حين جرى الانقلاب على الرئيس هادي مطلع العام الماضي في ثورة (دبة البترول) لم يكن الهدف دبة البترول كما بينت الوقائع وإنما هو طرف أعاد صياغة تحالفاته ووجد نفسه قويا بما يكفي للانقضاض على السلطة التوافقية وعلى المرجعيات التي تستند عليها، وهكذا حوصر الرئيس وأفراد اسرته في منزلة وأصبحت حياته واهله في خطر دون أن نسمع صوتا واحدا في العربية اليمنية يعبر عن مجرد احتجاج وفي اعتقادنا أن ذلك يرجع الى ان الأطراف في العربية اليمنية تدرك قواعد اللعب هناك القائمة على (شريعة القوة)، لكن الأمر كان مختلفا في الجنوب العربي، فقد سمعنا أصواتا تتخذ مواقف معلنة تندد بالانقلاب وتسمي الأشياء بمسمياتها.
حين تمكن الرئيس من العودة إلى عدن في رحلة محفوفة بالمخاطر، كان ،ولا يزال، يتمتع بالشرعية الوطنية والاعتراف الدولي بوصفه الرئيس الشرعي (لم يتم البت في أمر الاستقالة التي قدمها كخيار الضرورة ليمتنع عن أي التزامات تطلبها منه جماعة الانقلاب) فتم إرسال مقاتلات لضرب منزله في عدن بقصد اغتياله، وقرار كهذا اتخذته ذهنية (شريعة القوة) وبنفس هذه الذهنية قام انقلاب (شارع الستين الشمالى) عندما نشأت تحالفات ووجدت نفسها مهيأة لركوب ما سمي بالربيع العربي، وهي نفس الذهنية التي قامت بانقلاب 1926، وكل هذه الإنقلابات حملت مسمى (ثورة) فالثورات، كما نعلم، هي تلك التي تؤدي إلى حدوث تغيير حقيقي في المجتمع وهذا ما لم يحدث في اليمن لا في انقلاب 1962 ولا في انقلاب شارع الستين ولا في انقلاب (دبة البترول) إذ بقي الحال كما هو، زعيم، ونخب تحمل المباخر، وأغلبية تحترق.. بالمناسبة، يمكن أن تحدث ثورات النهوض في المجتمعات من خلال السلطات القائمة فالثورة ليست (تقليعة) يتكئ عليها أي انقلابي.
شريعة القوة هي جزء من ثقافة سائدة في العربية اليمنية وهذا ليس تحاملا ولكنه واقع، فقد تم الانقلاب على اتفاقية الوحدة وعلى وثيقة العهد والاتفاق التي وقعتها جميع الأحزاب في اليمن والجنوب العربي، بل إن الأحزاب اليمنية اصطفت جميعا لغزو الجنوب واحتلاله، وهاهو صالح يعلن انتهاء صلاحية المبادرة الخليجية وما ترتب عليها بما في ذلك مخرجات حوار الموفمبيك، فيما يدعو الصماد أعضاء البرلمان إلى استئناف جلساته، وهو الذي انتهت ولايته الدستورية ويستمد شرعية استمراره من المبادرة الخليجية المنتهية، حسب اعلان صالح!!، وبذهنية شريعة القوة تم الإعلان عن قبول قرار مجلس الأمن 2216 وعدم الالتزام به في الواقع، كما جرى في العام 1994 إعلان القبول بقراري مجلس الأمن 924 و 926 ولم يطبق منهما شيء في الواقع بما في ذلك التعهدات التي حملتها رسالة رئيس الوزراء اليمني،آنذاك، إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الجنوب.
تستخدم الجماعات الحاكمة في العربية اليمنية كل ما يقع تحت يدها من إمكانات مادية وبشرية لفرض ارادتها، حتى لو كانت هذه الإرادة تصطدم مع مواثيق أو التزامات كما سبق وذكرنا (الجنوب ليس في وارد أن يكون يوما جزءا من هذه الطاقات لشن حرب، داخلية أو مع الجوار)، وكما يتنكرون للمواثيق والالتزامات التي قطعوها على أنفسهم فإنهم يتعاملون بنفس الصلف مع ما يقع تحت امرتهم من الترغيب إلى الترهيب وقد رأينا كيف يزجون بالأطفال إلى محرقة الحرب، وليس هناك أبشع من قتل طفولة لتحقيق مكسب سياسي، ويفرضون الاتاوات ويستاثرون بالموارد العامة لخدمة مجهود حربي عبثي.
دخلت الحرب الدائرة الآن النصف الثاني من السنة الثانية ولم نرى نورا في نهاية النفق بالنسبة لليمن بسبب صلف المقامرين، وبغض النظر عما ستؤول إليه طروحات الحل السياسي، فأن صمود الاتفاقات من عدمه مرهون بتغير موازين القوة، وبالنظر إلى تجارب الماضي القريب فقد استخدمت الطاقات البشرية للجنوب في حروب عبثية في صعدة امتدت لست سنوات، والشعب في الجنوب العربي حدد هدفه في الاستقلال وإقامة دولته على حدودها في 1990 وهو ليس في وارد أن تكون طاقاته البشرية والمادية جزءا من أي حرب قادمة، داخلية أو خارجية، تدفعه اليها (شريعة القوة) .. إلا هل بلغنا؟..اللهم فأشهد..
عدن
27/8/2016م