ليس هناك من موضع يمكن أن يقال فيه (شر البلية ما يضحك) أقوى من حالة مغادرة أعضاء لجنة تعويضات الأراضي في الجنوب، عن المنهوبات والبسط الوحدوي، إلى جمهورية ألمانيا الصديقة للاستفادة من خبرة الأصدقاء الألمان في تعويض الألمان الشرقيين.
فهذه الخطوة الجبارة للجنة العتيدة توحي لنا بان النهب والتعويض عن النهب قدرا وحدويا مرتبط بأي وحدة في كل زمان ومكان، وهو أمر قد يتطلب زيارة بقاع أخرى في العالم بغض النظر عن أن كانت هذه البقاع تشهد وحدة أم استقلال، فالتعويض في الحالتين جائز.
ولا يدري احدنا ما هي البدائل التي يتوقعونها، إذا افترضنا جدلا أن هناك أراض تم نهبها من قبل ألمان الغرب، هل اخترعوا أراض جديدة أم احتلوا أراض في الجوار أم اقتطعوا جزء من أراض ألمانيا الغربية للتعويض بها أم كبسوا مساحة من البحر يوازي حجم الأرض المنهوبة؟ أم أنهم فكروا في صرف تعويضات في احد الكواكب المجاورة ونظموا وسائل نقل للسكان هناك للتواصل مع الوطن الأم؟.
يحضرني بيت للشاعر المرحوم عبد الله البردوني:
أن كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة أعظم
ألا يعلم قضاتنا الإجلاء أن عشية إعلان الوحدة الألمانية جرى نقل شاحنات تحمل المليارات من الماركات الألمانية الغربية إلى البنوك لاستبدال المارك الشرقي مع ما يتمتع به المارك الغربي من نفوذ، وهذا بحد ذاته احدث نقلة نوعية للمواطن الألماني الشرقي؟.
ألا يعلمون أن الوحدة الألمانية حين تمت روعي في وثائقها التي تتكون من مئات الأصول والملحقات أدق التفاصيل التي تحمي حقوق المواطن الشرقي بوصفه كان يعيش في ظل نظام اشتراكي تسود فيه الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وبذلك فهو مجتمع خال من الأثرياء، وتضمنت هذه الوثائق عدم أحقية ألمان الغرب في امتلاك أراض في الشرق إلا بعد (20) عاما على الوحدة؟، وفوق هذا وذاك فأن المواطن الشرقي محمي في جغرافيته بالنظام الفيدرالي.
ألا يعلمون أنها لم تقم في ألمانيا حرب ضم وإلحاق سرح بعدها الناس من أعمالهم المدنية والعسكرية وجرى نهب المؤسسات وكل الأملاك العامة وحتى الخاصة وأصبحت الجبال أملاكا لمتنفذين لا يفقهون سوى الفيد والتكسب كيفما اتفق؟.
والاهم من كل ذلك أن في ألمانيا قضاء مستقل استقلالا حقيقيا، أما لدينا، فحدث ولا حرج، وليست عنا ببعيد واقعة القاضي البابكري الذي حكم بما يمليه الشرع والقانون فانتفض مجلس القضاء، الذي يفترض به حماية القضاة، وعزله متهما إياه بما لا يجوز ذكره احتراما لقضاة يحملون بذور نزاهة.
أغاب عن بالهم أن اتفاقية وحدة النفق تتكون من نصف صفحة أبرمت ذات ليل في احد أنفاق عدن من قبل الحمقى الذين كانوا يحكمون الجنوب، وهي وثيقة اقل، حجما وشروطا، من اتفاقية تأجير كشك سجائر، ورغم ذلك تم الانقلاب عليها بحرب استباحة الجنوب، بشرا وحجر وجبلا وسهلا وبحرا، وحتى سماء، أصبح معها المواطن الجنوبي الذي كان مجرد موظف حكومي مثل كريم على موائد اللئام.
بعد كل ذلك، أين يوجد وجه الشبه بين وحدة النفق والوحدة الألمانية حتى تستفيدوا من خبرة أصدقائنا الألمان؟.
لقد منحكم رئيس الجمهورية عاما واحدا لتنجزوا رفع المظالم مع اللجنة الأخرى الخاصة بالمبعدين ولم ترفع أي من اللجنتين مظلمة واحدة، فماذا تنتظرون لتعلنوا انسداد أفق الحلول وتقررون أن الجنوب بعد ثورة الستين (انتقل من سلطة نهب إلى ثوار نهب).
عدن 1/9/2014م