لا يختلف اثنان على أن حزب العدالة والتنمية التركي، خلال توليه السلطة، حقق طفرات كبيرة في مختلف مناحي الحياة وفي مقدمتها الاقتصاد والتعليم والأرقام المعلنة تؤكد هذه الحقيقة، ومن الطبيعي أن تنعكس هذه الطفرة في حياة الأتراك بصورة أو بأخرى بمن فيهم أفراد المؤسسة العسكرية واؤلائك الذين خرجوا الى الشارع دعما لمحاولة الانقلاب، والسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا محاولة الانقلاب، ولماذا قبل العسكري المواطن القيام بدور الانقلابي، ولماذا يخرج مواطن دعما للانقلاب رغم إيجابية حكم حزب العدالة والتنمية على حياتهم؟.
بعيدا عن نظرية المؤامرة التي لا يمكن نجاحها بدون دوافع داخلية، فأن الناس لا يمكن أن تنقلب أو تدعم الانقلاب إلا لأسباب ودوافع لا علاقة لها بتأثير الخارج حيث لا يوجد دعم إعلامي خارجي معاد لحزب العدالة والتنمية حسب ما نعلم.
كلنا يعلم أن الممارسة الديمقراطية في العالم الثالث هي أقرب إلى كونها ظاهرة صوتية منها إلى ديمقراطية تحدث تغييرا حقيقيا يعكس تداول سلمي للسلطة، وإذا أخذنا في الإعتبار ثقافة الأحزاب في العالم التي تسخر الوظيفة العامة، من رئيس الدولة إلى رئيس قسم الصرف الصحي، لمحازبيها، بدلا من إخضاع الوظائف الفنية ما دون المناصب السياسية لشروط الكفاءة والاقدمية، فأن التغيير يصبح صعبا أن لم يكن مستحيلا، ولنا أن نقيس حجم الغبن الذي يطال الكفاءات الفنية، وهم غالبا من الشريحة الوسطى المؤثرة في المجتمع، لمجرد انهم لا ينتمون للحزب الحاكم، أما إذا كانوا ينتمون إلى أحزاب منافسة فحدث ولا حرج.
هناك داء آخر في الأحزاب العالم ثالثية تتمثل في فرص صناعة الثروة التي تنحصر في محازبي وأعضاء الحزب الحاكم، فعقود المقاولات الحكومية وفرص الاستثمار لا تتاح لغيرهم أو لأعضاء الأحزاب المنافسة وبهذا تتركز الثروة في يد الحزب الحاكم، وهكذا حين تأتي الإنتخابات تفقد روحها التنافسية بسبب تركز السلطة والثروة في يد الحزب الحاكم وتصبح النتائج مضمونة سلفا، انا هنا لا أتحدث عن تركيا تحديدا ولكنها حالة يعيشها العالم الثالت من دول الحزب الواحد إلى التعددية الصورية، وحين لا يحدث التغيير تزيد درجة الاحتقان التي تتأثر به الأغلبية الصامتة كما تتأثر بشعارات الأحزاب الحاكمة وبأنجازاتها حتى التي تنعكس ايجابيا علئ حياة هذه الاغلبية.
قد يقل قائل وماذا عن الأنظمة الملكية، التي تملك وتحكم ولا يحدث فيها تغييرا للسلطة، والأمر ببساطة أن هذه الأنظمة تكون على مسافة واحدة من كل شرائح المجتمع، فليس لها محازبين ومعظم الوظائف الفنية فيها، أن لم تكن جميعها، متاحة حسب الكفاءة لكل المواطنين بلا إستثناء تقريبا، ولهذا نلمس قدر كبير من الاستقرار بلا غبن مسببا للاحتقان.
ستؤدي محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا إلى ردة فعل لحزب العدالة والتنمية تجري على أثرها عمليات تطهير، كما صرح بذلك الرئيس اردوغان، ولأن الأمر من الخطورة بحيث كاد يؤدي بحزب العدالة والتنمية فأن ردت الفعل التطهيرية ستطال حتى المشكوك في ولاءهم وذلك سيؤدي إلى مزيد من تركيز السلطة في محازبي العدالة والتنمية، وربما أن ذلك لن يضع تركيا في طريق الاستقرار الذي ينشده لها محبيها، داخل تركيا وخارجها.