قراءة ”للإعلان عن ما هو أصلاً قائم وما استجد فيه“

عبدالرحمن علي الجفري
عبدالرحمن علي بن محمد الجفري

بسم الله الرحمن الرحيم
التاريخ:19/12/2017م
بقلم/عبدالرحمن علي بن محمد الجفري
قراءة “للإعلان عن ما هو أصلاً قائم وما استجد فيه”

مداخل:
[1] قضايا العمل السياسي وعلاقاته تتغير تبعاً لما تقتضيه المتغيرات، سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية.. وهي علاقات تكتيكية تخدم استراتجيات معلنة أو غير معلنة.
[2] القضايا الوطنية والقومية هي استراتيجيات ترتكز على أسس وأهداف واضحة غير قابلة للتغيير، وتخدمها أدوات وآليات قابلة للتغيير وفقاً للمعطيات المحيطة بها ولكن دون مساس بالأسس والهوية والأهداف ووضوحها لأن أي مساس بها يحولها إلى قضايا سياسية قابلة للتسويات والتنازلات والتمييع.

– هذان المدخلان يشكلان صلب ما يجري في اليمن الشقيق في المدخل [1]، وفي جنوبنا العربي في المدخل [2].

وفي اعتقادي فإن أي تحليل قد يخطئ إذا اعتبر أن منطلقهما واحد في نظر القوى والشعبين في البلدين.

– وهناك هدف مشترك مع دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والدور الفاعل للإمارات العربية المتحدة، وكذلك أدوار باقي دول التحالف العربي.. وهو دحر التدخل الإيراني في الإقليم والعالم العربي.. وحتى هذا الهدف المشترك قد تتفاوت جديته عند بعض القوى السياسية في اليمن الشقيق خاصة تلك التي تحالفت مع الحوثي عند احتلاله لصنعاء وباقي محافظات اليمن الشقيق ثم احتلاله لعدن ومحافظات جنوبية أخرى..
لقد تابعت كثيراً من التحليلات سواء من مركز عدن للبحوث الاستراتيجية والإحصاء أو بعض الكتاب المرموقين، ولامس منهم جزءاً هاماً من الصورة.

– إن انطلقنا من إدراكنا لما سبق ذكره، بكل جوانب الصورة، فإننا سنراها بوضوح أكثر وفهم وإلمام أعمق.. كالتالي:
(1) كان واضحاً أن مليشيات الحوثي وقوات صالح ستتجه جنوباً، وحذرنا من هذا بعد تسعة أيام من استيلائهم على صنعاء.. وتواطأت جميع القوى السياسية في اليمن الشقيق ومرّت القوات الغازية من جميع المحافظات اليمنية دون أي اعتراض أو إعاقة ولو ببيان.. عدا بعض المحاولات المحدودة في منطقة البيضاء (الجنوبية الأصل).. وحتى محافظة الضالع في جزئها اليمني لم تقاوم هذا الزحف فتصدت له الضالع الجنوبية العربية..
وقاوم أبطال المقاومة الجنوبية في لحج وأبين وشبوة من الساحل الغربي وجسر عقان حتى صحراء شبوة.. ومؤخراً التحرير الكامل لـ”بيحان”، وسيتلو ذلك -بمشيئة الله- تحرير مكيراس وما بقي من حدود لحج.
ووصل الغزاة إلى عدن النور.. وقاومت عدن الباسلة بإمكانيات ذاتية قبل وصول أي دعم من أي جهة.. ثم جاء التحالف العربي وقدّم الدعم والسند والرجال الذين اختلطت دماؤهم بدماء أبنائنا، فكان الانتصار الوحيد حتى اليوم في الجنوب العربي، ولم يتم حتى الآن تحرير أي محافظة في اليمن الشقيق بشكل كامل..
كما تم الانتصار لحضرموت العلم والحضارة ونخبتها على تنظيم “القاعدة” الإرهابي، وبدعم ومشاركة من التحالف العربي.. وهو ما تم أيضاً في أبين وشبوة..

