العصيان فعل ميداني يفترض به اقل عنفا من التمرد كما يوحي المعنى لكن هناك فرق كبير بين عصيان حواري عدن وبين (تمرد) المصرية التي أطاحت نظاما بالضربة القاضية، علاوة على أن عصيان فعل لا تستدل به أو تستشهد بحجمه فيما (تمرد) أنتجت رقما تعرف من خلاله (كم معك؟) وتستطيع أن ترفعه كحجة في وجه من يحاججك.
تمرد المصرية فعل منظم ومنسق وموحد أتى ثمارا فيما عصياننا عبارة عن جهد مشتت تحكمه المزاجية فتجده في حارة هادئ يعبر عن موقف سياسي وفي حارة أخرى فعل فوضوي يمس مصالح وممتلكات وحتى أرواح العامة من الناس الذين يعتبرون أنفسهم جزء من هذا العصيان.
حين صعد الشاب محمود بدر منسق حركة تمرد المصرية إلى منصة الخطابة في مقر نقابة الصحفيين المصرية ليدعو أكثر من (22) مليون مواطن، الموقعين على وثيقة تمرد، للنزول إلى الشارع يوم 30/6/2013م لم يكن احد يعلم أننا أمام صناعة تحولا هائلا، ليس على مستوى القطر المصري ولكنه تجاوزه إلى ابعد من ذلك كثيرا، ولم نسمع في ذلك اليوم أو قبله أو بعده، لم نسمع أحدا من الساسة في مصر يخوّن حركة تمرد أو يدعي الوصاية على مصر.
حين دعونا إلى جمع المليون بصمة تدعو إلى استقلال الجنوب كان هناك من اخذ الأمر بسخرية لدرجة أن احد الأصدقاء من أبناء صنعاء كان يسألني (هاتفيا)، بين وقت وآخر، عن آخر أخبار المليون بصمة، كانوا يراهنون على أننا لن نتفق وكان رهانهم في محله، فقد انبرى من يعمل على إفشال بصمة المليون من بين ظهراني أبناء الجنوب ولم يظهر أي موقف رسمي، أو ينتمي إلى الشمال، يقف ضد جمع المليون بصمة.
المليون بصمة فعل حضاري يمكنك من أن تضع بين يدي العالم (رقما) تحاجج به من يقول أن الجنوبيين ليسوا مع الاستقلال، ولا ندري لمصلحة من يراد لنا أن نبقى في دائرة الفعل الميداني فقط ولا ننتج مشروعا سياسيا يحدث تحولا نوعيا يخرجنا من دوامة ثور الساقية؟.
لا احد يقلل من قيمة الفعل الميداني، عصيان أو تظاهرات، التي تحركها الرغبة الشعبية التي لا تأتمر بأمر احد وليست تابعة لشخص بعينه، لكن المراوحة في الفعل الميداني دون وجود مشروع سياسي يصبح ضربا من العبث، فالمشروع السياسي هو بطاقة تعريفنا لدى الآخرين الذين ننتظر منهم دعم قضيتنا (فلا احد يقف مع مجهول) حد تعبير الأساتذة عبد الرحمن الجفري ومحسن محمد بن فريد في بيان لهما احتفاء بذكرى تأسيس اتحاد شباب الجنوب.
أن التحول النوعي في أداء الحركة الوطنية الجنوبية أصبح ضرورة لا تتوقف عند المؤتمر الجنوبي الجامع، فقد أرهق الشارع الجنوبي الفعل الميداني الذي يدخل، في هذه الأيام، عامه السابع بعد ست سنوات عجاف أوصل خلالها قضيته إلى مختلف طاولات القرار في الإقليم والعالم ولا زال ينتظر من (نخبه) تقديمها في صورة مشروع سياسي واضح المعالم، وعلى هذه (النكب) أن تتذكر أن ما يعانيه الجنوب اليوم هو نتاج لذهنية الإقصاء التي حرمت الجنوب، وطن وشعب، كثير من طاقاته الفكرية والمادية.
لا تنسوا أن قطار المصالح الدولية لا ينتظر احد حتى يفكر أيدلف القطار بالرجل اليمنى أم بالرجل اليسرى وسيغادر محطة الانطلاق دون أن ينظر هل أنت برجل واحدة أم برجلين.