الأديب و الفنان والإنسان أحمد فضل بن علي ( القمندان ) مؤسس المدرسة الموسيقية والغنائية ذات الطابع الخاص المميز عن أغاني باقي المناطق اليمنية .
هذا الأديب والفنان له بصمات في النهوض الثقافي بشكل عام و الأدب و الفن بشكل خاص , و بصمات آخر باهتمامه بالناحية الزراعية و ألبستنه الذي اشتهر بها آنذاك في عملية التهجين الزراعي للفواكه في بستان الحسيني آنذاك الذي أتى بها من أقطار شتى مثل الهند و ماليزيا كفواكه المانجو و الموز و البيدان .
والد القمندان في مدينة الحوطة عاصمة السلطنة العبدلية آنذاك عام 1302هـ الموافق 1883م , و هو من أبناء فضل بن علي محسن العبدلي و أخيه السلطان عبدالكريم فضل بن علي محسن العبدلي سلطان للفترة (1917م حتى 1947م ) أي ما يناهز الثلاثون عاماً , و قد كانت السلطنة للأديب و الفنان أحمد فضل بن علي ( القمندان ) و لكنه رفضها و فضل أن يكون أديباً و فناناً و مزارعاً خارج دائرة منظومة الحكم , الذي سيبعده عن الحياة البسيطة التي تقربه من البسطاء العمال و الفلاحين , و الإستفاده منهم في الزراعة و الري و ألبستنه و عملية تهجين الثمار و سماع أغانيهم الفلوكرولية و مشاهدة رقصاتهم في الأفراح و مواسم الري و الحصاد .
كذلك ستحرمه السلطنة من الأدب و الفن وتلك الجلسات مع الأدباء و أصحاب الفن في منتداه (( منتدى الطرب )) في داره , ستحرمه من الشعر و المساجلات الأدبية , و من جلسات الحسيني الفنية مع نخبة الأصدقاء أمثال الشاعر والأديب حسن أفندي و تبادل القصائد الشعرية الحمينيه و المقفاة , و القيام بالتلحين و الغناء , ستحرمه من سعيه في تطوير الأدب و الفن و تأسيس مدرسة الغناء و الموسيقى ذات اللون اللَحجي المدرسة المتميزة عن باقي ألوان الأغاني اليمنية .
ان الأديب و الفنان أحمد فضل بن علي القمندان كان رجل كاتب جيد معبر عن ما يراه نثراً و شعراً في الأعمال الحسنه و الأعمال السيئة , و الأمثلة على ذلك ما كتبة عن (( بيت عكبار )) في عدن ذلك البيت الذي عاش فيه القمندان أبان احتلال الأتراك للَحج و أو ما قاله في تلك القصيدة التي قدمها محتفياً بقدوم أخيه السلطان عبدالكريم فضل من أوربا آنذاك .
كيف أوربا و ما شاهدتموه أسويسرلند وحشن كاليمن
وهذا يدل على عمق ثقافته و تعلمه و حسن مداركه .
و بادي ذي بدء أن القمندان هو النور الذي أضاء الظلمة التي سادت اليمن آنذاك , إلا أن هناك عوامل أساسية في تجاوز هذه الظلمة و إنارة الطريق أمام أبناء لَحج على يد الأمير أحمد فضل بن علي ( القمندان) أخيه السلطان عبدالكريم فضل علي , و من هذه العوامل هي :
– إرساء الشاعر فضل ماطر باجبل الأسس و القواعد الغنائية و الموسيقية و الرقص آنذاك بالطرق البدائية , كان هذا الشاعر متواجداً آنذاك في أوائل العشرينات من القرن العشرين وقد وضع هذه القواعد للأغنية اللَجية بقول (( الزامل )) وعمل الإيقاعات بالتصفيق بالأيدي ثم رفع الصوت الجماعي و تظهر أغنية على إيقاع شرحي أن هذه القواعد الذي أرتكز عليها فضل ماطر باجبل هي :
1) يا طير كف النياح .
2) يا مرحبا بالهاشمي .
3) يهناك يا ذا الورش يهناك .