لماذا..؟؟!!
● لأن الجنوب العربي وشعبه يحمل قضية وطنية لتحرير أرضه واستقلالها وبناء دولته، إلى جانب الهدف المشترك مع التحالف العربي وهو صد وهزيمة التدخل الإيراني.
● وهذا جوهر الفرق بيننا والإخوة من القوى السياسية في اليمن الذين تقوم قضيتهم أساساً على صراع على السلطة في صنعاء، ولم يمانعوا في احتلال الحوثي لصنعاء ولكل اليمن الشقيق كرأس حربة لإيران بل اتفقوا ووقعوا اتفاق شراكة معه.. فقضيتهم سياسية قابلة للتكتيك السياسي والتنازلات المتبادلة.. لذلك عندما أُعلنت عاصفة الحزم وشعروا بجدية التحالف العربي أيدوها من نفس منطلقات قضيتهم السياسية، وهذا لا يعيبهم فهم يخدمون هدفهم السياسي، وهو السلطة!! لذلك توجد نسختان من الأحزاب السياسية اليمنية، نسخة في صنعاء ونسخة مع التحالف والشرعية.
كما تعاملت القوى السياسية في اليمن الشقيق تكتيكياً مع قضية الصراع في اليمن الشقيق.. وقسموا الأدوار عند أول منعطف بين العداء للتحالف العربي من جهة، ومسايرته من جهة أخرى. ولا ينكر منصف أن كثيراً من القوى القبلية خاصة في مأرب [الجدعان – مراد – عبيدة – وجزء من الجوف] وبعض القوى في تعز ومقاومة جنوب تهامة قد قدّموا ويقدّمون التضحيات وتم تحرير الجزء الكبير من مأرب بعد تضحيات جسيمة للقوى القبلية.. وحتى الآن تم تحرير جزء من جنوب تهامة بالشراكة مع المقاومة الجنوبية الباسلة وبدعم من التحالف العربي.
هذه الصورة الحقيقية لما حدث..

(2) ولأن العملية تكتيكية بالنسبة للقوى السياسية في اليمن الشقيق.. فقد تعامل التحالف العربي معها لتحقيق استراتيجيته لدحر النفوذ الإيراني ومخاطره على المنطقة والأمة.. ومنذ البداية تعامل مع حزب التجمع اليمني للإصلاح كحزب يمني كبير.. وتعامل حزب الإصلاح تكتيكياً لخدمة أهدافه كحزب.. وكان يسعى منذ البداية ويوسط لإصلاح علاقته بالإمارات العربية المتحدة التي اكتوت بنار الإخوان المسلمين الذين حاولوا القيام بانقلاب في الإمارات العربية المتحدة.

ومن الجدير بالذكر أن حزب الإصلاح له وجود في الجنوب العربي لا يُنكر، غير أنه قد ضعف تأثيره لسببين رئيسيين في اعتقادي:
أ- أنه ظهر كمضاد لقضية شعب الجنوب العربي في التحرير والاستقلال وبناء دولته، منفّذاً لتوجهات المركز.
ب- أن أعضاءه لا شك جنوبيون.. وفي دخيلة أنفسهم لا شك يتذكرون أن فرع الإخوان المسلمين في الجنوب العربي سبق وأن تخلّى فرع اليمن عن وعوده له في الثمانينات بعد مشاركته في القتال في المناطق الوسطى من اليمن الشقيق.. فانشق كثير من الاخوان المسلمين الجنوبيين عن أقرانهم اليمنيين، وكان ذلك بقيادة الأستاذ عمر طرموم، رحمه الله، حيث شكّلوا “المنبر الحر”.
وكل ما حدث أن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي جعلا علاقة حزب الإصلاح بالتحالف وعلاقة التحالف بالحزب معلنة في أعلى مستوياتها لتجاوز سلبيات العملية التكتيكية ليصبح إلزاماً في هذه المرحلة خاصة بعد فشل المؤتمر الشعبي ومقتل رئيسه.

أين الجنوب العربي وقضيته من هذا كله؟!
كلنا ندرك أن موقف أي دولة من الجنوب العربي وقضيته تحكمه عدة اعتبارات، وبصورة خاصة مع إخواننا في محيطنا العربي [المملكة ثم الإمارات وغيرها]:
1- المصالح المشتركة كأساس، والجنوب العربي كعامل لدرء المفاسد المحتملة من غيره.
2- بعض الاعتبارات المساعدة ومنها الثقة – التناغم في كثير من الشؤون – التجارب السابقة – غياب المخاطر من الجنوب إن أُحسن التعامل مع قضيته.
3- المصالح المشتركة هي العامل الأساس مع كل دول العالم.
4- لا نغفل أن مصالح مشتركة كثيرة وكبيرة تربطنا باليمن الشقيق، وعلينا أن ندرك أهمية الحرص عليها وتنميتها وتيسير تحقيقها مستقبلاً لتحقيق التكامل، وقد أوضحنا هذا الأمر في مشروعنا لاستقلال الجنوب العربي الذي صدر في 2013م.

