علي البخيتي 22 يونيو 2017م/ جدة/ السعودية
عبدالرحمن الجفري، أو الحبيب كما يحلو لأصدقائه مناداته، يعتبر من أهم السياسيين في اليمن، ويمكن القول أنه من جيل العمالقة، وقد يكون من آخرهم.
الجفري محاور لبق، متوقد الذهن، سريع البديهة، يختزن تجربة سياسية هائلة، تجعل الحوار معه معرفة، والاستماع له ثقافة، تحدثه في أي مجال تجده موسوعة، سياسة، تاريخ، عادات وتقاليد، دِين؛ ثقافة.
يستقبلك ببشاشة، ويختلف معك بحب، تشعر معه أنك أمام سياسي من طراز رفيع، ومناور محترف، لكنه يقدس الالتزام والوفاء بالاتفاقات والتعهدات.
الشيخ محسن بن فريد العولقي، الرجل الثاني في حزب الرابطة، ورفيق الجفري في أغلب مراحل نضاله، وصديقه المقرب منه، خبير في تاريخ الحزب والنضالات التي خاضها، شيخ قبلي كبير وسليل أسرة عريقة حكمت سلطنة العوالق، ورجل مدني وحداثي من طراز رفيع، حزب الرابطة بعكس أغلب الأحزاب يبدوا كعائلة واحدة، متجانسة متحابة، من مختلف مكونات المجتمع، جمعهم النضال والغربة ومرارة فراق الوطن، وصقلتهم تجربة الترحيل القسري أكثر من مرة.
حزب الرابطة، هو أول حزب سياسي في شبه الجزيرة العربية تأسس في 29 أبريل عام 1951م في مدينة عدن برئاسة السيد محمد علي الجفري، ويعد أقدم تنظيم سياسي في اليمن، شماله وجنوبه، وأكثرها نضجاً على المستوى النظري وتقديماً للرؤى السياسية الحديثة والمواكبة لمختلف المراحل.
تعرض الحزب لمضايقات من سلطات الاحتلال البريطاني بعد مقاومة شرسة لها، سياسية وعسكرية، وصولاً الى نفي قياداته، ثم تعرض لقمع ومنع من ممارسة أنشطته وترحيل لقياداته من سلطة الجبهة القومية والحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب، وفي دولة الوحدة كانت علاقته بالسلطة بين شد وجذب، حوار وقمع.
تاريخ حزب الرابطة هو تاريخ السياسة والحزبية والتعددية في اليمن، وبمتابعة ما تعرض له منذ نشأته الى اليوم يمكننا استخلاص تاريخ كل نظام حكم في اليمن في ممارسته للسياسة، ومدى ما يتيحه للآخرين من حرية.
تعرض الحزب لحملة تشويه في مختلف المراحل، ومن كل الأنظمة والأحزاب التي حكمت، قبل وبعد اعلان تحرير الجنوب، وبعد الوحدة، ومن سخرية القدر أن كل من وجه له تهمة من التهم وصل لها، فمن عاب على الحزب علاقته بالمملكة ونزوح قيادته اليها وصل للمملكة، ومن صرف له التهم بسبب ما يطرحه من رؤى سياسية طرح نفس الرؤى لكن بعد أن فات زمانها، وتجاوزها الواقع.
قد لا أكون مبالغاً إذا قلت أن حزب الرابطة هو المنظر الأبرز لدولة الجنوب العربي منذ عقود طويلة والى اليوم، وكانت له محطات وحدوية اقتضتها ظروف المرحله وقتها، عندما غمر حلم الوحدة الجميع، واعتقدوا ان سفينتها ستُبحر باليمن، وعندما أُريد للوحدة أن تتحول عن هدفها، وأصبحت ضم والحاق واستحواذ، عارض الحزب تلك السياسة، وتدرج في طرح رؤاه لإصلاح مسارها، وكلما تعنتت السلطة وماطلت تصاعد سقف أُطروحاته، فمن تقديمه لمشرع للحكم المحلي واسع الصلاحيات في عام 1997م، الى المشروع الوطني للإصلاح الشامل في اليمن في 2005م، مروراً برؤيته للسياسات الداخلية والخارجية في 2008م التي تبنى فيها النظام الفدرالي وتقسيم اليمن الى خمسة مخاليف، كما أن الحزب شارك وبفعالية في الحراك الجنوبي في مختلف مراحل نضالاته وما يزال، وتبنى الحزب في مارس 2010م خيار نظام فدرالي من اقليمين بين الشمال والجنوب، وصولاً الى إعلانه الانضمام للتحرك الجماهيري والسياسي المسمى الربيع العربي الذي بدأ في 11 فبراير 2011م، وأخيراً تبنيه لخيار اقامة دولة الجنوب العربي بعد يأسه من مسار اصلاح الوحدة.
جمعتني جلسة مع الحبيب الجفري والشيخ محسن العولقي والعميد فضل ناجي في منزل الحبيب يحيى محمد الجفري بجدة/ السعودية، وخرجت بعدها مطمئناً أكثر الى صواب ما طرحته في مبادرتي عن أن فك الارتباط بين الشمال والجنوب قد يكون المدخل الصحيح لحل الأزمة في اليمن، وبالأخص إذا ما تصدر للمسؤولية في الجنوب والشمال تيارات تحمل رؤية لما بعد فك الارتباط، إيجابية وعقلانية بعيدة عن تعقيدات الماضي وحساسياته وصراعاته، كما يحمل حزب الرابطة، حيث تحدث قادة الحزب عن مرحلة ما بعد فك الارتباط بتفاؤل، وأكدوا على حتمية إيجاد علاقة إيجابية وتعاون اقتصادي بين الشمال والجنوب، ومراعاة الروابط الاجتماعية والأسرية بين المواطنين، وتسهيل حركتهم، وحماية الحقوق المشروعة لهم، وكل ما يعيد العلاقة الى ما قبل التوتر الذي أصابها بسبب الصراع السياسي بين الأنظمة المتعاقبة في الجنوب والشمال، وبسبب سوء إدارة دولة الوحدة.
ملاحظة أخيرة أخص بها المواطنين في الشمال: تنتهي مشكلة الجنوبي مع الشمالي فور اعتراف الشمالي بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم، وبعدها تكتشف الجنوبي الأصيل، العربي المسلم، والانسان النموذجي والحضاري المضياف والمحب لك والمستعد ليضعك في عيونه، ومن الأخير أقول لكل الشماليين: بقاء الوحدة من عدمها قضية تخص الجنوبيين وحدهم، من حقنا كشمالين أن نعبر عن رغبتنا في استمرارها، تعبير فقط بلا وصاية وبلا غلبة ولا استقواء، ومن حقهم أن يقرروا ما يناسبهم، واذا ما قرر غالبيتهم فك الارتباط علينا تقبل الواقع، والانطلاق نحو البناء والتعامل الإيجابي، وبما يخدم مصالح البلدين.
كلام جميل ومنصف جدا