◼ ولاية الفقيه
▪ تولى آية الله روح الله الخميني وأعلن “ولاية الفقيه العامة”، التي ليس لها أصل في أصول المذهب الإثنعشري، وعارضه في ذلك غالبية المراجع الشيعية، فقمعهم. و “ولاية الفقيه العامة” تعني أن يتولى السلطة مرشد ومرجعية عليا لا راد لقراره، تختاره المرجعيات الفقهية، عبر آلية حددوها، كنائب عن الإمام الغائب “المهدي المنتظر”، وهذا الأمر طرحه أحد علماء الشيعة من جبل عامل بلبنان قبل حوالي أربعمائة سنة يُقال أنه محمد بن مكي الجزيني العاملي المولود في جبل عامل بلبنان، ولم يلقَ هذا الطرح قبولاً لدى المراجع الشيعية الإثنعشرية وبقي مدفوناً حوالي خمسة قرون. وعند بقاء الخميني فترة في النجف بالعراق اطلع على كتاب “اللمعة الدمشقية”، الذي كتبه الجزيني العاملي، الذي يحوي فكرة “ولاية الفقيه العامة” فتبنّاها الخميني ونفّذها عند استيلائه على السلطة في إيران بثورته على نظام شاه إيران في 1979م. استخدم نظام الخميني كل الوسائل ضد علماء ومراجع “الشيعة الإثنعشرية” المعترضين، بما في ذلك الإرهاب المعنوي والقتل وكل أنواع الممارسات.
▪ في أساس المذهب الاثنعشري يعتمدون روايات – لم تثبت عندنا أهل السنة – وهي أن الإمامة (الخلافة) لإثني عشر من الأئمة تبدأ من سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي عنه، وتنتقل في أحد عشر إماماً من نسله تنتهي بمحمـد بن الحسن العسكري، الذي يعتقدون أنه غاب في سرداب الغيبة الصغرى وعمره خمس سنوات في عام 260 هجري والغيبة الكبرى وعمره 74 عاماً في عام 329 هجري.. وأنه سيعود، ويسمونه بالإمام الغائب (المهدي المنتظر عندنا في السنة)، وكل الأئمة الإثني عشر معصومون عند الشيعة الإثنعشرية، وفي أساس هذا المذهب أن لا يتولى أحد الإمامة غيرهم، ولا وجود لما ورد في فكرة “ولاية الفقيه العامة” أن ينوب عن “الإمام الغائب” أحد حتى عودته من غيبته الكبرى، كما يعتقدون.
▪ واستمر الأمر قروناً حتى جاء الخميني وفرض “ولاية الفقيه العامة” وهي تعني إقامة خلافة وإمامة نيابة عن الإمام الغائب، وفرض ذلك بكل الوسائل.
▪ ولأن الإمامة (الخلافة) للمسلمين عامة، فقد أضاف الخميني ثلاثة أهداف لتعميم توجهه وفرضه على المسلمين وهي:
1. تصدير الثورة، التي قامت كأداة لفـرض “ولاية الفقيه العامة”، وهذا يعني استخدام كل الأساليب الثورية للفرض، من الإغراء إلى العنف “الإرهاب”، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.. لذلك أقاموا “الحرس الثوري” لا “ليحرس” الثورة والقائمين عليها في إيران بل كأداة ثورية لفرض “ولاية الفقية العامة” أيضاً خارج إيران.
2. نشر المذهب الإثنعشري الجديد الذي يقوم على “ولاية الفقيه العامة” بنفس الأساليب الثورية، إغراءً وإرهاباً.
3. بسط سلطة إيران، كعنصر، على العالم الإسلامي انطلاقاً مما قاله الخميني: “إن العرب قد أخذوا دورهم، والأتراك أخذوا دورهم، وآن الأوان للفرس أن يستعيدوا دورهم” وهذا منطلق عنصري، ينطبق عليه قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: “اتركوها فإنها منتنة” بل يتكلمون عن عودتهم إلى بغداد، أي عودتهم لما كان قبل الإسلام، وكان الأجدر أن يعودوا إلى دور علماء فارس المسلمين الأجلاء الذين كانوا قمة في كل علوم الإسلام من لغة عربية وفقه وحديث وتزكية وعقيدة وسيرة….الخ.
▪ النتيجة: “ولاية الفقيه اليوم” تقوم على إدعاء إقامة الإمامة الإسلامية (الخلافة الإسلامية) وفرضها بالإغراء والعنف والإرهاب والحروب واستقطاب واستخدام الوكلاء في كل بلد إسلامي. لذلك نجد، في نهج وممارسات إيران، هذا الإزدواج الغريب والخلط المريب بين الدولة والثورة، فهي تتعامل كدولة مع دول العالم غير الإسلامية.. وتتعامل مع الدول الإسلامية ومع المسلمين كثورة تسخّر لها كل قدرات وإمكانات الدولة… بقيادة الحرس الثوري الذي يتحرك ويتصرف كأي تنظيم إرهابي مسلح ويزاول كل الممارسات دون اعتبار لأي قوانين أو أعراف محلية أو دولية. {أليس هذا ما تقوم به التنظيمات الإرهابية الأخرى؟!}
◼ تنظيم الدولة الإسلامية وأشباهها (ما يعرف بداعش):
▪ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عن الخلافة وعن الإمام المهدي المنتظر واضحة عند أهل السنة، أما عن الخلافة فقد أنبأ صلى الله عليه وآله وسلم، بخلافة راشدة لثلاثين عاماً، وانتهت تلك الفترة بنهاية خلافة الحسن بن علي عليهما السلام، عند تنازله عنها لحقن دماء المسلمين. (وهو ما أخبر به سيدنا رسول الله).
▪ ثم تأتي أحاديثه، صلى الله عليه وآله وسلم، عن المهدي المنتظر، وينبئ بأنه يأتي في آخر الزمان من آل بيته اسمه كاسمه، يملأ الدنيا عدلاً بعد أن تمتلىء جوراً، وأنه في زمانه ينزل السيد المسيح عليه السلام، ويسلمه الإمام المهدي الراية ويقود المسيح عليه السلام المعركة ضد الدجال ويقتله.
▪ هنا أيضاً عند أهل السنة أن لا خلافة راشدة كالتي كانت، بعد الثلاثين عاماً الأولى، حتى يجيء المهدي المنتظر.. وهذا لا يمنع قيام خلافة تقيم الأسس والمقاصد وتستوعب عصرها، فالإسلام دين حياة وعلم وعدل ورحمة وليس دين توحش ودماء وقسوة.
▪ لكن جاء خوارج العصر، فلكل عصر خوارجه، وبدأوا بالتكفير لأهل لا إله إلا الله محمد رسول الله، وحكموا بالتكفير على ارتكاب الكبائر ثم تطور الأمر إلى تكفير المجتمعات والدول، ثم استحلوا دماء الناس بما فيهم المسلمين، فأصبح التكفير = التفجير، ثم تطور بإضافة الذبح والحرق – الذي استخدمه أيضاً معتنقو ولاية الفقيه العامة ضد مخالفيهم – وغير ذلك من أساليب وحشية لا علاقة لها لا بدين ولا بإنسانية، ابتداءً من تنظيمات إسلامية في بلاد المسلمين مروراً بالتكفير والهجرة وغيرها، ثم القاعدة بمسمياتها المختلفة، من أنصار شريعة وأنصار الله…إلخ، وأخيراً وليس آخراً “تنظيم الدولة الإسلامية – المعروف بداعش”، وكما يُقال، أن القادم “تنظيم خراسان” أشد وحشية.
أتى “تنظيم الدولة الإسلامية – داعش” علاوة على مزيد من الوحشية في سفك الدماء المحرمة، واسترخاصها وهي عند الله غالية وأعظم من “هدم الكعبة حجراً حجراً”، فإنه علاوة على ذلك انتهج أمرين، هدف وآلية:
1. الأمر الأول (الهدف): يقوم على أساس “بناء دولة الخلافة”، أي {“ولاية الفقيه العامة” عند “الشيعة الخمينية” فلم يعد معتنقوها حقيقة “شيعة اثنعشرية” فقد زاد حتى الآن إمامان هما الخميني وخامئني، وستتوالى الزيادة على هذا المذهب حتى عودة “الإمام الغائب” كما يقولون!}.
2. الأمر الثاني (آلية): تلك الإمكانيات الضخمة التي ظهر بها هذا التنظيم وتمكنه من الإستيلاء على مصادر تمويل كبيرة جداً، بل وتمكينه من تسويق منهوباته من آثار ونفط ومعادن وغير ذلك.
▪النتيجة: “تنظيم الدولة الإسلامية – داعش” يخالفون سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهجه وما أنبأ به، ويدعون إلى “خلافة” بما يخالف الرسول والصحابة، أساليباً ونهجاً وممارسة.. وفي عصرنا كان قد طرح الإخوان هدف إقامة الخلافة واستخدموا في بعض المراحل العنف لتنفيذه.
الاستخلاص:
يتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن:
▪ نهج “ولاية الفقيه العامة” يسعى إلى:
1. السيطرة بإقامة إمامة معصومة بحجة “نيابة الإمام الغائب” بكل صلاحياته، وهذا خارج عن الإثنعشرية في هذا الشأن وخروج عن نهج رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
2. يستخدمون أساليب وأدوات الإغراء الدنيوية والترغيب الدجلي في الآخرة لتبرير جرائم العنف والإرهاب والحروب.
▪ نهج “تنظيم الدولة الإسلامية – داعش” ومن على طريقه، ومن سبقه، يسعى إلى:
1. السيطرة بحجة إقامة ما يدعونه “دولة الخلافة الإسلامية”، وبممارسات وأساليب خارجة عن نهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخلفائه الراشدين، وما أنبأ عنه وأمر به.
2. يستخدمون أساليب وأدوات الإغراء الدنيوية، والترغيب الدجلي في الآخرة لتبرير الجرائم والعنف والإرهاب والحروب.
▪ والفارق أن “ولاية الفقيه” استطاعت منذ بداية انطلاقتها الميدانية الاستيلاء على دولة كبيرة وغنية، واتخذتها منصة للانطلاق وكسب الأتباع وتمويلهم لمزاولة مهامهم في الفرض على أتباع “المذهب الاثنعشري الأساس” ثم على غيرهم من المذاهب، إما بالاستقطاب أو السيطرة باستخدام كل أدوات الإغراء والترغيب والإرهاب والحروب، وهذا ما نشاهده في عدة دول عربية وأفريقية وآسيوية.
▪ سارت داعش على نفس الخط في محاولة الإستيلاء على مناطق تنطلق منها، تمويلاً وقدرات.
▪ كما أسلفت فإن معتنقي مبدأ “ولاية الفقيه العامة” في حقيقة الأمر لم يعد لهم علاقة بالمذهب “الإثنعشري” في مسألة الإمامة، وهي أساس الاسم، فلم يعد الأئمة عند أهل “ولاية الفقيه” اثني عشر إماماً، بل أصبح العدد مفتوحاً من الناحية الفعلية، وإن أسموهم نواباً للإمام الغائب، فكلٌّ منهم إمامٌ طوال حياته، ويقوم مقام الإمام الغائب، ويتمتع بكل اختصاصاته وسلطاته وعصمته!!
▪ وينطبق هذا على داعش حيث يبايعون “خليفة”، وإن لم يدّعون عصمته، فهو كالمعصوم مطلق الصلاحيات، وينفذون أحكاماً باسم الشريعة، والشريعة والإنسانية منها براء، ويمارسون كل أنواع الإرهاب والحروب ضد المسلمين وغير المسلمين.
◼ لذلك فإن الصراع حقيقة – رغم الخلاف المذهبي بين أهل السنة والشيعة – هو بين كل المذاهب الإسلامية، المعترف بها، من جهة، والإرهاب، سواء من “داعش وأشباهها ” أو “ولاية الفقيه العامة”، من جهة أخرى.
◼ فالواضح بما لا يدع مجالاً للشك تماثلهما نهجاً وتوجهاً وأهدافاً ووسائلاً وأدوات وممارسات ونتائج كارثية يجلبانها على المسلمين والعالم.
وكلاهما خوارج العصر عن مذاهبهم وعن النهج الإسلامي السمح.
ونستطيع أن نقول بلا تردد أن:
ولاية الفقيه العامة = داعش وأشباهها.
وداعش وأشباهها = ولاية الفقيه العامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⚪ هامش: أين الزيدية من هذا كله؟!
1. الزيدية مذهب شيعي يختلف مع أهل السنة في قضايا مع اعتماده بعض أسانيد أهل السنة.. وعلماؤه المعتبرون قد أفتوا عام 1990م بعدم حصر الإمامة أو رئاسة الدولة في البطنين بل تكون في كل من تنطبق عليه الشروط الأخرى المتعلقة بالعلم والأخلاق والكفاءة.. وهم في نظر الشيعة الإثنعشرية كفار!!!
2. تعرضوا لاضطهاد مذهبي في النصف قرن الأخير.. كما زاولوا أشكال الاضطهاد السياسي على غيرهم في بعض المراحل السابقة.
3. علماؤهم الكبار استطاعوا أن يستوعبوا المرحلة بمرونة… وجاء جيل الشباب واستفزته أساليب النظام الذي زاول كل أنوع الفتن، بما فيها المذهبية، ليلعب على التوازنات.. ففلت منه الزمام… وتلقفت إيران “ولاية الفقية العامة” الشباب دعماً وبعثات… والذي لم يتأثر بالتوجه الإيراني، عقائدياً، تأثر سياسياً.. وسياسة الحكم جزء من المذهب عند الطرفين… وأصبح الشباب الزيدي – الذين لم يتحولوا إلى المذهب الإثنعشري بولاية الفقيه – في منزلة وسط بين فرقة زيدية متطرفة وبين ولاية الفقية العامة الخمينية.. وفي جانب آخر خرجوا عن غالبية مجتمعهم ومحيطهم الإقليمي وعن مجتمعهم العربي وسلموا الزمام لغيرهم.. أي لإيران “ولاية الفقيه العامة”… فضاعت منهم البوصلة.. أو سلموها اختياراً أو اضطراراً.. فلا فرق فقد أصبحوا فقط منفذين للأحداث لا صانعين لها.
ما سبق اجتهاد مني فإن أصاب فبتوفيق الله… وإن جانبه الصواب فمن نفسي.
عبدالرحمن علي بن محمد الجفري
رئيس الهيئة الوطنية الجنوبية المؤقتة للتحرير والاستقلال (الهيئة)
رئيس حزب رابطة الجنوب العربي الحر (الرابطة)
نائب رئيس الجمهورية في العاصمة عدن إبان الحرب على الجنوب عام 1994م
21 يناير 2016م