لقد أبدع الشاعر فضل ماطر باجبل في الأغنية الشرحية الراقصة على إيقاع الرقص الشعبي آنذاك , التصفيق بالأيدي أو بالهاجر بدون المراويس , مستلهماً من البيئة والطبيعة الخلابة في لَحج .
– استفادة القمندان من البدايات الأولى للشاعر فضل ماطر باجبل , و ما ينعم به القمندان من إمكانيات مادية و معنوية فقام بتطوير الأغنية اللَحجية , و أمتلاكة الموهبة في الشعر و العزف و الأداء والتلحين.
– على الرغم من أن أخيه السلطان عبدالكريم فضل بن علي القمندان غير راضياً بأن يكون أخيه فناناً بدرجة أساسية إلا أنه إي السلطان عبدالكريم فضل قام بتأسيس المدرسة المحسنية العبدلية الجديدة , مع إيجاد البعثات التعليمية من المدرسين آنذاك من الحجاز وسوريا, مما ساعد في نشر الثقافة في عموم الوطن .
أن القمندان كما سبق أن قلت أنه شاعر فحل يلمس بما يحس به إي إنسان من المعاناة في المعيشة ألضنكه آنذاك هو تأخر وطنه اليمن من فقر و جهل و مرض , و هذا ما أداء به أن يستقبل أخيه السلطان عبدالكريم فضل و هو قادماً من أوربا بقصيدته المشهورة (( كيف أوربا )) .
أن القمندان كان صريحاً واضحاً لأخيه السلطان عبدالكريم فضل في هذه القصيدة و أظهر له إحساسه بما يعانيه الوطن من الأمية و المرض و الجوع , وقد كان سائراً بكل قوته نحو الإصلاح و بطريقته الخاصة من خلال الأدب والفن , أقام ندوة الطرب الموسيقية , التي أقامها داخل داره في وسط الشارع الرئيسي لمدينة الحوطة و لا يزال قائماً لكنه أحد ضحايا التأميم الظالم , و كان من المفروض أن يكون علماً من أعلام المشاهير في الوطن العربي و العالم , كان من الممكن أن يكون أثراً فنياً أدبياً سياحياً لأحد عظماء اليمن , الذي تعدت شهرته كل الجزيرة والخليج.
و بإصرار القمندان في تطوير الأغنية اللَحجية المتميزة , أدخل عليها الأهازيج و أغاني الفلاحين , و أدخل بعض الأدوات الموسيقية و إيقاعات الرقص الشعبي كالرزحة و الشرح و الدمندم و الدحفة و الركلة و الأمثلة على ذلك كثير كأغنية (( صادت عيون ألمها )) و أغنية (( أم ألهنا يا قمري ألبان )) .
أن الأديب و الفنان الإنسان أحمد فضل بن علي ( القمندان ) و محب للأرض و الزراعة و الفلاحة , وكان يقضي معظم أوقاته في غرس الأشجار و عملية تهجين الثمار التي يجلبها من دول أخرى لم تكن قد زرعت في لَحج من قبل , فاعتنى بها و جعل من مدينة الحوطة جنة مثمرة في الحياة الدنيا , وبستان الحسيني شاهد على ذلك .
أن أحمد فضل بن علي ( القمندان ) مؤرخاً أيضاً له كتاب ( هدية الزمن في تأريخ ملوك لَحج وعدن ) الذي أرخ فيه منذ نشأت المشيخة العبدلية عام 1114هـ أيام الدولة القاسمية المتوكلية اليمنية و سيطرتها على لحج وعدن آنذاك , و انفصال لحج و عدن عن هذه الدولة , استمرار هذه المشيخة العبدلية حتى عام 1250هـ , حين طلب آخر شيخ فيها الشيخ أحمد عبدالكريم فضل بن علي بإحضار ابن عمه محسن فضل محسن , و الذي أخذته والدته بعد مقتل أبيه و هو رضيع من قبل أبناء عمه عبدالكريم فضل الموجود في كنف شريف مكة مع أمه .
و الشيخ أحمد عبدالكريم هو آخر أولاد عبدالكريم و آخر المشايخ العبدلية بعد أخذ الله عز وجل باقي إخوانه بوباء الجديعا في قرية المجحفة عاصمة لحج وعدن آنذاك و لم يبقى ألا هو مقيماً في مدينة ( التواهي ) بعدن.
