لست ادري لماذا يقفز إلى ذهني ذلك المشهد من مسرحية التركة الذي ترد فيه جملة (زيده يا سيدي) حين كان القائد عبدالله احمد بن علوان، الذي جسد شخصيته عطر الذكر المرحوم عبدالله مسيبلي يحاكم احد الجنود فحكم عليه بالطرد من الخدمة العسكرية فقالوا أفراد الحاشية (زيده يا سيدي) فأضاف (بدون أي استحقاق) فقالوا (زيده يا سيدي) فقال (ما عاد باقي إلا الإعدام).
في المشهد المسرحي لم تجري عملية إعدام لكن في الواقع جرت عملية تصفيات مرعبه، وكنا نعتقد أن التصالح والتسامح قد طوى صفحات دامية من تاريخ الجنوب، ويدرك (كتبة) ثقافة الصراع من الذي ارتكب هذه الجرائم ومن الذي كان يحمل مباخر حفلات الذبح الجماعية والفردية منذ قبيل الاستقلال الوطني في عام 1967م، ويدركون أينا أكثر حاجة إلى التصالح والتسامح.
على طريق (زيده يا سيدي) فأن الأمر بلغ بمستكتب معتوه أن أنكر جنوبية الرابطة، وهو لم يبتعد كثيرا عن طروحات بعض حكام صنعاء الذين يقولون بان سكان الجنوب ليسوا إلا بقايا هنود وصومال، واذكر أن هذا المعتوه قد قال ذات محادثة (بالواتس اب) انه يبغض الرابطة، وهذا يعني، ببساطة، أن الرجل لا ينطلق من خلاف في وجهات النظر وإنما من حالة مرضية اسمها (الحقد) تجعل الشفقة عليه أولى من أي شيء آخر، ويعرف كل جنوبي أن الرابطة هي أول من دافع عن جنوبية الجنوب منذ الخمسينيات، وكغيرها من الأطراف الجنوبية، استبشرت بالوحدة رغم أن قادتها قد طلبوا من قادة الجنوب إجراء مصالحة جنوبية قبل الدخول في الوحدة ولم يسمع احد هذا الصوت.
ولان الشيء بالشيء يذكر فقد قال لي صديق ذات جمعة في احد مساجد عدن انه ليس مع المؤتمر الجامع لان وراءه حزب الرابطة، ورغم انتقاد رأيه من قبل كل من كان حاضرا معنا، بل وشرحوا له حاجة الجنوب إلى قيادة ومشروع توافقي وان الرابطة ليست إلا طرف من أطراف كثيرة تؤيد الجامع إلا انه ظل متمسكا بظنه، وحين سألته عن مرجعيته في هذا الرفض ذكر لي احد ساسة الجنوب، وهو سياسي نكن له كثير من التقدير والاحترام.
لا يخرج الأمر من احد سببين، أما أن هؤلاء ومن على شاكلتهم (تركة) بائسة من ثقافة الصراع ولا يريدون الخروج منها، أو أنهم لا يجيدون قراءة الواقع جيدا ليتمكنوا من اقتراح الحلول والمعالجات، وفي الحالتين فهم شر مستطير، يستخفون بدماء الشهداء ولا يشعرون بمعاناة أولئك الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء بانتظار قادة يشعرون بالمسؤولية، يقودون الوطن والناس إلى بر الأمان، فهم بدلا من ذلك يعملون على مزيدا من تمزيق الصف الجنوبي بصناعة تباينات ليست موجودة في الواقع.
أن وجود قيادة توافقية ومشروع سياسي واحد، يقرأنا العالم من خلاله، هو السبيل للوصول إلى بر الأمان ولا سبيل للوصول لذلك إلا بمؤتمر جامع يراه العالم ويشهد على نتائجه، فالعالم لن يسلم الجنوب إلى المجهول، كما قال الأستاذ عبدالرحمن الجفري، وإذا تأمل احدنا نوع الأسئلة التي وجهت لنا من أكثر من جهة أجنبية لتوصل إلى هذه الحقيقة.
اللهم لا تحاسبنا بما فعل السفهاء منا.