– كيف نعرف الموقف الحقيقي لأي دولة من قضيتنا!؟؟ وكيفية التعامل مع الدول؟
1] لقد انتهت أساليب الحرب الباردة التي يعلن فيها كل من قطبيها إسناده لأصدقائه أو أتباعه.
واليوم على كل صاحب قضية أن يعلم ما هي المصالح المشتركة التي يمكن أن تكون بين بلاده وغيرها من الدول المؤثرة إقليمياً ودولياً.
2] ثم عليه أن يحسب ما إذا كانت أهداف قضيته تحقق المصالح المشتركة مع كل دولة على حدة بأقل كلفة ممكنة، وفق حسابات سياسية علمية وليست تخمينات تعتمد على الشطارة والتكتيكات والفهلوة والعواطف.
3] التمكن من فهم علمي سليم للمعطيات والمؤثرات على التوجهات التكتيكية والاستراتيجية، الإقليمية والدولية.
4] عدم توقع إعلان أي دولة لموقفها الحقيقي، سلباً أو إيجاباً، من قضيتنا وفق توقيتات نريدها نحن.. وإنما أي توقيت لإعلان أي موقف يعود لمعطيات خاصة بكل دولة.
5] الثقة.. طالما حساباتنا دقيقة بأن هدفنا سيتحقق، بإذن الله، لأنه لا يقوم على عواطف وأمنيات بل على تصميم وتضحيات وثبات وإرادة منّا ومن شعبنا وعلى حسابات مصالح شاء الله أن تكون كلها في أرضنا وهي مصالح استراتيجية هامة، اقتصادية وتجارية وسياسية وأمنية وعسكرية وطرق نقل هي الأهم، ورغبة وقدرة على بناء دولة تعرف واجباتها نحو شعبها وإقليمها والعالم.
6] الابتعاد عن أساليب زمان من تكتيك تقسيم الأدوار داخلياً.. أو الأخطر تقسيم الأدوار خارجياً مع الدول المتصارعة.. فنحن طرف أصيل في الصف العربي ولا نساوم على ذلك أو نستخدم شطارة “كن معي أو أبحث عن بديل”.. هذه السياسة قد أضاعت أكثر من نصف قرن من حياة شعبنا، وكونها نجحت في الحصول على سلطة دولة يمنية مؤقتة في الجنوب العربي، فما كان لهذه السياسة أن تحاول الحفاظ على تلك الدولة المؤقتة بل ولا الحفاظ على الجنوب العربي، هوية وأرضاً، لأن تلك السياسة أيضاً جاءت على أثر تبنّي “اليمننة” التي تجعل من أي دولة يمنية في الجنوب دولة مؤقتة تنتظر السفر إلى صنعاء. نقول هذا حتى لا نستمر في ارتكاب نفس الأخطاء فنجني نفس النتائج.
7] علينا أن نتوقف عن التردد في طرح أهدافنا وهويتنا بوضوح كامل، فالعالم لا يتعامل مع مجهول ولا مع مترددين.. ولا تكتيك ولا غموض في المنطلقات والأسس الاستراتيجية وإنما يكون التكتيك في الأدوات.. وتكون التنازلات المتبادلة في بعض المصالح المشتركة.
8] هام جداً.. على من يتهجمون على دول التحالف أن يدركوا أنهم لا يخدمون بذلك إلا أعداء الجنوب العربي.. صحيح لولا المقاومة الجنوبية لما تحقق النصر الوحيد للتحالف العربي.. لكن أيضاً صحيح أنه لولا التحالف العربي لما تحقق للمقاومة الجنوبية نصر.. كذلك لولا التحالف العربي لكان الإرهابيون قد أعلنوا إمارتهم في بلادنا.. نعم تحدث أخطاء هنا وهناك ولكن ليس مكانها التهجم والإساءة على صفحات التواصل والصحف، فهذا لا يخدم الجنوب العربي وقضيته بل يخدم أعداءه.
9] من ما سبق كله.. وبناء على حسابات المصالح فإن قضية الجنوب العربي إلى خير وستحقق أهدافها ودولة الجنوب العربي قادمة، بإذن الله، إن سرنا بثقة وثبات ووضوح لتحقيقها، وهذا سيقلل من الكلفة على شعبنا.. ما لم فإنها أيضاً ستحقق أهدافها لكن بكلفة عالية على شعبنا الذي عانى كثيراً وقدّم التضحيات الجسام.. فلا نحمّل شعبنا أكثر مما تحمّل بهذا الغموض والتردد.
10] نهنئ المجلس الانتقالي الجنوبي بانعقاد جمعيته الوطنية السبت القادم، ونحن على ثقة من ثباته على ما جاء في إعلان عدن التاريخي وكلمة رئيسه اللواء عيدروس الزبيدي في 4 مايو الماضي وما جاء في وثيقة المبادئ والأهداف والأسس لبناء المجلس الانتقالي الجنوبي التي أقرتها هيئة رئاسته.

