هي “عدن” حاضرة الجنوب العربي وعنوان عزته وشموخه تسترد اقتدارها التاريخي على تجريع الغزاة المعتدين مرارات الهزائم والانكسارات، وتلقينهم دروسا بليغة في معاني الإباء والاستبسال ذودا عن الأرض والعرض والكرامة.. ها هي “عدن” تكتب اليوم بتضحيات أبناء الجنوب ومقاومتهم الوطنية الأسطورية ومآثرهم البطولية الخالدة، تاريخا جديدا للجنوب العربي تتألق في ثناياه بهاءات الانعتاق من ربقة الاحتلال اليمني الغاصب وبزوغ شموس استقلال الجنوب وطنا وشعبا وهوية ودولة جديدة عصرية كاملة السيادة .. نعم، فقد أطاحت “عدن” بعد كل ما داهمها به الغزاة الحوثعفاشيون اليمنيون الحاقدون من تقتيل وتدمير وترويع وحرب ابادة، وبعد ما ظل يبديه أهلها من رجال الجنوب الذين هبوا من كل حدب وصوب للدفاع عنها من مقاومة بطولية وتضحيات عظيمة، تكللت بدحر الجحافل الغازية بإسناد من الأشقاء في دول التحالف العربي، أطاحت “عدن” –والحال كذلك- بكل “المشاريع” التي لا تلبي حق أبناء الجنوب في التحرر والاستقلال وبناء دولة الجنوب العربي الفيدرالية الجديدة كاملة السيادة وفق الحدود المعروفة قبل عام 1990م،ووضعت النهاية المحتومة لكل محاولات تأبيد الاحتلال اليمني للجنوب من خلال “مشاريع” تبتغي تحديث صيغه وأشكاله وتحسين شروطه تحت مسمى “الدولة الاتحادية” المزعومة .
لقد استنفر الجنوبيون كل طاقاتهم وامكانياتهم المحدودة ووقفوا بعزيمة وشجاعة غير محدودة لصد الجيوش والمليشيات الحوثعفاشية اليمنية منذ اللحظات الأولى لحربها العدوانية التي كانت تروم تكريس الاحتلال اليمني للجنوب العربي، وخاضوا وما زالوا يخوضون ملاحم بطولية أسطورية قدم خلالها الآلاف من أبناء الجنوب دماءهم وأرواحهم رخيصة في سبيل الذود عن حياض وطنهم المحتل، ولم يفعلوا كل هذا الاستبسال ولم يقدموا كل هذه التضحيات من أجل تغيير شكل أو نظام الاحتلال الغاصب لوطنهم، لذلك يتعين على كل من يتجاهل أو يتنكر لهذه الحقيقة الساطعة سطوع الشمس في كبد السماء، من خلال الزعم بأن الجنوب إنما يقاوم ابتغاء تنفيذ مخرجات حوار محتليه وتكريس احتلاله وطمس هويته، نعم، على كل متجاهل لتلك الحقيقية أن يدرك ما مفاده أن الجنوب قد حزم أمره على أن الاستقلال بوطنه وهويته ودولته الفيدرالية الجديدة هو الهدف الذي سيستميت أبناؤه اليوم وغدا حتى تحقيقه، وأن الجنوبيين قد تعمق وعيهم بحقائق أنهم لم يكونوا في أي يوم من الأيام على مدار التاريخ فرعا من “أصل” هو”اليمن”،بل هوية سياسية مستقلة ووطن مستقل تربطه وشائج الجوار والدين والعروبة مع الأشقاء في اليمن، وأن “خرافة” أن الجنوب “شطر” من اليمن وما ترتب عليها من ادعاءات عودة “الجزء” إلى “الكل”، قد أدرك الجنوبيون زيفها وخواءها وبعد أن تجلى واضحا أمامهم أن اليمنيين هم من اختلقها وروج لها وضخ وعيا زائفا بها في أذهان بعض النخب الجنوبية التي انخدعت بها وفرضتها على الجنوب غداة استقلاله الأول عام 1967م وصولا إلى الارتماء به في مهاوي “الوحدة” المزعومة عام 1990م التي هيأت لليمنيين التهامه عقب اجتياحه واحتلاله عسكريا صيف عام 1994م .
إننا نقولها واضحة مدوية : لن يعود الجنوب مجددا إلى “باب اليمن” بأي صيغة من الصيغ، فقد استرد الجنوبيون وعيهم بأنهم وطن مستقل غير تابع وغير ملحق بأي بلد آخر، وبأن لهم هوية سياسية مستقلة عصية على الطمس والاحتواء، وعلى الأشقاء والأصدقاء أن يقرأوا باهتمام ما يعتمل على أرض الجنوب من اجماع كاسح على أن الخلاص من نير الاحتلال اليمني وتحقيق الاستقلال الوطني وبناء دولة الجنوب العربي الفيدرالية الجديدة غير منقوصة السيادة وفق الحدود الدولية المعروفة قبل عام 1990م هو هدف الجنوبيين الذي لا تراجع عنه ولا انتقاص منه، وعليهم أن يقفوا على حقيقة أن الاستقرار في جنوب شبه الجزيرة العربية لن يتوطد إلا بتمكين الجنوبيين من حقهم المشروع في الاستقلال بوطنهم وهويتهم ودولتهم، وقبل كل هذا عليهم أن يتيقنوا من حقيقة أن أي قيادات جنوبية لا تزال تدعي أن بإمكانها سوق الجنوبيين لقبول أي حلول تنتقص من أهداف ثورتهم التحررية ومقاومتهم الباسلة وتعيد انتاج الاحتلال اليمني للجنوب بصور أخرى، هي قيادات معزولة شعبيا وسيفضح أبناء الجنوب زيف ادعاءاتها، أما اخواننا في اليمن الشقيق فلا مجال أمامهم إلا القبول بما يحفظ لهم وللجنوبيين وشائج الاخاء والقربى والجوار وتبادلية المنافع والمصالح والعمل على هدم ما تطاول من جدار للكراهية والبغضاء نتيجة للممارسات الاحتلالية، وذلك بالعمل على وضع نهاية للاحتلال القائم وتمكين شعب الجنوب من حقه في الحرية والاستقلال وبناء دولته الفيدرالية الجديدة والاستقلال بهويته السياسية، وقبل كل ذلك لجم قواهم المتنفذة التي تمضي لإطالة أمد حروبها على الجنوب بدعوى تثبيت “وحدة” كاذبة أثخنت الشعبين بالجراح والأزمات والضغائن والكوارث .
ولله الأمر من قبل ومن بعد ..