في هذا الكتاب (( هدية الزمن في تاريخ ملوك لَحج وعدن )) أظهر القمندان قدرته الثقافية العالية في ذلك الزمن المبكر في القرن العشرين بالمقارنة الى المستوى التعليمي آنذاك في اليمن , كما أصدر ( القمندان ) كتاب آخر ((المصدر المفيد في غناء لَحج الجديد)) و الذي أحتوى على أشعاره من القصائد الحمينيه و المقفاة عدا ما سهى عنها آنذاك كما أشار إليها الأديب الأستاذ / عبدالحميد (عبدوه) عبدالكريم العبدلي , أما الكتاب الثالث هو كتيب ((فصل الخطاب)) رداً على ما قيل عن العود و الرباب و الغناء رجس من عمل الشيطان , في محاولة أثارة الناس حول القمندان فكان رداً منطقياً مبرهناً بأحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام وأعتمد على الكثير من العلماء و ألفقها و المستنيرين في الرد على من أثاروا هذه الضجة .
ان هناك ملكة موسيقية للأمير القمندان و الطرب اللَحجي حتى ارتبطت الأغنية اللَحجية بالقمندان , رغم وجود قامات أدبية و فنية لَحجية كان لها نصيب الأسد في مفردات المشهد الغنائي اللَحجي , أمثال الظاهري و صالح عيسى , ولكن لمكانة الشاعر العبدلي الأدبية و الاجتماعية جعلته أميرأً للغناء اللَحجي .
أن الأديب و الفنان / أحمد فضل بن علي ( القمندان ) قد أسس مدرسة موسيقية غنائية باللون اللَحجي من البيئة التي عاش فيها والطبيعة الخلابة و أصوات القمارا و الكروانات وتشكيلاتها وهي ترفرف بين الأشجار و على الأغصان .
كذلك ما ساعد القمندان في الموهبة الموسيقية صوت خرير المياه النابعة من العيون , وكذا هدير السيول المتدفقة من وادي (( ورزان )) الى وادي (( تبن )) و أصوات الفلاحين و هم يترنمون في وقت السيل ((وا سيلوه و حطوب)) , و النساء الفلاحات (( وا أماه شلتني ألسيله وا أماه بطحن لش كيله )) كل ذلك ارتسم في خيال القمندان لوحات جماليه , جعلته يقول (( صادت عيون ألمها قلبي بسهم المحبة )) و يقول ((ألا يا أهل الحسيني شلوني معاكم)) ويقول (( في الحسيني جناين و الرمادة زراعة )) و يقول (( سل لنا لبناًً وشهداً أيها الوادي تبن )) و يقول (( سرى الهوى للحسيني لوعة العشاق )) الى أخر الأغاني كلمات و لحناًً .
أن المدرسة القمندانية قد أسهمت اسهاماً فعالاً في ترسيخ بناء الهيكل الفني في الأغنية اللَحجية , و قد بذل الأمير القمندان جهداً في تأسيس منتدى الطرب , و قد كان شاقاً هذا التأسيس من حيث بدء اختيار الفتى آنذاك ((فضل محمد اللَحجي)) أبن محمد السالمي و تربيته و تهذيبه و معالجته من مرض عيونه , و كذلك اختيار ((مسعد بن أحمد حسين)) و تربيته و تهذيبه أيضا لهذا المنتدى , وقد قدمهما القمندان في أغنية مشتركة يغنيان ((هيثم عوض قال)) وهي مسجلة في أسطوانات شمعية , و قد قدم ((فضل محمد اللَحجي)) في أغنية ((يا الله يا من على العرش استويت)) ثم أغنية (( وا بو زيد )) .
هكذا كان الأديب و الفنان أحمد فضل بن علي القمندان يكتب و يلحن , وكان ((فضل محمد اللَحجي)) يغني , حتى وأن أنقطع فترة من الغناء حيث رقد في المستشفى لمرض عينية ,ألا أن القمندان وحبه الشديد ((لفضل محمد اللَحجي )) أستمر يؤلف و يلحن و لم ينقطع .
