شعبنا ليس جاحدا.. فلا تطمسوا تاريخ رُوَّاده !!

عبدالرحمن علي الجفري
عبدالرحمن علي الجفري

جاء يوم 30 نوفمبر 1967 ومعظم رواد الحركة الوطنية الذين أسسوا لهذا اليوم العظيم.. إما قد غادروا الدنيا أو غادروا الوطن مبعدين أو تواروا في الوطن مضطهدين أو أُودعوا سجونا جديدة أو سُـلِّموا في السجون من سجّانٍ مغادر إلى سجّان حاضر.. فلم تستطع الغالبية العظمى من هؤلاء الرواد المشاركة في الفرحة باليوم الذي بذلوا في سبيله حياتهم وسني أعمارهم.

إن يوم 30 نوفمبر هو يوم شارك في صنعه كل أبناء شعبنا بكل فئاتهم .. وإن الحركة الوطنية لتحرير الجنوب من الاستعمار لم تكن وليدة 1964 ولا وليدة حلف حركة القوميين العرب والشقيقة مصر كما جاء في مذكرات محمود رياض – عن اجتماع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بجورج حبش وتحالفهما – كما لم تكن من نتاج وجود القوات المصرية في شمال الوطن.

لقد كافح شعبنا في الجنوب منذ اليوم الأول للاحتلال في يناير 1839م وكان أول شهيد هو الأمير عبدالحميد، نجل سلطان لحج الذي كانت عدن جزءا من سلطنته آنذاك.. واستمرت انتفاضات شعبنا وتعابيره المختلفة عن رفضه للاحتلال في كل مناطق الجنوب.. فكانت حركة بن عبدات بحضرموت.. والربيزي في العوالق.. والشمعي وباعزب في باكازم.. والحميري بمنطقة الواحدي..و العريفي ببيحان.. والدماني والجعري والمجعلي والسقاف بدثينة والعواذل.. والشيخ حسن علي ثم أولاده سيف ومحمود ثم ثابت قاسم بردفان .. وحركة كور العوالق بقيادة الشيخ محمد بن أبوبكر بن فريد وإخوانه ورفاقهم .. والمصفري وشكري والرزيحي بالصبيحة.. والأزرقي والسيد عبدالدايم بالضالع.. والسلطان الشهيد محمد عيدروس العفيفي والمصلي ورفاقهم في يافع..إلخ. وكلها كانت تقاوم في ظروف صعبة.. ولم يكن لها سند سوى الله عز وجل.. ومعظم تلك الحركات والانتفاضات كانت تربطها بحزب الرابطة صلات ، إما انتماءً للرابطة أو تنسيقاَ أو تعاوناً وقدم حزب الرابطة الدعم والسلاح أحياناً للحركات التي كانت قائمة ونشطة بعد تأسيس الرابطة.

على المستوى السياسي كانت المنطقة كلها تسمى (عدن ومحمياتها الشرقية والغربية) وتتكون من عدن وأكثر من 22 سلطنة وإمارة ومشيخة مستقلة بحدودها وجماركها. وتم تأسيس الجمعية العدنية التي كانت تطالب بحكم ذاتي لعدن وربطها بالكومنولث البريطاني.. وهي وإن كنا قد اختلفنا معها في هذا التوجه إلا أنه كان لها أثر في رفع معنويات أبناء عدن وكان لروادها ومؤسسيها من آل لقمان أثر كبير في النهضة الثقافية والأدبية والصحفية التي شهدتها عدن في تلك الحقبة.

جاء تأسيس رابطة أبناء الجنوب منذ عام 1948م وإعلانها رسمياً في عام 1950م وكانت أول من أسس ودعا وعمل لوحدة الجنوب الممزق واستقلاله وتقرير الشعب لمصيره على طريق وحدة الجنوب العربي الكبير (اليمن الطبيعية). بل كان حزب الرابطة أول من سمى المنطقة بـ (الجنوب العربي) ليحل محل (عدن ومحمياته الشرقية والغربية) وأول من سمى الشمال والجنوب بـ (اليمن الطبيعية).

لقد كان تأسيس حزب الرابطة تأسيساً للحركة الوطنية في جنوب الوطن وقام به روادها ومنهم: محمد علي الجفري ومحمد علي باشراحيل وعبدالرحمن جرجرة ورشيد علي الحريري وسالم عمر الصافي وشيخان الحبشي وعبدالله بن صالح المحضار ومصطفى بازرعة ومحضار الكاف وأحمد عبده حمزة والأسودي والأحمدي وعبدالله علي الجفري وعلي غانم كليب وحسين هادي عوض والسيد زين صادق الأهدل وقحطان الشعبي وحسين الجفري وعبداللطيف كتبي ..وغيرهم.. وكان هؤلاء ومن معهم ومن لحق بهم أمثال أحمد عمر بافقيه ومحمد عوض باوزير ومحمد عمر باصقر ومحمد سالم باوزير وعلوي علي الجفري وصالح دبا ومهدي عثمان والمصري وأحمد اليافعي وطه مقبل وعبدالرزاق محمد سعد وسيف الضالعي والسلامي .. والقائمة تطول .. هم الصناع الأوائل الحقيقيون لوحدة الجنوب ووحدة قضيته.. وهم من أوصلوا القضية إلى الأمم المتحدة واستخرجوا قرارات الأمم المتحدة التي جاءت مطابقة لما طرحوه – وذلك ثابت في وثائق الأمم المتحدة- وشاركهم في ذلك ، في الستينات، كثيرون من رجال الوطن أمثال الفقيد قحطان الشعبي رحمه الله عن الجبهة القومية والأستاذ محمد سالم باسندوة والأستاذ عبدالله عبدالمجيد الأصنج ثم الأستاذعبدالقوي مكاوي والسلطان أحمد الفضلي والأمير جعبل بن حسين عن جبهة التحرير ومحمد علي لقمان ..وحسين آلبيومي والشيخ محمد فريد عن الاتحاد.

