يوشك الحوار أن يلد (قيصريا)، لكنه لن يلد حتى فأرا فيما يخص القضية الأهم والأعقد التي تشكل (محور العجلة) حسب شهادات سياسيون وقادة فكر وحتى أعضاء شماليين في الحوار، وعندما يعجز الحوار عن معالجة القضية المحور فلا يمكن الحديث عن نجاح. الفعل الناقص سمة وحدوية بامتياز (ما قبل الوحدة ليس مجال الحديث)، ويحدث هذا النقص بصور كثيرة، بالتحايل وبالخديعة وحتى بالكذب المركب، والكذب من سمات البشر يستخدم في مواجهة الآخر لكن حين نكذب على أنفسنا فهذه حالة مرضية.
بالأمس القريب قيل لنا أن صنعاء شهدت ثورة ستحدث تحولا في وجه اليمن وسنرى يمنا آخر خال من الفساد ومن مراكز النفوذ المتحكمة في أمور البلاد والعباد لكنها لم تكن سوى صفقة لإعادة تموضع مراكز النفوذ هذه، وقالوا أن هذا اليمن سيتسع للجميع، لكنه، كما نرى، لم يتسع لصوت نفر من الجنوبيين في حوار موفنبيك.وقبل عقدين ونيف من الزمن حلم الناس بوطن نفاخر به أمم الأرض لكنه تحول، بعد التوقيع على وثيقة ولادة هذا الوطن (وثيقة العهد والاتفاق)، إلى ساحة حرب استباحت الجنوب وأنتجت دولة (مسخ) لا هي مدنية ولا هي عسكرية ولا هي قبلية ولا حتى دينية، لكن القاسم المشترك بين كل هؤلاء هو النظر إلى الجنوب بوصفه غنيمة حرب شملت البشر والحجر وحتى البحر.
عند انطلاق الحراك السلمي الجنوبي سمعنا كثير من الأصوات الشمالية تشهد بحق الجنوب (بوصفه دولة شريكة في وحدة بين دولتين وببطلان حرب 94م وما ترتب عليها)، وأثبتت الوقائع أن هذه الأصوات (عدى أنصار الله) لم تكن سوى كذبة كبيرة فلم تكن هذه الأصوات مع الحراك إلا حين كان في مواجهة الرئيس صالح وحين رحل قلبت للجنوب والجنوبيين ظهر المجن معتقدين (أن من تغدى بكذبة يمكن أن يتعشى بها).
أنا من الـ (1%) من الجنوبيين الذين كانوا يرون بصيص أمل في حوار يفضي إلى حل تقبل به نسبة من الجنوبيين تفوق الـ (50%) ، كالفيدرالية المزمنة التي تتيح إعادة البناء الثنائي ثم الاستفتاء، رغم أن حزبي الذي انتمي إليه (رأي) حدد موقفه من الحوار منذ وقت مبكر بسبب آلية الحوار وغياب المرجعية في حالة الفشل، لكن هذا البصيص اخذ بالتلاشي بعد ما رأيناه من تحول المتحاورون من البحث عن الحل إلى الاتجاه نحو إضعاف الجنوبيين في الحوار.
لا نعتقد أن الحوار سيشذ عن قاعدة الأفعال الناقصة ولا يعتقدن احد أن الجنوب سيصير سهل الهضم كما تمنى احد حكماء الشمال بعد 1994م (لقد ابتلعنا الجنوب ولم يبق لنا إلا هضمه) ولا يراهنن احد على القوة التي تزيد الطين بله ولا على تمزق الجنوبيين الذي تقاسم حراكه السلمي نافذو الجنوب بعد أن انطلق أثناء نومهم الطويل، وكفى.
إسقاطان:
قال احد الأصوات التي تقلبت بعد رحيل صالح (على الجنوبيين أن لا يبطروا كما بطرت سنحان) متناسيا أن سنحان لا زالت لاعبا قويا في المشهد وان الطبق لم يبرد بعد، وإذا كان يقصد أن الرئيس صار جنوبيا فأنه وصحبه لا يرونه رئيسا كامل الشرعية فيصرون على أن يسبقون صفته كرئيس بـ (الانتقالي أو التوافقي) ولن نستغرب إذا أطلقوا علية (المؤقت) (إلى أن يهضموا الجنوب) لان الرئاسة (حقهم).
هناك أصوات جنوبية، ومن أدعياء الجنوبية، ممن كانوا ينوحون على الجنوب في المقايل والمنتديات وحين أصبحوا في الحوار يبدوا أن ألسنتهم أكلتها (القطة) أو ربما أكلها شئ آخر.
عـــــــــــدن 22/11/2013م