يقول الفقهاء ان المعادلة الصفرية في العمليات المالية هي حالة التساوي بين الانفاق والموارد وهي الحالة التي تكون فيها الارباح (صفر)، اما المعادلة الصفرية في العلاقات الدولية فهي مغايرة تماما، انها الحالة التي يكون فيها مقدار ما يكسبه طرف ما مساوٍ تماما لما يخسره الطرف الاخر، ويوردون مقاربة للمعادلة الصفرية بأن شبهوها بحالة السارق والمسروق منه، فمقدار ما يكسبه السارق مساوٍ تماما لما يخسره المسروق منه، المجني عليه، وتسري المعادلة الصفرية في العلاقات حتى بين اطراف الوطن الواحد او بين الدول، وهي سبب مباشر للحروب بين الدول، وسبب للانقلابات والصراعات في البلد الواحد اما بقصد استعادة حقوق واما بقصد الاستحواذ.. والاستحواذ (سرقة طرف لحقوق لطرف آخر) هو السبب رقم واحد لعدم الاستقرار .. الحالة المغايرة للمعادلة الصفرية هي حالة التوازن في الحقوق والواجبات بين الاطراف وهي السبب رقم واحد لتحقيق الاستقرار.
دعونا الان نسقط هذه التعريف على بعض انماط الوحدة القائمة في غير بلد في العالم يطالب بعضا من سكانها بحق اقامة دولهم، وسنبدأ بالحالة في بلادنا الجنوب العربي، الذي أسموه اغبياءه،الجنوب اليمني، فقد دخل في وحدة مع العربية اليمنية في 1990 تحولت الى احتلال في 1994، ورغم ان الحالة تحولت الى احتلال الا ان هناك اصرار بأن ما نعيشه هي وحدة، واذا افترضنا انها وحدة فهي اذن وحدة قائمة على معادلة صفرية كسب فيها اللصوص مقدار مساوٍ تماما لما خسره الجنوب العربي في كل شىء بما في ذلك الهوية التي تم التفريط بها في 1967 وهكذا يتدثر اللصوص بالدفاع عن مسروقاتهم بإسم الدفاع عن الوحدة.
بالامس استفتى اكراد العراق على استقلالهم عن العراق، وشهدنا انتفاضة للسلطة في بغداد وتهديد ووعيد تدكرنا بالحالة (الدحباشية) في صنعاء مع فارق الثقافة لصالح الحالة العراقية ولن نخوض كثيرا في تفاصيل الحالة العراقية كي لا يتهمنا احد بالتدخل فيما لا يعنينا رغم حقنا في دعم استقلال الشعوب، لكن الامانة تقتضي الاشارة الى ذهنية الاستحواذ عندما تفاخرت نائبة عراقية بأنها هي من عطل تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي التي تعطي حق الاستفتاء على المناطق المتنازع عليها مع الاكراد، وهي، اي النائبة، من ادى القسم على احترام الدستور عندما نالت عضوية البرلمان، ولم نسمع حتى نائب عراقي واحد يطالب بمحاسبتها على عدم احترامها للدستور في حين ينتفض هذا البرلمان (بنزعته الاستحواذية) ليتهم 4 ملايين كردي بخرق الدستور!! انها حالة المعادلة الصفرية يا سادة.. وهي نفس الحالة التي جعلت انقرة وطهران تنتفض لحماية (مسروقاتهم)، حسب التعريف الوارد ذكره، لحماية مسروقاتهم بشعار الدفاع عن وحدة الاراضي استباقا لما يتوقعونه من اكراد تركيا وايران.
الحالة المغايرة للمعادله الصفرية في العلاقات وهي حالة التوازن في الحقوق هي التي جعلت سكان اقليم (كيبك) الكندي وسكان اسكوتلاندا التابع للمملكة المتحدة يستفتون لصالح بقاء اقاليمهم في اطار دولهم، كندا والمملكة المتحدة، بجملة اخرى، ليس هناك من غبن يدعوهم للاستفتاء للانفصال ولا توجد ذهنيات استحواذ في لندن او اوتاوا تدافع عن مسروقات في كيبك او اسكوتلندا بدعوى حماية الوحدة، وهي نفس الذهنية في مدريد التي لم تنذر بتهديد ووعيد لسكان كتالونيا الاسباني الذين صوتوا لصالح استقلال اقليمهم عن اسبانيا، حتى اننا لم نسمع في كل هذه الحالات التهديد بحصار او تجويع او بشعار (الوحدة او الموت) وهو الشعار الشائع الذي يجري تحته الدفاع عن المسروقات.
نفس ذهنية عدم الاستحواذ تعاملت مع تفكك الاتحاد السوفياتي رغم ان اسباب تفكك الاتحاد السوفياتي هي اسباب مرتبطة بالهويات فلم يكن هناك استحواذ او سرقة استأثر بها اشخاص في دول الاتحاد السوفياتي لأن الملكية الفردية كانت غائبة في ظل الملكية العامة لوسائل الانتاج، وما يؤكد ان المعادلة الصفرية هي الصانعة للصراعات هو اننا لم نشهد صراعات بين موسكو والدول المستقلة ولا في داخل الدول المستقلة ذاتها نظرا لغياب الاستحواذ على مستوى الدولة المركزية وعلى مستوى الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي.
خلاصة القول.. الوحدة مصالح مباشرة تمس حياة الناس واذا غابت هذه المصالح فقدت اي وحدة كانت مبررها الاخلاقي رقم واحد.. وفي حالتنا فاننا نقول لأولائك الذين يدعون ان الوحدة فريضة دينية فليطبقوا اولاً شرع الله تعالى بقطع ايدي اللصوص الذين سرقوا كل شيء في الجنوب باسم الوحدة، فاحتلال 1994 ونهب وتدمير الجنوب ارضا وانسان ومنشآت قد حول الوحدة بين الجنوب العربي والعربية اليمنية الى معادلة صفرية ليست قابلة للبقاء تحت اي مبرر او شعار كان، وبدون استقلال الجنوب فأن عدم الاستقرار سيبقى سيد المشهد.. وكفى.
عدن
2/10/2017