ثم نشأت في عدن – النور- حركة عمالية نشطة وفاعلة .. وكان المؤسس الأول هو السيد زين صادق الأهدل ثم تطور المؤتمر العمالي وبقيادات منها محمد سعيد مسواط وعبدالله علي عبيد والشهيد حسين علي القاضي والشهيد السلفي والأصنج ومحمد وعبدالله باسندوه والدقمي وسعيد صحبي وعبدالرحيم قاسم وكثيرون غيرهم .. وكان للمؤتمر العمالي دور محوري في الحصول على حقوق العمال والعمل النقابي .. كما كان له دور فاعل في العمل السياسي تولى ذلك عنه في فترة لاحقة حزب الشعب الاشتراكي الذي أنشأه الأستاذ الأصنج..وانشقت عنه النقابات الست لاحقاً.

وهناك شخصيات علمية ووطنية وفكرية وثقافية وأدبية وفنية كانت رموزا مضيئة، ومنهم من أهل العلم أمثال الحبيب عبدالله بن عمرالشاطري وأولاده الحبيب سالم وحسن والشهيد محمد بن سالم بن حفيظ وأولاده والشيخ علي باحميش والشيخ محمد سالم البيحاني والحبيب علي المشهور والشيخ سالم بكير والسيد عبدالله محفوظ الحداد وغيرهم من أهل العلم الذين ضحوا وربوا أجيالاً ساهمت في العمل الوطني.. وكذلك الرواد من أمثال الشيخ محمد عبدالله المحامي ومحمد سالم علي عبده ومصطفى رفعت ومحمدعبده غانم وعلي اسماعيل التركي وعلي محمد ذيبان وأحمد السباعي فدعق وعبدالله وعلي باذيب وعمرالجاوي وباسنيد وعلي محمد عاصم وحسين دلمار وعمرطرموم وعمرسالم باعباد ومحمد زين وعبدالله درويش العزيبي وعلي زين عيدروس وسعيد باخبيرة وعلي وعبيد الدرويش بانافع وإدريس حنبلة وحسين باوزير ومحمد سعيد باشرين ومبارك يسلم بن عمرو وربيع بن عيشان ومنصور بن خميس بن ثابت وسعيد بامزعب وأبو فيصل باوزير وسالم حسن باجوه وآل علي جابر وجعبل امشعوي وفيصل النعيري وعلي بن علي الضالعي.. ورواد الأدب والفن أمثال عبدالله هادي سبيت ومحمد سعيد جرادة ولطفي جعفر أمان وصالح فقيه .. ومحمد مرشد ناجي وحسين المحضار وأبوبكر بلفقيه ومحمد سعد عبدالله وأحمد بن أحمد قاسم ومحمد عبده زيدي وخليل محمد خليل وسالم أحمد بامدهف وحسن عطا ومحسن بن أحمد مهدي والشهيد فضل محمد اللحجي وأحمد يوسف الزبيدي.. ومحمد محسن عطروش وياسين وأبوبكر فارع وفرسان خليفة ومحمد صالح حمدون وفتحية الصغيرة ورجاء باسودان وصباح منصر وعشرات من الشعراء الشعبيين في كل المناطق ومن الكتاب والأدباء.. كما بزغت بدايات للحركة النسائية المستنيرة ومن روادها ماهية نجيب (جرجرة) صاحبة أسبوعية «فتاة شمسان» ورضية إحسان الله. كما برزت مربيات فاضلات أمثال حليمة خليل وشفيقة خليل وصفية حميدانه وفطوم الدالي (حرم الدكتور الدالي) وآسيا حسن علي..كما ساهمت المرأة في الكفاح المسلح بتجهيز الذخيرة والغذاء للمقاتلين ومنهن من قاتلت أمثال دعرة في ردفان ومنهن من استشهدت في العوالق.. وقائمة طويلة يصعب ذكرها كلها بل يستحيل في مقال كهذا – ومن الذاكرة – وكلهم أسهموا في تحقيق استقلال بلادنا كل من موقعه وبقدر استطاعته.

وهناك أسماء كثيرة لم أذكرها فلهم التقدير والعرفان وأطلب منهم المعذرة لهذا السهو غير المقصود.

