعاء وصحفييها أقلامهم وتدافعوا زرافات ووحدانا للتهجم على حضرموت وأهلها وللنيل من كل ما تأصل في أعماق مجتمعاتها من قيم وأخلاق وأعراف وسمات ثقافية حضارية ذاع صيتها وامتد فيض ألقها إلى أصقاع الدنيا،بل أن هؤلاء الكتاب والصحفيين لم يقفوا بحملتهم المغرضة عند ذلك الحد،حيث مضوا ليستصرخوا أبناء الشمال وليمعنوا في تأليبهم واستعدائهم لـ(تأديب) الحضارمة واجتثاث (عنصريتهم)، من خلال تجييش الجيوش لـقطع دابر (مجانينهم) الذين اعتدوا على أرواح أبناء الشمال المقيمين في مدنهم وطردوهم من منازلهم ونكلوا بنسائهم وأطفالهم .

هي حملة إعلامية هستيرية منظمة تحشد لها وتمولها وتسهر على توجيهها مراكز القوى الحاكمة في صنعاء التي يستبد بها الذعر من المد الثوري السلمي المتعاظم في حضرموت وهدير ساحاته المدوية بصوت التحرير والاستقلال واقامة الدولة الجنوبية الفيدرالية الديمقراطية .. نعم ، لقد اتخذت تلك القوى السلطوية المتصارعة في صنعاء من ما حدث في مدن غيل باوزير وسيئون والشحر من أعتداءات مستهجنة على عدد من المقيمين الشماليين في تلك المدن،اتخذتها ذريعة لشن حملات التحريض على حضرموت وأهلها،رغم أن كافة القوى السياسية والفعاليات الثقافية والمدنية ومكونات الحراك الجنوبي ومختلف الأطياف الفكرية والاجتماعية بحضرموت قد تبرأت من تلك الأفعال ودانتها واستنكرتها،ليس خوفا أو رهبة من (أشاوس) صنعاء، بل لأنها دخيلة على ثقافة حضرموت وقيم مجتمعاتها المستمدة من نورانية تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف،ثم أن تلك الاعتداءات المستنكرة جاءت في غمرة حملة تقتيل وتنكيل وترويع وحشية شنتها قوات الأمن والجيش بأوامر قياداتها في صنعاء وداهمت من خلالها مدن حضرموت ووجهت نيران أسلحتها الخفيفة والمتوسطة لصدور الشباب العزل الذين سقط منهم العشرات بين شهيد وجريح،كل ذلك لأنهم أصروا على التعبير عن غضبهم واستهجانهم لمجزرة يوم الكرامة في عاصمة الجنوب عدن،وتمسكهم بالنضال السلمي لانتزاع حرية الجنوب واستقلاله من براثن الغاصبين،وهذه الممارسات القمعية في مجملها هي الأحدث في سلسلة طويلة من الجرائم والاعتداءات التي تواصل سلطات صنعاء اقترافها بدم بارد في حضرموت خاصة وفي الجنوب عموما،دون أن تهتز لشناعاتها ضمائر تلك النخب التي تدعي الثورية والنزوع المدني والديمقراطي في الشمال.

يوم الأربعاء 6 مارس 2013م قرأت لاحدهم – الكاتب مروان الغفوري- مقالا نشره موقع “مأرب برس” وحمل عنوان ( الفاشية تقرع الأجراس في حضرموت) ومما جاء فيه :
(البارحة عاد إلى صنعاء وفد رفيع كان في مهمة رسمية صامتة في حضرموت. مدينة غيل باوزير المسالمة طردت 28 أسرة شمالية. مدن أخرى أحرقت مقرات حزب الإصلاح، بوصفه حزباً شمالياً. وصل الحال حد صب الزيت في جسد مواطن شمالي مسكين في طريق عام وإشعال النار فيه، وفقاً لروايات تناقلتها مواقع إخبارية جنوبية عديدة. تقول الملاحظات الأولية للوفد: كل ما كان مع المؤتمر الشعبي العام أصبح مع الحراك الجنوبي. أكثر من ذلك: أصبح يمثل الموجة الأكثر عنفاً في الحراك. بما في ذلك المجالس المحلية التي استقالت عن مهمته الوطنية، التمثيلية، وأصبحت تعمل كموجة متقدمة للكراهية والهدم الاجتماعي.).

ذاك مستهل المقال وقد انطوى على محاولة لتأليب أبناء الشمال ضد حضرموت والحضارمة،إذ عمد لشحنه بصور تعبيرية تستند على تضخيم لأحداث (الطرد) و(الحرق) ونزوع الحضارمة بما فيهم من ينتسبون لحزب المؤتمر الشعبي العام واعضاء المجالس المحلية لاستهداف الشماليين المقيمين في مدنهم بعمليات (تصفية عرقية) مزعومة.. وهو في استهلاله هذا لم يشر – على نحو نحسب أنه متعمد ومقصود – إلى ادانة كافة المكونات السياسية والحراكية والفكرية والاجتماعية الحضرمية لما تم من اعتداءات على المقيمين الشماليين في مدن حضرموت،ومطالبة تلك المكونات للسلطات للقيام بمسئولياتها في القبض على مرتكبي تلك العمليات المرفوضة والمستهجنة،وكشف من يقف وراءهم،وفي السياق ذاته أسقط فرضية أن هناك قوى نافذة ودخيلة على حضرموت استغلت حالة الهيجان واحتدام المواجهات بين المواطنين المسالمين وقوات الجيش والأمن في غيل باوزير أو الشحر أو سيئون،ودفعت بماجوريها للقيام بتلك الاعتداءات واستخدامها لتهييج أبناء الشمال واستنفارهم وحشدهم لحرب يجري الإعداد لها تروم اخماد زخم الحراك السلمي المتعاظم في حضرموت والجنوب،ولعل اصراره على الاشارة إلى ما أسماها عملية حرق المواطن الشمالي في مدينة سيئون وتضمينه لمعلومات كاذبة عن تفاصيل الواقعة استمدها من مواقع الكترونية جنوبية محسوبة على حزب الإصلاح ،وتجاهله لمعلومات حقيقية تؤكد أن احتراق المواطن المذكور ناجم عن سقوطة على إطار سيارة مشتعل في الشارع بعد عراك مع مواطنين آخرين من أبناء المدينة،فتجاهله لتلك الحقائق التي نشرتها الكثير من المواقع الاخبارية الجنوبية وغير الجنوبية،لا يمكن تفسيره إلا بكونه مقصودا في إطار تعبئته الجهوية ضد حضرموت.

ويبلغ الكاتب – الغفوري- ذروة تحريضه على حضرموت حين يتهم أهلها بـ( التسامح مع عناصر تنظيم القاعدة)، حيث قال :
(حضرموت جغرافيا كبيرة تركت للامعقول. داخل حضرموت صمت العقلاء، والشخصيات الاجتماعية الأكثر وزناً، وتحدث الناس الأكثر جنوناً. هناك مدن في حضرموت تعتبر، بالتعبير الاجتماعي: أنظمة مغلقة. الشحر، مثلاً. يمكنك تخيل المشهد كالتالي: كل فرد في الشحر يعرف بقية الأفراد. مع ذلك ينجح الطيران الأميركي في اقتناص بعض أفراد القاعدة الدخلاء على الشحر، أو من بعض أهاليها. كيف تسللوا إلى عمق هذا النظام الاجتماعي المغلق، حيث يعرف كل فرد بقية أفراد النظام؟ لماذا يتسامح السكان مع تنظيم القاعدة هناك؟ هل يدفع أفراد التنظيم رشوة اجتماعية ـ سياسية، مثل ترديد بعض الهتافات المناهضة للوجود الشمالي في حضرموت، مقابل الاندماج في النسيج الحضرمي؟ ما الذي يجري في حضرموت؟ لا أحد يريد أن يدري.).

