كانت جدتي (رحمة الله عليها)، حين يتكرر إخفاق من تراهن عليهم لمعالجة أمر ما، تقول: ما عاد درينا وين العافية.
يبدو أن الأشقاء والأصدقاء، بمن فيهم أخوتنا في الشمال، قد أدركوا كيف يلاعبوا بعض الجنوبيين باستغلال هوس السلطة والزعامة التي يعشقهما البعض.
فيما يخص المشاركون في الحوار من أبناء الجنوب لجأوا إلى الحديث عن تنصيب آخرين بدلا من (أبي سند) حين كان يصر على فيدرالية الإقليمين وحق تقرير المصير، ولم يبذلوا كثير جهد حيث وجدوا ضالتهم من عشاق الزعامة بسهولة ويسر أصبح معها أعضاء الحوار من الجنوبيين في حالة (شك) فيما بينهم، وهذا الشك هو بداية أعراض التمزق الجنوبي في الحوار.
على الجانب الآخر جرى إرسال مبعوثين يتبعون مكتب الأمم المتحدة في صنعاء، ليقوموا بالتواصل مع بعض شخصيات من نشطاء الحراك بقصد إلحاقهم بالحوار، كما تسرب، وهي وسيلة مناسبة للضغط على (جنوبيي موفنبيك)، وفي الوقت نفسه تخلق حالة من (الشك) بين نشطاء الحراك، ولكم أن تعودوا إلى التصريح الذي أصدره الدكتور عبد الرحمن الوالي حول هذه اللقاءات لمعرفة مقدار ريبته، ولا ندعي انه الوحيد الذي شعر بهذه الريبة.
وفي صفوف الشباب في الساحات لا زالت (شرعية المنصة) تسبق شرعية القضية، كما ولا زالت شرعية الظهور والخطابة (حد تعبير الزميل عبد الكريم السعدي) تسبق شرعية المشروع السياسي، الذي نقدم أنفسنا للآخرين (في الوطن والإقليم والعالم) من خلاله، وهذا يعبر عن خلل في الأولويات، وبالإضافة إلى ما يصنعه هذا الخلل من تدمير للثقة بين الجنوبيين، فأنه يقدمنا للعالم بصورة اقل ما يقال عنها، أنها لا تخدم قضية.
ولم تنس بعض وسائل الإعلام الجنوبية أن تكون جزء من الجوقة حين أشارت إلى التسابق ليشغل رئيس وزراء انتقالي من الجنوب خلال المرحلة الانتقالية الثانية، اللاحقة للحوار، رئاسة حكومة تكنوقراط.
رغم أن هناك من المتزعمين من تعلم الجزارة في ملحمة الحكومة (ويريد تعلم البيطرة في غنم النَوَر) كما يقول المثل الشامي، إلا انه لا يصح أن نخوّن من يحاور أو يلتقي بأي طرف، داخلي أو خارجي، أو يشغل وظيفة رسمية مدنية أو عسكرية في الدولة طالما كان متناغما مع الآخر وعدى ذلك فأنني اردد ما كانت تقوله جدتي رحمة الله عليها (ما عاد درينا وين العافية).