ولم يأت عام1963م إلا وقد أصدرت الأمم المتحدة قرارات باستقلال الجنوب الذي أعلنت بريطانيا في 1964 قبولها بالقرارات وحددت 8 يناير 1968 موعدا للاستقلال وأصدرت بذلك الكتاب الأبيض.

وجاءت بعد ذلك الجبهة القومية في مارس 1964 وجبهة التحرير في يناير 1966 وقدم الشباب من فدائيي الجبهتين أعمالا بطولية بحماسة وطنية عالية وساهم ذلك في تقديم موعد الاستقلال إلى 30 نوفمبر 1967م ..وإن كان القتال الأهلي بينهما في الأشهر الثلاثة السابقة ليوم الاستقلال قد ساءنا جميعا وآلمنا.

وجاء الاستقلال.. وانتقل الوطن إلى مرحلة جديدة وأدت الفرحة في النفوس.. وكان أول من أُوذي فيها هم من بذروا ورعوا ورووا نبتة شجرة الاستقلال.

ثم مرت أكثر من 23 عاما .. وجاء يوم إعلان الوحدة في 22 مايو 1990 .. وما تلاه كلنا عشناه وعايشناه .. وكانت الوحدة إلى يوم إعلانها عنوانا وشعارا للمزايدة – كما قال من أعلنوها- .. ورافق بناء دولة الوحدة الكثير من الاختلالات التي وعد فخامة الأخ الرئيس بمعالجتها في إطار إصلاحات شاملة عندما وعد في مهرجانه الانتخابي في عدن بإنجاز«إصلاحات شاملة- سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية..إلخ وبإصلاح ومعالجة الاختلالات التي رافقت بناء دولة الوحدة منذ قيامها حتى الآن». و نحن نثق في جدية فخامته وصواب ما طرحه ووعد به.. وسيكون كل الخيرين من أبناء شعبنا عونا وسندا له في ذلك.

إن التاريخ الحقيقي للحركة الوطنية في الجنوب لم يكتب بعد.. وسنضع جميع الوثائق التي بحوزتنا – كرابطة- في تصرف كل باحث أو مؤرخ موضوعي منصف. كما أن تاريخ العلاقة بين الحركة الوطنية في جنوب الوطن والحركة الوطنية قي شمال الوطن منذ تأسيس كتيبة الشباب اليمني الأولى في سبتمبر من عام 1940 – والتي توجد مسودة نظامها الأساسي بخط يد الفقيد محمد علي الجفري -. كما أن اتفاقاً مكتوباً تم في القاهرة للتنسيق بين الحركتين في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي حضره كل من الفقيد محمد علي الجفري والشهيد محمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد محمد النعمان والأستاذ شيخان عبدالله الحبشي رحمهم الله جميعا والسلطان علي عبدالكريم العبدلي والأستاذ محسن العيني أطال الله عمريهما.

إن شعبنا ناضل طويلا ولعقود كثيرة .. فلا تطمسوا تاريخه ولا تاريخ الرعيل الأول من رواده فالاستقلال لم يكن حصيلة السنين الثلاث الأخيرة من وجود الاستعمار ولم يكن بفعل آخرين وإنما كان بكفاح شعبنا ورواده فلا تهينوا شعبنا في ذكرى يوم استقلاله .. ومع تقديرنا لدور مصر إلا أن شعبنا كان يناضل في سبيل استقلاله منذ زمن طويل قبل ثورة 1952 في مصر .. وكان استقلاله سيتحقق في كل الأحوال ولو متأخراً 38 يوما ،نتيجة لنضال شعبنا الطويل وللظروف الدولية التي تلت الحرب العالمية الثانية التي صنعت توازنات دولية جديدة.

رحم الله روادنا الأوائل وأطال في عمر من بقي منهم وأعاننا جميعا على الوفاء لهم ولتاريخهم وتضحياتهم. فيكفي ما نالهم من نكران وجحود وتشويه وإساءة لتاريخهم الوطني الناصع ولنضالهم الذي افتأت واقتات عليه كثيرون ، ومازالوا!! ومن الوفاء لهم أن نبني مستقبلاً آمناً مستقراً رخياً لوطننا وأن لا نلتفت إلى الماضي إلا لأخذ العبرة وأن تتركز أنظارنا وجهودنا على ترسيخ أسس الوحدة القابلة للاستمرار من خلال منظومة حكم متماسكة وقضاء عادل مستقل نافذة أحكامه وحكم محلي كامل الصلاحيات يحقق أوسع مشاركة شعبية وتوازن، وكذلك نظام انتخابي يعتمد القائمة النسبية وبذلك نستطيع تقليص الفساد وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، كل ذلك من خلال برنامج واسع لإصلاحات شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وقضائية وثقافية ودستورية وقانونية..وبذلك لا تتأهل بلادنا فقط لعضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية بل تتأهل لدورها الهام في المنطقة والعالم.

شاهد أيضاً

محمد عبدالله الموس

شهداء، لا بواكي لهم

كانت الواقعة الى الشرق من شقرة في جبل العرقوب، مجرد كلمة مست شرف عدن، حاضرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *