أعلنت السلطات اليمنية يوم الاثنين الماضي أنها أحبطت (مخططا) لاسقاط مدينة المكلا في أيدي تنظيم القاعدة،وكشفت عبر (مصدر أمني مسئول) عن أن المخطط كان يستهدف أيضا السيطرة على مينائي الضبة لتصدير النفط وبلحاف لتصدير الغاز بمحافظة شبوة).. وقد احتفت وسائل الإعلام اليمنية والعربية والدولية بذلك الخبر- الإعلان – فتصدر عناوين نشرات الأخبار لمحطات التلفزة ووكالات الأنباء العالمية،لكنه قوبل في حضرموت بكثير من السخط والاستياء ذلك أن الوقائع على الأرض تدمغ سلطات صنعاء ومصادرها الحكومية والأمنية بالكذب وتزوير الحقائق واختلاق الأراجيف، لتسويغ حملات التقتيل والترهيب واستباحة أرض حضرموت وأجوائها وبحرها،في سياق مشاريع الاحتلال للنيل من المد الثوري الجنوبي الذي يتعاظم زخمه في حضرموت على نحو يضرم الذعر في أعماق قوى الاحتلال.
لقد أحسنت السلطات المحلية في حضرموت عندما تحلت بالشجاعة لتنفي على رؤوس الأشهاد مزاعم سلطات صنعاء وترويجها لتلك الأكاذيب المفضوحة،حيث سارع مصدر أمني حضرمي لدحض افتراءات المصدر الأمني اليمني،مؤكدا أن ما تناقلته وسائل الإعلام عن مخطط لتنظيم القاعدة يستهدف السيطرة على مدينة المكلا ليس إلا خبرا ملفقا وعاريا عن الصحة يستند إلى معلومات مغلوطة،وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه كافة الأطياف السياسية والاجتماعية والفكرية الحضرمية،التي يوحدها اليقين بأن سلطات الاحتلال تمعن في استخدام (فزاعة) القاعدة لتضليل الرأي العام العربي والعالمي،معتقدة أن ذلك سيصب في مجرى تكريس احتلالها للجنوب،واحباط ما اكتسبته قضية الجنوب وثورته من تعاطف وتفاعل إقليمي ودولي،ويتذكر أبناء حضرموت ما روجت له السلطات اليمنية قبل بضعة أسابيع من افتراءات عن مخطط مزعوم لتنظيم القاعدة يستهدف إسقاط مدينتي الشحر وغيل باوزير في قبضة مسلحيه،وما أعقب ذلك من شن حملة عسكرية على الأطراف الشرقية لمدينة العلم والنور غيل باوزير،لم تسفر إلى عن إرهاب أبناء المدينة المسالمين،وتوجت بفضيحة القاء القبض على مسئول حكومي هو الأستاذ عمر عاشور مدير منفذ الوديعة الحدودي،والزعم بأنه (أمير القاعدة بمدينة غيل باوزير)،أما عناصر القاعدة الذين استهدفتهم الحملة والذين بالغت تلك السلطات في تضخيم عددهم وعتادهم،فقد فروا بسلام بعد أن قتلوا قائد الحملة وعددا من جنودها .
يعلم القاصي والداني أن حضرموت أرضا وإنسانا ومجتمعا وثقافة طاردة لـ”القاعدة” فكرا وتوجها وممارسة،وأن ما تسرب إليها من عناصر ومدارس تشرع للتطرف والعنف،لم يتم إلا غداة حرب احتلال الجنوب صيف 1994م،عندما فتحت سلطات الاحتلال أبواب حضرموت على مصاريعها لتلك المدارس والعناصر،وعندما مضت على مدار العشرين عاما الماضية في دعم القوى التكفيرية المتطرفة واسنادها ماديا ومعنويا لتغرق مدن حضرموت وأريافها بمراكزها وجمعياتها ومناهجها التعليمية،وإطلاق يدها لشن حربها التكفيرية التفسيقية التبديعية على أشهر مدراس الإسلام السمح التي تشرفت حضرموت بأن كانت الحاضنة التاريخية لألقها،والتي غمرت مشارق الأرض ومغاربها بنورانية الإسلام،ورغم كل ذلك فإن محاولات تلك القوى والمدارس المدعومة سلطويا لم تجد من غالبية الحضارمة إلا النفور والرفض،ولم تجد عناصرها غير العزلة وعدم القبول،لكنها ظلت محل رعاية من قوى الاحتلال التي تركت لها المجال واسعا لتسرح ولتمرح ولتنفذ عملياتها الدموية هنا وهناك على امتداد مدن حضرموت وأوديتها وهضابها وصحاريها،ولعل سلسلة عمليات الاغتيالات التي طالت أكثر من 80 ضابطا ومنتسبا للأمن والجيش من أبناء حضرموت خلال العامين الماضيين،دون أن يتم الكشف عن منفذيها ومحاكمتهم،لعلها دالة على حجم ومستوى تواطؤ قوى الاحتلال مع تلك العناصر واستخدام فاعليات فكرها الضال وانتهاجها للعنف لخدمة مشاريع تلك القوى المحتلة لحضرموت وللجنوب عموما .
نعم،هناك عناصر مسلحة لتنظيم القاعدة في حضرموت لكنها لم تصل عدة وعتادا لقوام يمكنها من إسقاط مدينة بحجم المكلا،إلا إذا كانت سلطات الاحتلال قد قررت تسليم حاضرة حضرموت لمسلحي ذلك التنظيم على غرار ما جرى لمحافظة أبين عام 2011م، ومثل هذا الاحتمال وارد وغير مستبعد في ظل تخبط قوى الاحتلال وتنازعها وتعاظم الزخم الثوري الجنوبي وما يواكبه من تعاظم للاهتمام الإقليمي والدولي بقضية الجنوب والحقوق العادلة لشعبه الثائر سلميا لانتزاع تحرره واستقلاله واقامة دولته الوطنية الديمقراطية الفيدرالية العادلة ..