=============ا

هامش:
[1] حديث الأستاذ عبدالعزيز جباري إيجابي ومرحّب به.. كذلك الموقف الأخير للأستاذ خالد الرويشان.. وهناك كثيرون من إخواننا في اليمن الشقيق لهم نفس الرأي، وعلينا أن نشجع هذا التوجه.
[2] هناك من إخواننا من الجنوب العربي من لازال يؤمن بالوحدة وبأنه يمني، ويلقى تشجيعاً من الأخوة اليمنيين أمثالهم.. وهذا كرأي من حقه لكن أن يستغل مركز أو سلطة لاستخدام إعلامها أو لإعاقة ما نعتقده يقيناً رأي الأغلبية الساحقة من شعب الجنوب العربي، فهذا أمر خطير يدفع بالأمور إلى ما لا نريد.
[3] إن الصراعات المذهبية هي الأخطر ولا تنتهي بسهولة.. وقد استمرت في اوروبا لقرون ومنها حرب استمرت لثلاثين عاماً مورست فيها كل الأساليب الوحشية.

إن إيران الخميني خرجت عن المذهب الاثنعشري الذي نختلف معه كسنّة خلافاً جذرياً.. لكن ما هو عليه الأمر اليوم هو فكر خارج عن المذهب الاثنعشري وهو “ولاية الفقيه العامة” وهو فكر سلطوي سياسي.. ظهر قبل أكثر من 400 عام في “جبل عامل” بلبنان.. وتم رفضه من مراجع الاثنعشرية وتبنّاه الخميني.. لمزيد من التفصيل في مقال: “ولاية الفقيه العامة” – داعش ومن سبقها ومن ستلده [تنظيم خراسان]!! http://salparty.org/articals/4094/

ولازال كثير من الشيعة الاثنعشرية يرفضون “ولاية الفقيه العامة”.. وتخوض إيران حروبها وتدخلاتها في العالم الإسلامي طبقاً لإعلان الخميني الواضح والصريح لأهدافه الثلاثة وهي:
1- تصدير الثورة.
2- نشر فكر “ولاية الفقيه العامة”.
3- تمكين فارس من أخذ دورها لحكم العالم الإسلامي بعد أن أخذ العرب دورهم ثم الأتراك.. وآن الأوان لفارس.

هذا إعلان صريح.. وهو ما تتم محاولات فرضه.. لذلك فحربنا ضد هذه الأهداف الثلاثة.

– إن الزيدية أساساً هي الأشد عداوة فكرية للمذهب الاثنعشري.. لكن ليست في حرب مع فكر “ولاية الفقيه العامة”.. بل تتوافق معها الفرقة “الجارودية” من الزيدية المتطرفة جداً بل الخارجة عن أصول الزيدية كخروج الخوارج عن أهل السنّة.
وكلا “ولاية الفقيه العامة” و”الجارودية” فكر سياسي يحاول استغلال الدين، وحربنا هي دفاع عن منطقتنا وأمتنا ضد هذا الفكر والتوجه الإيراني ومن معه.
وهذا يشبه إلى حد ما فكر الإخوان المسلمين.. فلهم مرشد أيضاً هو الذي يُبايَع وله القرار كونه كالولي الفقيه.

19/12/2017م
بقلم/ عبدالرحمن علي بن محمد الجفري

شاهد أيضاً

محمد عبدالله الموس

شهداء، لا بواكي لهم

كانت الواقعة الى الشرق من شقرة في جبل العرقوب، مجرد كلمة مست شرف عدن، حاضرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *