ردا على التساؤلات التي طرحها الأستاذ انيس حسن يحيى في مقابلته المنشورة في (عدن الغد) العدد 516 بتاريخ 25/3/2014م بشأن الهوية السياسية لشعب الجنوب حيث استغرب الاستاذ انيس من قول الجنوبيون ( نحن لسنا يمنيين ) وتساءل طيب من فين جينا ؟ من أي كوكب ؟ واضاف تشكلت الحركة الوطنية في عدن في منتصف الخمسينيات وشملت كل مناطق الجنوب بهوية يمنية !!! ثم تطورت هذه الحركة الوطنية وتشكلت فصائل قادت الكفاح المسلح .. الجبهة القومية ايش كان اسمها ؟ ( الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل ) جبهه التحرير ايش كان اسمها ؟ ( جبهه تحرير جنوب اليمن المحتل ) وفي 30 نوفمبر 1967م عندما قامت السلطة الوطنية على انقاض ماكان موجود في ظل الادارة الاستعمارية ،الجمهورية التي تشكلت ، كان اسمها ( جمهوريه اليمن الجنوبية الشعبية ) وجمهوريه اليمن الديمقراطية الشعبية .. فأسم اليمن موجود في الحالتين . وهذا مش صدفه ان تكون التسميه بهذا الشكل ، هذا تعبير عن حقيقه تاريخيه اننا نحن في الجنوب جزء من الشعب اليمني الواحد ! وان الهوية ، هويه يمنيه واحدة !! نكتفي بهذه الحجج التي تتطابق كليا مع حجج رموز النظام اليمني ، وتبرر تعاملهم مع الجنوب و الجنوبيين كفرع عاد للأصل …. ومن لا يعجبه يا جنوبيين يشرب من البحر !!!
الاستاذ انيس حسن يحيى ممن عاصروا الحركة الوطنية في عدن وممن نأمل منهم إعادة تصحيح تاريخ الحركة الوطنية الجنوبية مما اعتراه من التشويه والبتر والانكار ، لكننا نجد الاستاذ انيس ينكر على الجنوبيين قولهم ( لسنا يمنيين ) بقوله … طيب من فين أجينا ؟؟ من اي كوكب ؟؟ كأنه لا يدرك ان الجنوبيين هم شعب عاش على ارض الجنوب العربي في سلطنات ومشيخات وامارات قبل الاحتلال البريطاني للجنوب العربي وبعده ، تجمع بينهم علاقات وتقاليد وعادات مشتركة جسّدتها طبيعة الحياة المشتركة الخالية من موانع تنقّل المواطنين للعمل والتجارة والعيش والاستقرار بين السلطنات قبل الاستعمار وبعده ، ايضا هناك القضاء على سبيل المثال الذي نجده في كل سلطنات الجنوب مستمد من مدرسة تريم الدينية المعتدلة ويتقيد سكان الجنوب العربي من اقصاه الى اقصاه بمنهجها الديني ولا وجود لأي مدرسة دينية غيرها في الجنوب .. وهو مالا يوجد في اليمن هذا الى جانب كثير من الامور ذات الطابع الاجتماعي المختلف في الجنوب عنه في الشمال ، وفوق هذا يتميز الجنوبيون بقبول من ينتقل البهم من مختلف اقطار الارض بما فيهم من يحمل معتقد ديني آخر .. بحيث يشعر المنتقل الى اي منطقة في الجنوب بالقبول وسهولة الاندماج في المجتمع الجنوبي ويصبح جزء من النسيج الاجتماعي الجنوبي وهي من مميزات الشعب الجنوبي وحده ، والاستاذ أنيس يدرك هذه الميزه ويعلم كيف يعامل الانسان الجنوبي في اليمن ( جنوبي مقيم ) وكيف يعامل الانسان اليمني في الجنوب ..
ولا اعتقد ان الاستاذ انيس ينكر مثل هذه الفوارق وغيرها ، التي كانت جزء من الهويتين المختلفتين في الجنوب العربي واليمن ، اما موضوع الحركة الوطنية التي كانت عدن مركزها والذي يستشهد الاستاذ أنيس بحملها للهوية اليمنية الواحدة ، فلا اجد مبرر لإنكاره ذكر حزب رابطة ابناء الجنوب العربي الذي شكل باكورة الحركة الوطنية في هذه المنطقة منذ إشهاره في عدن 29 ابريل 1951م بل و النواه التي بذرت الحركة الوطنية في المنطقة كلها وخرجت منها كل التفرّعات في فترة لاحقه ، حمل بعضها الهوية اليمنية وقادت صراع مرير مع حزب الرابطة بسبب تمسّكه بهوية الشعب الجنوبي وربط اسمه بهذه الهوية ..
