يصر البعض القليل من زملاءنا في العمل الوطني في الجنوب العربي على التمسك بيمننة الجنوب العربي ويتمسكون، في الوقت نفسه، بالاستقلال أو باستعادة الدولة، كما يعبر البعض، مع أن الخطيئة واحدة في حالتي اليمننة والوحدة، وان شئنا الدقة فأن الخطأ التاريخي الثاني (الوحدة) هو الوليد المشوه للخطأ التاريخي الاول (اليمننة).
يمننة الجنوب العربي كانت مجرد قرار لتنظيم سياسي، اكده قادة جنوبيين خلال فترة الاستقلال وخصوصا الرئيسان البيض وناصر فقد قال الرئيس علي ناصر أن تسمية دولة الجنوب الوليدة خضع لنقاش مطول في قيادة الجبهة القومية وكان من ضمن التسميات المطروحة جمهورية عدن وجمهورية حضرموت فيما كان الرئيس البيض أكثر صراحة ووضوحا حين قال بأن المد القومي أثر على تفكيرنا وكان الرئيس قحطان الشعبي (رحمة الله تغشاه) يحاول اقناعنا بالعدول إلا أننا رفضنا حتى مقترحه بمسمى (جمهورية جنوب اليمن) بدلا من اليمن الجنوبية.. وكما رأينا فقد تأكد قول الرئيسان ماورد في وثيقة الاستقلال حيث ذكرت في مادتها الأولى (يمنح الجنوب العربي استقلاله في 30 نوفمبر 1967) وفي مادتها الثانية ذكرت (تسمى الجمهورية الوليدة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية حسب رغبة الجبهة القومية).
هكذا وجدنا أنفسنا، في الجنوب، نتغنى لوهم طوال 23 سنة ولم نعرف حقيقته إلا بعد أن لمسنا زيفه بعد الوحدة (الوهم) عندما تعرض ابناء الجنوب العربي لاقسى انواع التمييز بمشاركة من كان يعتقدهم قادة الجنوب (قوى وطنية حليفة) حيث كانت هذه القوى تحتكم لموروثها وثقافتها في التعامل مع الجنوب ونخبه، في السلطة والمعارضة.
في حالة الوحدة، تم القفز على الفوارق الثقافية والاجتماعية، وهي ليست عيبا أو سرا حتى نتحاشى الحديث عنها، فهناك من الفوارق ما منع الاندماج الاجتماعي، وحتى وأن وجد تقارب بين بعض المناطق فهي لا تعني سوى التشابه الذي لا يلغي الاختلاف وليس في الامر نقيصة لا لأبن العربية اليمنية ولا لأبن الجنوب العربي، هذا بخلاف الفوارق في نمط الإدارة والاقتصاد وغيرها من مناحي الحياة.
وكما جرى القفز على الفوارق الاجتماعية والثقافية في (خطيئة الوحدة) فقد جرى القفز على التاريخ والجغرافيا في (خطيئة اليمننة)، ولسنا هنا بصدد محاكمة تاريخنا في الجنوب أو جلد الذات ولكن علينا تسمية الأشياء بمسمياتها وتصحيح الأخطاء وليس إعادة انتاجها، فاليمن جهة وتعني الجنوب كما تعني الشام الشمال، أي جنوب وشمال مكة، ولم يشهد التاريخ مسمى يمن بحدود سياسية إلا في العام 1918م (المملكة المتوكلية اليمنية) ولم يكن الجنوب العربي جزءا من ملك الأئمة كما لم يكن أبناء الجنوب العربي من رعاياهم، بصرف النظر عما يدعيه زيد أو عبيد.
ما مصيبة إلا وبوها (اليمننة) فقد أذاقت المواطن الويل، في اليمن والجنوب العربي وصارت مظلة لنهب الجنوب أو هي شيك على بياض لجماعات الفيد لاستخدامه كحجة لحماية (وهم) الوحدة كما يدعون، أن زملاءنا الذين يدعون للاستقلال مع الاحتفاظ باليمننة كذاك الذي يرفض (خل الوحدة) لكنه يريد الاحتفاظ (بمرطبان اليمننة) مرطبان المساوئ والمصائب التي تعصف بالجنوب العربي واهله منذ 1990 حتى الان.
عدن
18/8/2016