إنه الاصرار على تدبيج المزاعم والافتراءات .. فالعالم من أقصاه إلى أقصاه يشهد أن حضرموت أرضا وإنسانا ومجتمعا وثقافة نابذة لـتنظيم (القاعدة) بكل مرجعياته الفكرية وتوجهاته المتطرفة وممارساته الدموية،وأنها الحاضنة التاريخية لأشهر مدارس الإسلام السمح المشهودة آثارها العظيمة في مشارق الأرض ومغاربها،ويعلم القاصي والداني هوية القوى التي سعت بكل ما لديها من قوة لزرع هذا التنظيم في حضرموت ومده بكل أشكال الدعم والاسناد والحماية والرعاية لينمو ولينتشر في الجنوب كله وفي حضرموت تحديدا، فأسست لمرجعياته الفكرية مدارس ومراكز ومعاهد وجمعيات،وضخت لها بالأموال والامكانيات وأطلقت لها العنان لنشر أفكارها الضالة وتسميم عقول النشء والشباب ومحاربة منارات ومنابر ومدارس الإسلام السمح المتسامق ألقها ونورها في حضرموت،بل ولا يخفى إلا على كل مغرض أو جاهل أن القوى التي اجتاحت الجنوب عسكريا صيف عام 1994م وأمعنت في احتلاله ونهبه وتقويض مؤسساته والتنكيل بأهله وطمس هويته،كانت استراتيجيتها في تكريس احتلالها للجنوب ترتكز بشكل أساسي على عملية زرع (القاعدة) وتمكينها في كافة محافظاته وفي حضرموت بصفة خاصة،وماهو حاصل وموثق على مدار التسعة عشر عاما يؤكد أن من يتسامح مع (القاعدة) وغيرها في حضرموت هم من يفسحون لعناصرها المجال ليسرحوا ويمرحوا تحت سمع وبصر جيوشهم الجرارة وأجهزتهم الأمنية التي تعد أنفاس الحضارمة والجنوبيين،ولا تتردد عن قتلهم إذا انتفضوا سلميا في سياق سعيهم لانجاز أهداف ثورتهم المباركة المتمثلة في انتزاع تحررهم واستقلالهم .

ويمضي (الغفوري) في تهجمه على حضرموت وقذفها بوابل من الافتراءات المفضوحة،موظفا في ذلك قدرته العجيبة على تزييف الحقائق ،وتضخيم بعض الوقائع والمواقف الفردية المعزولة والشاذة وتقديمها بصفتها توجها حضرميا عاما، إذ لم يتورع عن القول :
(في حضرموت منح صالح لقب “بشير الخير”. يروي تجار حضرموت أمرين متناقضين: يتمتعون بصداقة جيّدة مع صالح، ويعتقدون إن اليمن بيئة قاتلة للاستثمار. حتى أحمد علي صالح في حضرموت فقط يشار إليه بكنيته المحببة. النداء العالي في حضرموت الآن هو المناهض للوحدة أولاً، وللأحزاب الضامنة للوحدة، ثانياً. يُحتفى بالثورة اليمنية على نطاق ضيق للغاية. يتحدثون عن ظلم وقع على حضرموت، لكن لا يشيرون إلى مسؤولية نظام صالح عن الكارثة. إنه، أعني نظام صالح، يبدو في حضرموت كأنه كان صديق الجميع المغدور مثلهم. لا أحد يدري ما الذي يحدث).

مؤسف أن يصل هذيان البعض إلى هذا المستوى المزري .. (صالحكم) يا غفوري لم يره أبناء حضرموت إلا بكونه قائدكم الذي أباح لكم اجتياح أرضهم وسفك دمائهم ونهب ثرواتهم وطمس هويتهم والإمعان في اذلالهم،وهم لذلك كانوا أول الثائرين على بغيه وعدوانه غداة اجتياح الجنوب صيف عام 1994م،حيث أطلقوا من قلب مدينة المكلا شرارة الانتفاضات الجنوبية ابتداء من عام 1996م لتعم الجنوب الأسير وليتصاعد زخمها السلمي ليراكم في أوساط الجنوبيين وساحاتهم ما أسس لانطلاقة الحراك الجنوبي السلمي عام 2007م،كل ذلك موثق ومعلوم بينما كنتم أنتم تحتفون بـ(صالح)وتؤلهونه وتمجدون حروبه على الجنوب،وترددون بازدهاء فتاوى علماء سلاطينكم التي تهدر دماء أبناء حضرموت والجنوب بحجة خروجهم على (صالحكم) وشقهم لـ “عصى الطاعة”.. اما المضحك المبكي فهو استغرابك لحقيقة ان (النداء العالي في حضرموت الآن هو المناهض للوحدة أولاً، وللأحزاب الضامنة للوحدة، ثانياً ) – بحسب قولك- ،