الاستاذ أنيس عاش فترة صراع الهويتين التي كان ميدانها عدن ، وبعودتنا لوثائق تلك الفترة ثبت ان حزب الرابطة قاد النضال الوطني الجنوبي في اتجاهين كفاح مسلح في الارياف جبال الكور ، ردفان ، الصبيحة ، ونضال سلمي عبر المحافل الاقليمية والدولية ( الجامعة العربية والأمم المتحدة ) ونجح المناضل المحامي شيخان الحبشي رحمه الله في إقناع لجنة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة بحق شعب الجنوب العربي بنيل استقلاله ( نحتفظ بوثائق هذا العمل السلمي ) بدءً من 1959م حتى صدور قرار الأمم المتحدة في 1963م وفي أوائل عام 1964م أعلنت المملكة المتحدة موافقتها على استقلال الجنوب العربي وحدّدت موعد استقلاله في 9 يناير 1968م .. وبصدور موافقة بريطانيا على قرار الأمم المتحدة باستقلال الجنوب العربي وتحديد موعده .. دعا السيد محمد علي الجفري رئيس حزب الرابطة رحمه الله بقية القوى الوطنية التوقّف عن العمل المسلح الهادف لاستقلال الجنوب بعد أن تم تحديد موعده بقرارات ملزمة والتوجّه خلال الفترة حتى الاستقلال الى ادارة حوار وطني جنوبي يشمل كل القوى الفاعلة في الساحة للتوافق على استلام الاستقلال والاعلان عن حكومة وحدة وطنية تدير شئون الدولة الجديدة المستقلة .. لكن فشل هذا المسعى لسبب كان واضحاً للجميع في تلك الفترة ..
واستمر الصراع ولكن من أجل حسم الانفراد بالسلطة ويمننه الجنوب العربي والغاء هوية شعب الجنوبي العربي التي يتمسك بها حزب الرابطة وأنصاره وكان اليمنيون في الجنوب يتصدرون هذا الصراع بالتنسيق والدعم من قبل النظام اليمني حينها وبذلك سجل اليمنيون اول انتصاراتهم ضد شعب الجنوب العربي وهويته السياسية وحاملها السياسي ( حزب الرابطة ) وسجلوا انتصارهم الثاني بيمننة دولة الاستقلال 67م ، .. ثم جاءت فترة التخلص من القيادات الجنوبية المؤثّرة واحد تلو الآخر حتى تسليم الجنوب العربي لليمن كفرع عاد للأصل .. واخيراً في حرب 94م ظهر كل شيء بجلاء ولعل قائمة الـ 16 من قادة الجنوب المحكومين بالإعدام الذين لم يكن بتبيهم يمني جنوبي واحد ، من الادلة الساطعة المميزة للصراع الجنوبي / اليمني !!
ولكن فترة الباطل ساعه وفترة الحق الى قيام الساعة – وحتى لا يلتبس الامر أو يستغلّه من يقتل بيد غيره نؤكد ان المذنب الوحيد في كل ما جرى من سفك للدماء وزرع للضغائن والأحقاد ورفع جدار الكراهية تتحمل مسؤوليته قوى النفوذ والهيمنة اليمنية ولا علاقة للشعبين الطيبين في الجنوب واليمن بكل تلك الجرائم ، فاليمنيون البسطاء الذين انتقلوا للجنوب وصاروا جزء من نسيجه الاجتماعي نرى شبابهم في كل المسيرات السلمية الجنوبية ومنهم من سجن وقتل وهم يرددون ( ثورتنا ثورة جنوبية ثوره هويه يا احرار / لا وحده لا فيدرالية برع برع يا استعمار ) أما من وصل الى اعلى المناصب في سلطة الجنوب ولم يكتفي بذلك لشعوره بآنه يحكم شعب غير مرحّب به رغم يمننه هويته لذلك سعى بمختلف الوسائل لجر الجنوب الى اليمن للتخلص من شعور الغربة ، مثل هؤلاء لن يرى منهم الجنوبيين خير لا اليوم ولا غداً رغم ان شعبنا لن ينكر جنوبيتهم ولكن قد ينكر عليهم تمسكهم بالوحدة وبالهوية اليمنية للجنوب باسم الجنوبيين .