ان وزن الرجل ..هو وزن فكرته .. وهناك في الذروة من كل مجتمع نماذج رفيعة من الرجال ..وطرز اْلمعية من الفكر …واْحيانا (( تتحد الفكرة ..والرجل)) فتكونان سلوكا يوحي بالثقة ..وطريقا الى ((الاْستدلال )) على عناصر النضال ..والعدل في هذا الوجود …
وواقع المشكلة القائمة في الجنوب العربي …ان الرجال الذين يتولون الحكم هناك ..هم اْدنى بكثير من حدود اْمالنا ..وهم كذلك اقل كفاءة على ايحاء ((الثقة )) بعقائدهم ..اْو بسلوكهم .. وطابع العداوة القائم بيننا وبينهم ليس مبعثه الاْحتقار من لدنا لذواتهم .. اننا نعادي بصورة رئيسية ((مجموع القيم التي يرمزون اليها )) وجميع الشعارات السياسية الاْجتماعية التي تتلبس بها هذه القيم او تتنكر فيها ..
ان الحكم القائم في الجنوب العربي غير ((مقنع )).. لم نصل بعد حد الاْقتناع بالوزن الشخصي لرجاله ..ولابسلامة طواياهم .. ولاكذلك بالقيم التي يحرضوننا على اعتناقها .. واخيرا فاْننا نشهر عداوتنا لهم … لاْن وجودهم الاْن في الحكم يشكل عدوانا على غاياتنا الاْساسية من الكفاح في سبيل ((الحرية ))..ليس اْدل على انهم دون حدود اْمالنا ..من اننا نكتشف كل يوم حوافز جديدة تدعونا للنضال ضدهم ..
اْين هو الوجه الحقيقي للجنوب العربي ؟.. انه لازال يتمثل في العناصر التي تقود الكفاح اليوم ضد حكم الاْقلية الماركسية العميلة … فقد اْتيح لي مع حوالي ثلاثة اْلاف مستمع ان نصيخ السمع الى رجل من رجالات الجنوب ..يجسد حقا في بلاغته ..في صدق مشاعره.. في دقة استيعابه لماْساة شعبنا ..اْقول يجسد حقا الوجه الكريم الحق لشعب الجنوب العربي ..ويعبر في غير غلواء .. ولاتبجح عن الاْمال الضائعة لشعبنا .. ويحدد لنا السبيل السواء الذي يجب ان نسلكه كشعب .. ونحقق به عزتنا .. ونقضي على عناصر الفرقة ’ والشقاق القائمة بيننا .. من جراء المغالاة في تقدير الذات .. استمعت الى محمد علي الجفري في خطاب له بجدة كرسه للحديث عن الاْنطلاقة الثورية في الجنوب العربي ضد الحكم الملحد العميل … وتجاوز فيه الرجل نفسه .. وحزبه.. وفكرته.. الى ((الوحدة الوطنية ))..باْعتبارها الجادة الصحيحة التي يتوجب على شعب الجنوب الاْوبة اليها .. واتخاذها قاعدة كفاحه .. ونقطة انطلاقه في النضال ضد الحكم الملحد العميل واسقاط كل مؤسساته العسكرية والمدنية … وقبل مهرجان جدة لم اْشهد الجفري خطيبا قط .. وان كان يزاول علي تاْثيرا حتى اْني عندما تعرضت للرابطة ذات يوم لم اْجرؤ عليه .. لابل شهدت بما اسمعه عنه باْجماع الناس من صدق توجه الى الله .. ومن صدق ولاء لشعب الجنوب العربي ..فقد عاش الرجل منفيا احدعشر عاما من وطنه ..ولايزال .. والشعب في الجنوب يذكر ان بريطانيا نسفت داره بالديناميت .. ولعلها بعد ان نفته توهمت في الدار بعض خواص صاحبها ..اْو لعلها اْرادت ان تزيل اْخر اْثر يذكر الناس به .. ويدعوهم لتمثل دعوته ..او استحضار فكرته في الخاطر او صورته في الخيال … ولازال الاْوصياء على تراث بريطانيا في الجنوب اليوم يقاتلون اْنفسهم .. ويصارعون الاْوهام في مضاجعهم بقصد التغلب على سلطان هذا الرجل .. واجتثاث دعوته من كل الضمائر المؤمنة بها .. المحتملة للاْذى في سبيل نصرتها .. ولن اعرض لبعض ماقال او كل ماقال في مهرجان جدة ..فقد تجدون شيئا منه في هذه الصحيفة .. ولكني ….
اعرض فقط ((انطباعي الشخصي)) باْن هذا الطراز الرفيع من الرجال لايكون نافذ الكلمة اْلا في طراز رفيع من الشعوب .. هذا البناء الخلقي الشامخ .. وهذا الوجدان العف النظيف وهذه الحكمة الناطقة الحية.. وهذه الروح المنصفة المتجاوزة لذاتها .. قد تكون طلائع ميلاد عظيم لشعب عظيم ..وقد تكون طعاما للاْضطهاد ضمن شعب ضائع الرشد ..فاقد للصواب من تاْثير التوجه الرخيص للشواغل الدنيوية الرخيصة .. وفي كل الحالات يظل محمد علي الجفري ((رجلا ..وفكرة )) …صورة عظمى لنا في ضمير الغيب .. قد تكشف عنها الحجب اليوم.. وقد يكون ذلك غدا .. واْني لضنين بالكلمة في غير موضعها ضن ((شيلوك)) بماله في واجبه ..ولكن الرجل كان اْعظم من ان يكون تجاوز اْثره في نفسي ممكنا .. فقلت فيه ماجاد به الوجدان ((اللحز الشحيح)).. واْنها لكلمة قد تهدي الى السبيل الرجل ..وقد تفجر مكامن الخير في النفوس .. فتنهض لفتح الطريق اْمام شعبنا الحر ليخرج الى الناس خبئه ويطلق عبقريته ويدفع عجلة الاْندفاع العربي المسلم لاعلاء كلمة الله في الاْرض وصياغة المصير الواحد للاْمة العربية الواحدة ..
عبدالله الجابري
نقلا عن “رسالة الجنوب العربي”
العدد الثاني اكتوبر 1968م