ذلك أن (الوحدة) المزعومة قد قوض حكامكم ومشائخكم مشروعها بحربهم الغاشمة على الجنوب صيف عام 1994م،وأرست قواتكم الغازية على أنقاضها استعمارا عسكريا اعترف بحقيقته العام قبل الماضي الرجل الثاني في نظام (صالح)،لذلك فإن تعاظم المناهضة والرفض على امتداد حضرموت والجنوب للوضع الاستعماري المفروض عليهم وللاحزاب الضامنة لاستمراه،أمر طبيعي لا يدعو للاستغراب،وهو رفض ممتد ومتصاعد منذ ثمانية عشر عاما وليس وليد (الآن) بحسب ما ذكرت قاصدا الايحاء بأن تصاعد مناهضة الحضارمة لما أسميتها (الوحدة) ناجم عن هيامهم وصداقتهم لنظام (صالح) ورفضهم للغدر به،وهذه ايحاءات واستنتاجات لا يمكن لمطلع قبولها حتى إن جاءت من قبيل (التنكيت) ،ولعل حنق الكاتب الهمام من حقيقة أن(الحضارمة يحتفون بالثورة اليمنية على نطاق ضيق للغاية)، قد دفعه لمنزلق اتهامهم بمناصرة (صالح) ونظامه،مع أن الوقائع الحية التي لا نحسب إلا أنه مطلع عليها،تؤكد أن قضية الحضارمة والجنوبيين عموما هي قضية وطن تم اغتصابه وشعب تم امتهانه وهوية جرى الانقضاض عليها،وأن ثورتهم السلمية التي تتواصل للعام السادس على التوالي هي ثورة تروم انتزاع التحرر والاستقلال،لهذا فلا غرابة في عدم احتفائهم بـ(الثورة اليمنية) التي اندلعت هناك عام 2011م مستهدفة رحيل النظام المستبد وجرى اختطافها واجهاضها واختزال أهدافها في هدف رحيل رأس النظام،إذ أن هذه الثورة وأهدافها تلك لا يحل نجاحها إلا قضايا الشمال المتمحورة في استبداد النظام الحاكم وفساده وعبثه وفشله،وهي والحال كذلك لا تنطوي على ما ينجز حلولا لقضية شعب الجنوب وأهدافه المتمثلة في التحرير والاستقلال واسترداد الهوية،ومن هنا فإن عدم احتفاء الحضارمة والجنوبيين بتلك الثورة نابع من ايمانهم بأنها لا تعنيهم ولا تحمل في أهدافها ما يمكنهم من انتزاع استقلال وطنهم .. هذه هي الحقيقة التي لا تقبل الدحض اما ترويج الكاتب لما سلف من افتراءات على حضرموت وأهلها وتفسيره لموقف الحضارمة غير المرحب بـ (الثورة اليمنية) بانه ناتج عن موالاتهم لـ(صالح) وتمسكهم به،فإنها افتراءات وتفسير أقبح من أن يقبله قارئ وراصد،حيث أن أصداء صرخات الملايين من الحضارمة المزمجرة على امتداد المدن والأودية والسهول والهضاب بهتافات الثورة الجنوبية وأهدافها التحررية،وقوافل الشهداء والجرحى والمعتقلين الذين يجودون بأرواحهم ودمائهم وحريتهم في سبيل انتزاع حرية وطنهم واستقلاله،هي التي تكتب تاريخ حضرموت اليوم وترسم بهاءات مستقبلها،على نحو لا يستطيع معه المرجفون إلا ان يحصدوا الخيبة والخسران المبين .

شاهد أيضاً

عدن محافظة منكوبة

بداية، ببالغ الحزن والأسى نتقدم بأصدق التعازي والمواساة القلبية لذوي الشهداء جراء هذه الكارثة، فكل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *