لم يكن المدعو علي قاسم البكالي أول محتلينا اليمنيين الذين يطلقون وابلا من البذاءات والاساءات بحق أبناء الجنوب، ولا اعتقد أنه سيكون آخرهم، ذلك أن هؤلاء لا يرون الجنوب إلا فرعا من فروع يمنهم لا ينبغي لأهله إلا التبعية والتسليم بعبوديتهم لأسيادهم في المركز اليمني المقدس، ولا يتعين عليهم مقاومة محتليهم ابتغاء انتزاع خلاصهم من ربقة محتليهم وتحرير وطنهم والاستقلال بدولتهم وهويتهم.. نعم، لقد تسابق كثير من اليمنيين للتهجم على الجنوبيين ورجم ثوارهم عبر الصحف والفضائيات بأنهم بقايا هنود وصوماليين، ولم يكن ما تلفظ به المدعو البكالي عبر قناة اليمن الفضائية إلا تكرارا سخيفا لسفاهات من سبقوه، ولا أحسب أن مثل ذلك التطاول وتلك البذاءات أمر يدعو للاستغراب أو الاندهاش، ذلك أنها لا تصدر ولا تعبر إلا عن عقليات ونفسيات محتلين فقدوا اتزانهم وهم يتجرعون مرارات انكسار احتلالهم الغاصب، ومن يراجع حقائق التاريخ سيجد الكثير من الوقائع التي توثق الكثير من حالات لجوء المستعمرين للتشكيك في مشروعية مطالب وأهداف الشعوب والبلدان المحتلة والطعن في أصول وأنساب ثوار تلك الشعوب، عندما تهتز أركان ذلك الاحتلال وتتعاظم مؤشرات أفول المستعمرين الغاصبين .
ما لم يستوعبه البكالي وأمثاله من جوقات الاحتلال اليمني حتى الآن، هو أن الغالبية العظمى من الجنوبيين قد استردوا وعيهم بحقائق التاريخ والجغرافيا التي تؤكد وعلى نحو يقيني أنهم أصحاب وطن وهوية أصيلة ومستقلة لا تمت لليمن إلا بصلة الجوار والأخوة الإسلامية، وأن جنوبهم عربي مستقل تاريخيا وجغرافيا ولم يكن في أي يوم من الأيام عبر التاريخ كله حتى عام 1990م شطرا ولا جزءا من اليمن.. لقد أضحى الجنوبيون على قناعة تامة أن خطيئة “يمننة” الجنوب وسلخه عن هويته الأصيلة والتسليم بخرافة أنه شطر يمني وفرع يجب أن يعود إلى أصل يمني مزعوم، أنها الخطيئة التي أسست لضياع الجنوب وهويته واستقلاله والتي قادت أيضا إلى ترديه في مهاوي المآسي والكوارث والنكبات وصولا إلى تقديمه لقمة سائغة لقوى التسلط في صنعاء اليمن التي اجتاحته واحتلته عسكريا عام 1994م.. نعم، على البكالي وأمثاله وعلى كل قوى الاحتلال اليمني أن تدرك حقيقة أن الجنوبيين لا يطالبون بالانفصال والعودة إلى حيث كانوا شطرا يمنيا جنوبيا، بل باتوا يتمسكون بأهداف الاستقلال بوطنهم وهويتهم ودولتهم عن اليمن، والخلاص من خطايا انخداعهم بخرافة أن جنوبهم جزء من اليمن، ولذلك لم يعد يضيرهم أو يشينهم القول بأنهم ليسوا يمنيين، فهم أمسوا يعتزون بحقيقة أنهم تاريخيا عرب جنوبيون، تربطهم بأشقائهم اليمنيين وشائج القربى والجوار والانتماء العربي والأخوة الاسلامية، وليسوا تابعين أو ملحقين لشعب آخر ولا لهوية أخرى، وهم في اعتزازهم وتمسكهم هذا باستقلالية وطنهم وهويتهم، يربأون بأنفسهم عن الاساءة لأشقائهم في اليمن بل أنهم لا يرونهم إلا شعبا عربيا عزيزا وشقيقا صاحب ارث وأدوار تاريخية عظيمة لا يمكن لأحد تشويهها أو الانتقاص منها.
خليق بالبكالي وغيره من المتنطعين أن ينشغلوا بموجبات تطهير يمنهم وتحريره من مختطفيه ومغتصبيه الحوفاشيين، بدلا من الانهماك في توجيه بذاءاتهم للجنوبيين الأحرار الذين أدهشوا العالم بملاحمهم الأسطورية وفدائيتهم وتجريعهم تلك المليشيات الغازية مرارات الهزيمة والاندحار، على النحو الذي أنجزوا من خلاله مآثر تحرير الجنوب من بغي تلك الجحافل الباغية بمساندة اشقائهم في دول التحالف العربي وفي المقدمة الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وخليق بقوى الاحتلال اليمني وجوقاتها الناضحة قيحا وفجورا أن تدرك حقيقة أن شعب الجنوب العربي قد قدم وسيظل يقدم من الملاحم والبطولات والتضحيات ما توجبه استحقاقات خلاصه من براثن محتليه وانتزاعه لحريته واستقلاله بوطنه وهويته وحقه في بناء دولته الفيدرالية الجديدة كاملة السيادة على كامل الأراضي الجنوبية وفق حدود ما قبل عام 1990م،وهو في سياق ذلك كفيل بتجريع قوى الاحتلال المتدثرة بعباءة الاصطفاف مع “الشرعية” من كأس الهزائم ذاته الذي تجرعته قوى الاحتلال “الانقلابية”، واحباط كل مخططاتها ومشاريعها وحملاتها القذرة الموجهة ضد الجنوب وثورته ومقاومته وتطلعاته التحررية، ومن اليقين أن تطاولات الشتامين والأفاكين والمرجفين على الجنوب العربي وشعبه العظيم، هي بيانات إدانة دامغة لهؤلاء وللقوى الدافعة لهم وبهم، وسترتد عليهم بكل ما تكتنزه من قبح وفواحش، أما الجنوب وشعبه فما طفق يحفر ببطولاته في جبين الزمن والتاريخ أصالته وعظمته ويقدم نفسه بكونه درعا لا يقهر انتصاره لعروبته ولا يساوم في الامتثال لموجبات التلاحم مع أشقائه لمواجهة المتطاولين وكل من يحاول التعدي على الأمن القومي العربي ..
ولله الأمر من قبل ومن بعد ..