لقد أشاد الأدباء آنذاك بكلمات و لحن أغنية (( هل أعجبك يوماً شعري غزير المعاني )) و قدمها (( لفضل محمد اللَحجي )) بعد شفاه و خروجه من المستشفى .
لقد أقيم مهرجان للقمندان في عام 1988م و عام 1991م و رتب لهذين المهرجانين ترتيباً جيداً من خلال إشراف إتحاد الأدباء و الكتاب اليمنيين فرع لَحج يرأسه أبن لَحج البار رئيس إتحاد الأدباء و الكتاب اليمنيين الأستاذ / عمر عبدالله الجاوي حيث تم هذين المهرجانين بما يليق بهذا الأديب و الفنان العبقري .
حيث أقيمت المسيرات الشعبية في شوارع مدينة الحوطة تتقدمها الفرقة الموسيقية النحاسية العسكرية و كذلك الفرق الراقصة مع الطبول و المراويس , و من وراء هم السلطة بمحافظة لَحج و كذلك الشخصيات الأدبية و الاجتماعية و الغنائية و أقيم ثلاث ليالي سهرات فنية على خشبة مسرح الثقافة الذي سمي بعد المهرجان الأول عام 1988م بمسرح القمندان , وكان على رأس هذه الحفلات الساهرة لمدة ثلاثة ليالي حفيدة الفنان محسن بن أحمد مهدي و الذي شجى الحاضرين بعزفه على إيقاعات الهاجر و المراويس .
كذا أقيم في قاعة كلية ناصر للعلوم الزراعية و لمدة ثلاثة أيام صباحية الندوات الثقافية , وطرح الدراسات و المواضيع عن هذا العبقري القمندان و سيرته العطرة من قبل فطاحل الأدب و الفن و منهم الأديب والملحن عبدالحميد (عبدوه) عبدالكريم العبدلي و الذي قال في إحدى مداخلاته :
(( كان القمندان قد بلغ أقصى درجات الإبداع و الشهرة و الحضور الفني )) و قال (( الحقيقة التي لا شك فيها أن القمندان عبقرية عظيمة غير عادية جاءت لتنهض بالأغنية اللَحجية و اليمنية عموماً و وضع لها أصولا و نشرها على نطاق واسع في ظروف و عوامل مضنية كانت تعيشها هذه الأغنية ذات اللون المنبعث من البيئة , و كيف لا !! إذا كان الشاعر و الملحن فضل ماطر باجبل قد أستطاع أن يثبت بأن الرقصات الشعبية المتواجدة آنذاك وهي الطبول و المراويس هي إيقاعات لحنه مع الزامل الذي يقوله فضل ماطر باجبل من بيت واحد مثل ((شراحي كيه سمعوا الأوضاف)) فأن الأديب الفنان أحمد فضل بن علي القمندان بتلحين مثل هذه الزوامل في قصيدة كاملة وجعلها أغنية لَحجية شرحيه متميزة عن الأغاني اليمنية الأخرى .
و قال الأديب العبدلي عبدالحميد (عبدوه) عبدالكريم :
’’ أن الأمانة تحتم علينا أن نشير أن هناك من جاء قبل القمندان و كان له الأثر الواضح على الأغنية اللَحجية بل أن الكثير من الأغنيات اللَحجية التي تنسب الى القمندان اليوم لم تكن صافية مصفاة في الأصل بل لهؤلاء الذين كانوا قبله و معه أيضا , و القمندان استفاد منهم واخذ الحان أغانيهم و أضاف إليها كلمات جديدة من تأليفه ثم رتبها على أغان متعددة بعد أن كان بعضها طقطوقات صغيرة ‘‘
و كما ذكرت آنفاً أن المهرجانين الذين أقيما في مدينة الحوطة عاصمة محافظة لَحج عامي 1988م و 1991م قد شرف لَحج و أهل لَحج و عدن , فقد قدم فيها كل الألوان و الأطياف الإبداعية في لَحج في زمن القمندان , و لكن الندوات التي أقيمت قد إنارة الكثير من الجانب المظلم من حياة القمندان و الأغنية اللَحجية .