مقدمة
في مثل هذه الايام من العام 1951م كانت عدن النور تحتفي في وسطها النخبوي بميلاد حزب رابطة الجنوب العربي الذي اعلن عنه في 29 ابريل من ذلكم العام بقيادة كوكبة من فرسان العمل الوطني الجنوبي يتقدمهم السادة محمد علي الجفري وشيخان الحبشي رحمهما الله، وكان على راس اهداف هذا الكيان الوليد (تحرير الجنوب العربي ووحدة اراضيه) من المهرة شرقا الى باب المندب غربا.
لم يكن اعلان حزب الرابطة هو تاريخ ميلاد للنضال الوطني الجنوبي لكنه كان باكورة العمل الوطني السياسي المنظم في الجنوب العربي وثمرة لجهود مؤسسيه بالانتقال من الكيانات والاتحادات المهنية الى اطار يحمل مشروع سياسي وطني.
في السرد التاريخي المختصر الذي يلي هذه المقدمة هناك ذكر لاهم المحطات التي مر بها حزب الرابطة وهي ليست منفصلة عن محطات مر بها الجنوب العربي وقواه الوطنية في تاريخه المعاصر.
ونحن في هذه المحطات لا تدعي العصمة ولا نشيطن اي من القوى الوطنية الجنوبية، فنحن جميعا بشر (نصيب ونخطئ) ومن حق اجيالنا علينا ان نبسط امامها تاريخنا بكل تجرد ومسؤولية لتتعظ من الاخطاء وتستفيد من الايجابيات في هذا التاريخ الذي لا يخلو من حسنات وسيئات في كل مراحله، ويمكن استثناء مرحلة الوحدة من الحسنات.
لقد اختار شعبنا في الجنوب العربي خيار التصالح والتسامح مبدأ ونهجا وتحت هذا النهج نرجو ان يعاد الاعتبار للتاريخ الوطني الجنوبي، ليس بهدف جلد الذات ولكن تثبيتا للمصالحة الجنوبية ولضمان مصداقية تاريخ الجنوب العربي المشرّف لكل قواه الوطنية.
صور تاريخية
محطات في تاريخ الرابطة والجنوب
بسم الله الرحمن الرحيم
الذكرى الـ67 لتأسيس حزب رابطة الجنوب العربي الحر”الرابطة”
اليوم 29 أبريل 2018م، تحل الذكرى الـ67 لتأسيس حزب رابطة الجنوب العربي الحر”الرابطة”.
نعم، 67 ربيعاً من العطاء الوطني اللامحدود، والمعترك السياسي الممزوج بالمبادئ والقيم والمثل العليا.
فخلال مسيرة الحزب الـ67 عاماً المعطاءة، تجلّت بوضوح “الهوية الجنوبية العربية”، ابتداءً باسم الحزب “رابطة أبناء الجنوب العربي” ومروراً بالمطالب الوطنية – جلاء المستعمر البريطاني وقيام “دولة الجنوب العربي” وإرساء النظام الديمقراطي – وما رافقها من كفاح مسلح ضد المستعمر وحراك سياسي حتى نيل الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م.. ثم وحتى اليوم في التفاني من أجل لملمة الصف لأبناء الجنوب العربي بدعوة مكوناتهم السياسية إلى كلمة سواء باعتماد التعددية السياسية واحترام الآخر والقبول به والتعايش معه في “جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية”.
تميّزت هذه المسيرة الزاهية بالالتزام بالوسطية والاعتدال والنهج السلمي كتوجه فكري وسياسي لم تحد عنه قيد أنملة، وترجمته قولاً وفعلاً.. فمن ذلك أنه عندما بلغ الاحتقان أوجّه بين أصحاب التوجه الاسلامي وأصحاب التوجه القومي، كانت مقولة مؤسس الحزب فضيلة العلامة الفقيد محمد علي الجفري بلسماً بدد الاحتقان من الصدور حيث قال: إن الاسلام دين وعقيدة ومنهج حياة، والقومية صلة قربى ومصالح مشتركة.
لم يكن هذا الالتزام بالأمر الصعب على قيادات الرابطة لما تحلّت به من ثقافة ووعي ديني ووطني ووجاهة اجتماعية وقبلية برغم ما أصابها وكوادرها وأنصارها من افتراءات كاذبة وقتل وتدمير منازلهم واضطهاد وإقصاء ونفي.. فلم ينطلقوا في حاضرهم من مواقف سلبية ماضية ضدهم، ذلك لأن الوطن كبر في أعينهم فصغر ما سواه. وفي سبيل ذلك، وبما اتصف به رجالات الحزب من شجاعة أدبية، فقد قدّموا النفس والنفيس، بلا منّة ولا انتظار مكافأة. بل ومدوا جسور التواصل والاتصال مع الأطراف السياسية في الجنوب العربي، ونشروا قضية الجنوب العربي في جميع المحافل الاقليمية والدولية.
في هذه الذكرى الـ67 لحزب “الرابطة”.. وبإشراف الأمين العام الأستاذ محسن محمد أبوبكر بن فريد.. تشرّفت الدائرة الإعلامية للحزب بإيجاز تلك المحاور – المذكورة آنفاً – المختارة من المسيرة الرابطية، وبتسليط الضوء على بعض المحطات الرئيسية التالية.
[1] وضعت الرابطة أصبعها منذ البداية على جوهر المشاكل التي يقاسي منها الجنوب العربي في ذلك الوقت، والتي كانت تندرج تحت الثالوث المرعب وهو الاستعمار، التجزئة، التخلف وفقدان الإرادة الشعبية. لهذا حددت الرابطة أهدافها الرئيسية كما يلي:
1- تحرير شعب الجنوب العربي من الاستعمار والفقر والعوز.
2- تحقيق وحدة “الجنوب العربي” أولاً وذلك من خلال إقامة حكومة مركزية واحدة بدلاً من الـ23 سلطنة ومشيخة وإمارة.
3- انتقال السيادة وسلطات الحكم للشعب عبر انتخابات حرة.
[2] كانت بريطانيا في ذلك الوقت مزهوة بانتصاراتها مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وكان عامة الناس ينظرون لها نظرة المهابة والإعجاب والخوف. لذلك، فإن دور الرابطة منذ اللحظة الأولى لتأسيسها كان شاقاً وصعباً، فقد كان عليها نشر الوعي بين صفوف الشعب لإقناعه بإمكانية إخراج بريطانيا العظمى من الجنوب العربي، كما كان عليها في نفس الوقت تحييد وطمأنة حكام السلطنات والإمارات والمشيخات بأن الحركة لن تكون ضدهم إن تعاونوا مع الحركة الوطنية لما هو في مصلحة الوطن الواحد ومصلحتهم كأبناء لهذا الوطن.
[3] أخذ الاستعمار البريطاني يتنبه لهذا العمل الوطني المنظم المعتمد على الذات، وهو عمل لم يألفه منذ أن وطأت أقدامه عدن في عام 1839م. فهي الهيئة الوطنية الأولى التي ينتمي إليها أعضاء من مختلف مناطق الجنوب العربي، وكان فيها مؤسسون من أصول يمنية لكنهم أصبحوا مواطنين في عدن ومن أبنائها. وهي الهيئة الوطنية الأولى منذ بدأ الاحتلال البريطاني التي جاهرت بالدعوة بجلاء الاستعمار ووحدة الجنوب العربي وانتقال السيادة إلى شعبه، لذلك كان التركيز والحصار على الرابطة شديداً من أجهزة وسلطات المستعمر.
[4] لماذا اسـم الجنوب العربي؟.. كانت المنطقة تسمى رسمياً عدن ومحمياتها الشرقية والغربية، وكان هذا الاسم هو المتداول في كل الأوساط العربية والأجنبية، ولاشك أن هذه التسمية كانت تجسد الهيمنة الاستعمارية، كما تجسد الفرقة والتجزئة التي كانت سائدة، لذلك فقد كان اختيار الرابطة لاسم (الجنوب العربي) اختياراً موفَّقاً حيث أنه يؤكد على وحدة الجنوب العربي ككل، كما يؤكد على عروبته (في مواجهة مخطط ضم عدن للكومنولوث البريطاني) وقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها اسم واحد على كل مناطق الجنوب العربي, والمرة الأولى التي تقوم فيها دعوة تخاطب أهل تلك المناطق كشعب واحد يعاني المعاناة نفسها، وتطالبهم بالتوجه لأهداف واحدة وغايات واحدة.
واختارت الرابطة اسم الجنوب العربي الكبير(اليمن الطبيعية) ليشمل الجنوب العربي واليمن، وكانت أول هيئة تطلق على المنطقة سياسياً اسم (اليمن الطبيعية).
يقول مؤسس الرابطة السيد محمد علي الجفري في نص محاضرته التي ألقاها في اتحاد طلبة الكويت في القاهرة في مساء الجمعة 26 جمادي الأول سنة 1377 هـ الموافق 28 ديسمبر 1956م: “في واقع الأمر بل وفي مصطلح الحركة الوطنية في الجنوب يطلق -الجنوب العربي- على اليمن الطبيعية لكافة أجزائها ونواحيها. فحدود -الجنوب العربي- إذن هي المملكة العربية السعودية شمالاً، وبحر العرب جنوباً، والخليج العربي شرقاً، والبحر الأحمر غرباً. وبذلك تشمل كلمة -الجنوب العربي- المملكة اليمنية المتوكلية، عدن، وما يسمى بمحمياتها الشرقية والغربية وعمان”.
[5] أخذ الاستعمار يضع القيود، وأصدر قانوناً يمنع تسمية المنطقة بغير اسمها الرسمي (عدن والمحميات الشرقية والغربية)، وفي الوقت نفسه صعدت الرابطة من حملات التوعية، وفي عام 1954م عمل الاستعمار البريطاني على إجهاض دعوة الرابطة لوحدة الجنوب العربي ككل، وذلك بأن قدم لحكام المناطق الغربية مشروعاً للاتحاد (مستبعداً عدن والمناطق الشرقية) أفشلته الرابطة، كما قادت الرابطة المظاهرة في عدن (عند زيارة وزير المستعمرات) وقُدِمَ رئيسها وعدد من قيادتها وأعضاؤها إلى المحاكمة، وقد هبَّ الشعب مؤيداً لقيادته الوطنية.. وتجمع الآلاف حول المحكمة مما اضطر السلطات البريطانية إلى الإفراج عن قادة الرابطة، وما أن جاء عام 1956م إلا وكانت دعوة الرابطة قد انتشرت في معظم أنحاء الجنوب، وفي ذلك الحين أصدرت الرابطة بيانها السياسي التاريخي الذي حددت فيه مشروعاً لوحدة الجنوب العربي ككل، بدلاً من المشروع البريطاني (الذي يقتصر على المناطق الغربية فقط)، وقد حددت الرابطة النقاط الرئيسية التالية في بيانها التاريخي:
1- انتخاب مجلس نيابي تنبثق عنه حكومة مركزية وطنية تدير شؤون الجنوب العربي ككل.
2- إنشاء مجلس (ذي شخصية معنوية) من حكام المناطق يرأسه أحدهم بالتناوب.
3- الشعب هو صاحب السيادة، وهو مصدر السلطات.
[6] نفي قادة الرابطة.. كان ذلك البيان في تلك المرحلة يعتبر في نظر البريطانيين متطرفاً وانقلاباً على الأوضاع القائمة. وقامت بريطانيا في عام 1956م، بمنع عودة أمين عام الرابطة في ذلك الحين وأحد أهم رموزها الأستاذ شيخان الحبشي، رحمه الله, الذي كان في القاهرة. ثم عند سفر زعيم الرابطة ورئيسها السيد محمد علي الجفري إلى القاهرة في نفس العام منعت بريطانيا عودته إلى عدن أيضاً، واحتجت الجماهير في عدن وبقية مناطق الجنوب العربي، وأرسلت برقيات الاحتجاج من الجمعيات والنوادي تدين وتستنكر هذا التعسف البريطاني.
[7] عاد رئيس الرابطة إلى لحج في عام 1957م، واستُقبل استقبالاً شعبياً لم يشهد الجنوب العربي له مثيلاً من قبل. وكان سلطان لحج الوطني علي عبد الكريم العبدلي يتعاون مع الحركة الوطنية ويدعمها، بل كان من أبرز ركائزها. وتمركز نشاط السيد محمد علي الجفري في مدينة (دار سعد) التي تقع على بعد أقل من كيلو متر من حدود المستعمرة عدن، وتحولت تلك المدينة الصغيرة إلى شعلة من النشاط السياسي والأدبي والفني، وهنا نتذكر روائع الأناشيد الوطنية:
يـا شــــاكي الســلاح
شوف الفجر لاح
حط يدك على المدفع
زمــان الذل راح
و”أشرقي يا شمس من أرض العروبة”، و”والله انه قرب دورك يا ابن الجنوب” للشاعر الوطني الكبير عضو حزب الرابطة الأستاذ عبدالله هادي سبيت رحمه الله. وقامت الرابطة في تلك الفترة بحملة تبرعات لثورة الجزائر التي أظهر لها شعبنا كل التأييد والمساندة، وجمعت الرابطة مبلغاً من المال وسلمته لسكرتارية المؤتمر الإسلامي في القاهرة (وهي الجهة التي كانت مسؤولة عن جمع التبرعات للثورة الجزائرية).
[8] اتسع واشتد الحماس الوطني بقيادة الرابطة، فما أن حل شهر أبريل 1958م، إلا وبلغ الضيق البريطاني مداه من نشاط الرابطة وتحركاتها، وعلى ضوء ذلك تم تجهيز الحملة العسكرية الشهيرة على لحج في 18/4/1958م (ليلة عيد الفطر المبارك)؛ بهدف القبض على السيد محمد علي الجفري وأخويه عبدالله وعلوي، ولكن الضباط الوطنيين داخل الجيش أبلغوا قيادة الرابطة بخطة الهجوم مسبقاً فانسحب السيد محمد علي الجفري من لحج قبيل الهجوم بساعات وجاء إلى تعز. أما علوي فقد تمكن من الإفلات وتسلل إلى جبال العوالق، وقُبض على عبدالله علي (الذي كان يشغل منصب عضو مجلس المديرين بسلطنة لحج ومدير المعارف والصحة)، وأُخذ على ظهر بارجة حربية إلى جزيرة سقطرى وبقي معتقلاً في تلك الجزيرة لمدة ستة أشهر، ثم أُبعد إلى تعز حسب اختياره.
[9] اشتدت المقاومة المسلحة ضد المستعمر البريطاني في كثير من مناطق الجنوب العربي وكان أكثرها بدعم من الرابطة، وفي الخارج اتسعت دائرة نشاط الرابطة لإخراج قضية شعب الجنوب العربي وشرحها وطرحها على المحافل والمؤتمرات العربية والإسلامية والدولية، وفتحت الرابطة مكتباً سياسياً لها في القاهرة، وركناً لقضية الجنوب من إذاعة (صوت العرب)، كما أصدرت جريدة “النضال” بعد أن لجأ إلى القاهرة إلى جانب رئيس الرابطة وأمينها العام، كل من: السلطان علي عبد الكريم الذي نفاه الاستعمار، والأساتذة أحمد عمر بافقيه وقحطان الشعبي وشاعر الجنوب والحركة الوطنية عبد الله هادي سبيت، وفي الوقت نفسه أقفلت السلطات البريطانية صحيفة (الجنوب العربي) في عدن، وتعرض الرابطيون لمختلف أساليب الاضطهاد والتنكيل.. ثم في مطلع الستينيات صدرت صحف ”الرأي العام“ و ”الفاروق“ في عدن، كصحف مستقلة ولكنها بتوجيه من الرابطة، وأدار الإيقاع الأساتذة سالم الصافي ورشيد الحريري ومحمد سالم باوزير وعبدالله المحضار وأحمد عبده حمزة وعبد اللطيف كتبي وغيرهم من شباب ورجال الرابطة الذين واجه بعضهم الاعتقال والاضطهاد.
[10] الانتفاضات المسلحة.. في شهر أبريل 1959م حاصرت الدبابات البريطانية منازل آل أبو بكر بن فريد العولقي في مدينة الصعيد بهدف القبض على رموز الأسرة الكبار وأخذهم “رهائن” إلى عدن، (وبذلك تأمن بريطانيا من اندلاع أي انتفاضة مسلحة، كانت تتفاعل في المنطقة في ذلك الحين)، ولكن الرؤوس المطلوبة (الشيخ صالح بن أبوبكر.. والشيخ فريد بن أبوبكر.. ومحمد أبوبكر عجرومة.. وعبدالله محمد “جعفان”) تمكنت من الإفلات –بمعجزة- من وسط الحصار.. ولجأت إلى كور العوالق المنيع. وبالرغم من إفلات الرؤوس المطلوبة من وسط الحصار إلا أن الدبابات البريطانية أخذت تدك منازل آل أبوبكر بمن بقي فيها من الرجال والنساء والأطفال، مما اضطر محسن بن أبوبكر بن فريد أن يسلم نفسه للقوات المحاصرة (حيث أخذ سجيناً إلى أبين ثم إلى الضالع حيث هرب من السجن إلى تعز برفقة جندي الحراسة، الجندي الوطني عبدالصفي الرجاعي). كما تم إشعال قاهرة آل الجفري في يشبم ”أي منزلهم المشهور باسم القاهرة“ بأمر من ربة الأسرة التي فضلت أن يحترق على أن يحتله الانجليز الذين تقدموا لاحتلاله، وتم إشعاله عندما وصلوا على بُعد أمتار منه، وكذلك تم تدمير منازل العديد من أعضاء وأنصار الرابطة في المنطقة كـ: آل سعداء.. وآل عجرومة.. وعلي بن عوض المدحجي.. وآل دافر.. وأحمد نمير البعم السالمي.
تم التمركز حينها في كور العوالق المنيع.. وبدأت مقاومة مسلحة، بدعم مادي ومعنوي من حزب الرابطة، فنصبت الكمائن.. وقطعت الطرق.. وهوجمت الإدارات والمراكز الحكومية في المنطقة، وأخذت الحركة المسلحة تنمو وتكبر وتجذب اهتمام وتعاطف ليس أبناء العوالق فقط.. وإنما أبناء المناطق الأخرى، وقد أدركت بريطانيا خطورة هذه المقاومة كـ “قدوة” أو “نموذج” يمكن أن يُحتذى به من قِبل المناطق الأخرى في الجنوب العربي.. عندها، قررت بريطانيا التخلص من هذا الخطر العسكري للرابطة.. كما سبق وحاولت التخلص من الخطر السياسي بنفي ومطاردة قيادتها السياسية، ولهذا كثف سلاح الجو البريطاني طلعاته وضرباته الجوية على كور العوالق إلى درجة إحضار حاملة طائرات إلى أمام “عرقه” في بحر العرب تقلع منها الطائرات البريطانية وتصب حممها على جبال العوالق بشكل متواصل.
[11] كانت الرابطة تمد معظم تلك الثورات بالسلاح والذخيرة والمساعدة وتسندها سياسياً وإعلامياً، وكانت على اتفاق وتنسيق مع معظم قيادات تلك المقاومة الوطنية.
[12] وفي تلك الفترة قُبِضَ على كثير من أعضاء قيادات الرابطة في عدن ولحج، كالسادة : عبداللطيف كتبي عمر، ومحمد سالم باوزير، وعبدالرزاق محمد سعد، وعثمان المصفري، وقائد علي الرزيحي، وعلي بن علي شكري، وكثيرين غيرهم.
[13] قضية الجنوب العربي في المحافل العربية والدولية.. في مطلع عام 1961م افتتح الشهيد علوي علي الجفري مكتب الرابطة في جدة ثم مكتبها في الرياض وفي الدمام. ولا شك أن ذلك قد مثّل تطوراً إيجابياً لصالح الحركة الوطنية في الجنوب، لما للمملكة من مكانة وموقع. وقد سبق للمملكة العربية السعودية أن سمحت لجبهة التحرير الجزائرية بفتح مكاتب لها في الرياض وجدة. ويوجد في المملكة أعداد كبيرة من أبناء الجنوب (وقد وجهت للرابطة الكثير من السهام والتهم الباطلة من قبل المزايدين ومدعي الثورية بسبب إقامة الرابطة مكاتب لها في المملكة، وقد أثبتت الأيام صواب سياسة الرابطة وبعد نظرها، فالجميع أتى بعد ذلك يخطب ودّ السعودية. فالرابطة عندما كانت تقيم علاقة بأي دولة شقيقة في ذلك الوقت فما ذلك إلا خدمة لأبناء شعبنا ولقضيتنا ولكنها لم تتخل عن استقلالية قرارها أو تتخلى عن مبادئها).
[14] بذلت الرابطة جهوداً كبيرة لنقل قضية الشعب في الجنوب إلى المحافل العربية والإسلامية والدولية، وبفضل تلك الجهود أصبحت قضية الجنوب بنداً رئيسياً على جدول معظم المؤتمرات الأسيوية والإفريقية، دع جانباً العربية والإسلامية، بل إن الرابطة قد اشتركت كعضو أساسي في مؤتمرات المحامين العرب والكتاب العرب، وكعضو مؤسس في منظمة شعوب آسيا وإفريقيا ومؤتمرات شباب آسيا وإفريقيا.
[15] ومنذ الخمسينيات أسهمت الرابطة في مجال حيوي وهام في حياة الشعب، ألا وهو مجال الحصول على مئات المنح الدراسية لشباب الجنوب العربي واليمن إلى مختلف البلدان العربية والإسلامية (وبشكل خاص إلى مصر والمملكة العربية السعودية والكويت والعراق وليبيا)، وأهلّت بذلك جيلاً من الشباب، ويمكن القول: إن عدد خريجي الجامعات الذين ابتعثتهم الرابطة يفوق كثيراً عدد الخريجين الجامعيين ممن ابتعثتهم بريطانيا خلال 129 عاماً من احتلالها للجنوب، ومما يجب ذكره وتسجيله هنا هو أن الرابطة لم تقصر المنح الدراسية على أعضائها وأنصارها، بل كانت تقدم منحاً دراسية ومساعدات مالية دراسية لكثير من الطلبة الذين كانوا يناصبونها العداء من الناحية السياسية، ومكتب الرابطة في القاهرة خير شاهد على العديد من الندوات والمناظرات الساخنة بين أولئك الطلبة من جانب، وقيادة الرابطة من جانب آخر، ومع ذلك استمرت دراسة بعض أولئك الطلبة المنتمين لأحزاب أخرى عن طريق الرابطة حتى نهاية دراستهم الجامعية.
[16] حملت الرابطة قضية الجنوب إلى المنبر العالمي (الأمم المتحدة)، وتمكنت من وضعها على جدول أعمال هذا المنبر العالمي كقضية تحرر ووحدة وسيادة للشعب في عام 1959م، وظلت تتابع هذا الأمر في أروقة الأمم المتحدة حتى تم تشكيل (لجنة تصفية الاستعمار) واللجان التابعة لها، وقد واجهت الرابطة قبل ذلك معضلة تتمثل في أن الأمم المتحدة لا تقبل بحث أي قضية إلا إذا كانت تلك القضية متبناة من قبل دولة، ولم تقبل أي دولة عربية تبنِّي القضية تجنباً للحرج مع المملكة المتوكلة اليمنية التي كانت ترفض بحث القضية في الجامعة العربية أو الأمم المتحدة، على اعتبار أن ذلك يُعدُّ تدخلاً في الشؤون الداخلية لليمن. ولكن الرابطة تمكنت بنشاطها ودبلوماسيتها من عرض القضية على الأمم المتحدة، خاصة بعد تشكيل لجنة تصفية الاستعمار التي أتاح نظامها لكل صاحب قضية استعمار أن يعرض قضيته.. وتمكنت الرابطة من استخلاص قرارات واضحة وصريحة تدعو إلى جلاء الاستعمار عن الجنوب ووحدة أراضيه المبعثرة إلى 23 سلطنة وإمارة ومشيخة، وانتقال السيادة إلى شعبه وذلك في عام 1963م. وقد أصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض الذي توافق فيه على الاستقلال، وقد وافق على هذه القرارات كل دول العالم بما في ذلك بريطانيا. وأعلنت في شهر يوليو 1964م التزاماً دولياً صريحاً باعتزامها الانسحاب من كل الجنوب في 9 يناير عام 1968م .
وقد قال السيد محمد علي الجفري رئيس الرابطة في كلمة له أمام اللجنة الثلاثية التابعة للأمم المتحدة:
“لقد كان لحزب الرابطة الذي أتشرف برئاسته الدور الطليعي في إدخال قضية الجنوب العربي في هذا المجال الحيوي – مجال الأمم المتحدة – فبعد أن أخرج حزب الرابطة قضية الجنوب العربي ونضال شعبه من المجال المحلي إلى المجال العربي والشعبي عام 1956م، طرق أبواب المجال الدولي في المؤتمرات العالمية الشعبية كالمؤتمر الآسيوي الأفريقي، حيث كان حزب الرابطة عضواً مؤسساً في هذا المؤتمر، كما عرض حزب الرابطة القضية في المؤتمرات الشعبية الأخرى.
ومنذ عام 1956 وحزب الرابطة يبعث بمندوبيه إلى الأمم المتحدة يلتمس السبيل لإدراج القضية في جدول أعمال الجمعية العامة، ولكنه لم يوفق حين ذاك. وكان لصدور القرار العملي الخاص بتصفية الاستعمار في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960م وقع حسن في نفوسنا، ثم كان صدور القرار بتكوين لجنة تصفية الاستعمار في دورتها عام 1961م. وبذلك أتيحت الفرصة للحركة الوطنية في الجنوب العربي أن تخطو الخطوة الحاسمة في هذا السبيل. فتقدمت الرابطة بمذكرتها المشهورة عن القضية في مايو 1962م إلى اللجنة بواسطة السيد الأمين العام للأمم المتحدة، ثم اتبعت هذه المذكرة بمذكرتها في أغسطس 1962م وبذلك دخلت قضية الجنوب مرحلة جديدة لإدراجها في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجانها المنبثقة عنها.
لقد كان لحزب الرابطة الدور الطليعي في وضع الحقائق وشرحها أمام اللجنة الفرعية في العديد من جلساتها، وأمام لجنة تصفية الاستعمار، وأمام اللجنة الرابعة. وكم هو مبهج لنفوسنا أن تكون الطلبات والمقترحات التي تقدمنا بها عام 1962م هي الأساس لكل القرارات التي صدرت من هذا المنبر الدولي الكبير، وكانت تلكم القرارات السند الرئيسي العالمي لقضية شعب صغير بائس ناضل طويلاً ضد الاستعمار، وفي سبيل تحقيق أهدافه في الاستقلال ووحده أراضيه وانتقال السيادة وسلطات الحكم إلى الشعب”.
[17] الرابطة والكفاح المسلح.. تعرضت الرابطة (في فترة الحمى والعنتريات الثورية التي كانت سائدة في فترة الستينات) لحملات تشويه كاذبة وباطلة حول موقفها من النضال المسلح. وكلها تدور حول أن الرابطة حركة “رجعية” “استسلامية” ترفض فكرة النضال المسلح. ولكن الحقيقة غير ذلك، فالرابطة وأنصارها وأعضاؤها كانوا في طليعة من اختط المقاومة المسلحة، ليس ابتداء من عام 1963م لكن منذ بداية الخمسينيات (كما اشرنا آنفاً).
الرابطة لم تكن ضد النضال المسلح في الستينات ولكنها كانت ضد أن يكون أبناء الجنوب “أدوات” في أعمال مسلحة لا يدرون متى تبدأ أو كيف ستنتهي. كانت الرابطة تقول إنه يجب أن يكون أبناء الجنوب هم سادة القرار فيما يتعلق بسير قضيتهم إن سلماً أو حرباً. أما أن يكونوا أدوات في صراعات عربية ودولية فلن يؤدي ذلك بهم أو ببلادهم إلا إلى الفوضى والهلاك (وهو ما حدث بالفعل). كانت الرابطة من الشجاعة والإحساس بالمسؤولية والولاء الصادق للوطن إلى درجة عدم الانسياق في استخدام عواطف الجماهير وحماسها.. والدفع بها بلا روية.
لقد دعت الرابطة إلى إحكام العقل والمنطق وإلى وحدة وطنية حقيقية، ولكن للأسف كان العقل في إجازة في تلك المرحلة، وتعرضت الرابطة بسبب موقفها العقلاني لسيل جارف من الأكاذيب والتشويه في الصحف والمجلات والإذاعات (إلى درجة أن أصبح الرابطي منبوذاً في داخل بلاده، وسُحل رجال الرابطة في شوارع عدن في رقصة الزار المحمومة التي سبقت الاستقلال لا لشيء، إلا لأن الرابطة رفضت استغلال عواطف الناس فكانت تنادي بوحدة وطنية تمنع الصراع على استلام السلطة من المستعمر).
[18] على مدى سنوات بذلت جهود كبيرة لتكوين تنظيم للرابطة في حضرموت، وبحلول منتصف الستينات كان للرابطة أكبر تنظيم هناك.. شمل معظم مدن وقرى ووديان حضرموت، وقد استهدفت الرابطة في حضرموت وستكشف الأيام والوثائق دور الاستشارية البريطانية في التآمر على الرابطة وتشويه صورتها بهدف القضاء على فعاليتها. وجاء حادث قنبلة المكلا، الذي لم يكن لقيادة الرابطة أو لتنظيمها ضلع فيه (فقد رميت تلك القنبلة المشؤومة بطريق الدس بها على اعتبار أنها قنبلة مسيلة للدموع، وستكشف الأيام من قام بذلك.. ثم اختفى لسنين طويلة في منحة دراسية خارج الوطن). وبالرغم من أن الرابطة قد أصدرت في حينه بياناً تستنكر فيه ذلك الحادث فإن الكثيرين، حتى ممن ارتكبوا ما ارتكبوا، لا يزال يحاول حتى الآن أن يوصم الرابطة بحادث قنبلة المكلا التي استشهد فيها الطالب بن هامل.. ترى كم من البشر قتل بعد ذلك..!؟؟
[19] الرابطة والوحدة الوطنية.. حذرت الرابطة من مغبة ادعاء الأوحدية، ودكتاتورية الحزب الواحد. وكان هذا موقف الرابطة الرسمي في تحركها ونشاطها في فترة الستينات، وعند عرض قضية الجنوب على الأمم المتحدة، وعلى لجنة تصفية الاستعمار في شهر سبتمبر 1967م، استخلصت الرابطة توصية من الجامعة العربية تقضي بضرورة أن يحكم الجنوب بحكومة ائتلافية من الهيئات الوطنية الثلاث في ذلك الحين (الرابطة، الجبهة القومية، وجبهة التحرير)، وبضرورة أن تتفاهم وتتعاون هذه الهيئات الوطنية من أجل استلام الاستقلال.
[20] دعت الرابطة قيادة الجبهتين لتحقيق وحدة وطنية، وللتعاون والتنسيق من دون صراع أو تناحر.. ولكن كل جبهة من الجبهتين كانت تعتقد أن في إمكانها لوحدها الانفراد بالسلطة، وأخذت كل جبهة تدعي بأنها الشرعية وهي الممثل الوحيد لشعب الجنوب، ودخلت الجبهتان في صراع دموي محموم في شوارع عدن والشيخ عثمان ودار سعد.
[21] كان عام 1967م عام هزيمة العرب الكبرى حيث انشغلوا بجرحهم الكبير، فوجد الاستعمار البريطاني الفرصة سانحة، وسلم الحكم للجبهة القومية منفردة وأمر ضباط الجيش بإعلان الولاء لها. وقد قام ضباط السياسة البريطانيون بدور رئيسي في إسقاط السلطنات والمشيخات وتسليمها للجبهة.. كما أجلوا السلاطين والمشائخ والأفراد عن مناطقهم إلى عدن.. ومن عدن تم ترتيب إخراجهم إلى خارج الجنوب.
[22] وفي 29 نوفمبر 1967م عُقد مؤتمر جنيف بين الإنجليز وممثلي الجبهة القومية وتمت آخر فصول اتفاقية الاستقلال بتوقيع “معاهدة الاستقلال”.. وتنص المادة الأولى منها على “يحصل الجنوب العربي على الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م (ويشار إلى هذا اليوم بيوم الاستقلال)”. وتنص المادة الثانية منها على “تنشأ في يوم الاستقلال دولة مستقلة ذات سيادة تعرف بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وذلك بإرادة رسمية من قبل الجبهة القومية لتحرير اليمن الجنوبية – بصفتها ممثلة لشعب منطقة الجمهورية، وتقام حكومة للجمهورية”.
[23] وكان أول تشريع للجبهة القومية صبيحة يوم الاستقلال أن أعلنت أنها هي التنظيم الوحيد في البلاد وما عداها غير شرعي، وبدلاً من أن نحتفل جميعاً بهذه المناسبة العظيمة، أي يوم الاستقلال، الذي ساهمت في تحقيقه كل القوى والشرائح الحية الوطنية في بلادنا، كانت هذه البداية غير الموفقة للجبهة القومية. ووضعت حينها قيادات وكوادر حزب الرابطة وغيره من القوى في مختلف مناطق الجنوب تحت المراقبة والمتابعة والترصد، وشهدت بلادنا فترة خوف وذعر وترقب للمجهول، إلى أن انفجرت في صيف 1968م حركة الوحدة الوطنية (التي كانت الرابطة القوة الرئيسية فيها مع كثير من عناصر جبهة التحرير)، وكانت تلك الحركة تنادي بضرورة الوحدة الوطنية، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني من القوى الرئيسية الثلاث: الرابطة والجبهة القومية وجبهة التحرير، (كما قضت بذلك قرارات الجامعة العربية قبيل الاستقلال).
[24] قادت الرابطة وغيرها، حركة الوحدة الوطنية المسلحة في العوالق وردفان والصبيحة، في صيف 1968م. وطالبت مع غيرها من الوطنيين، الإخوة في حكومة الجبهة القومية بضرورة تحقيق الوحدة الوطنية، وقامت في البداية مظاهرات سلمية ضخمة في تلك المناطق تدعو للوحدة الوطنية، قابلتها الحكومة بالقوة والعنف، وعلى إثر ذلك اعتصم دعاة الوحدة الوطنية وعلى رأسهم قيادة وأنصار الرابطة بكور العوالق لمدة سنه كاملة، ودخلوا في معارك عسكرية ضخمة مع السلطة ومليشياتها. وقد تم تدمير العشرات من المنازل في منطقة العوالق بالديناميت، وبعد سنة من النضال المشرف تحت رايات الوحدة الوطنية وبعد الحصار من الداخل والخذلان من الخارج اضطر ثوار الوحدة الوطنية للانسحاب من أرض الجنوب، بعد أن عمدوا دعوتهم للوحدة الوطنية بالدم وبتقديم قافلة إضافية من الشهداء.
[25] في الفترة ما بين 70ــ 1972م اشتركت الرابطة مع غيرها من القوى الجنوبية في حركة الوحدة الوطنية التي انطلقت من صنعاء، المكونة من الرابطة وجبهة التحرير والمنشقين عن الجبهة القومية، ولكن عوامل كثيرة أخرى أفشلت هذه الحركة أيضاً.
[26] استمرت الرابطة في نشاطها السياسي السلمي المحدود في المنفى بعد أن اتضح أن الأوضاع إقليمياً ودولياً غير مواتية لتغيير الحكم في عدن وإصلاحه، وفي عام 1980م اشتركت الرابطة في تأسيس “التجمع القومي للقوى الوطنية في الجنوب اليمني”، الذي تكون في بغداد بجهود مشكورة من العراق الشقيق، وفقدت الرابطة والوطن في نفس الوقت الرمز والمؤسس للحركة الوطنية السيد محمد علي الجفري، الذي توفاه الله في بغداد أثناء حضوره اجتماعاً لأبناء الجنوب، وكانت هزة عنيفة لحزب الرابطة، وتولى السيد سالم الصافي رحمه الله رئاسة الحزب.. وبدأت مرحلة أخرى في تاريخ الرابطة، وفي عام 1982م دخلت الرابطة في حوار سري مع النظام في الجنوب في ذلك الحين، في نيودلهي بالهند، تم فيه التوقيع على اتفاقية أولية تقضي بضرورة عودة النظام إلى العقيدة الإسلامية والانتماء العربي والالتزام بمبادئ عدم الانحياز، والتشاور في الشؤون الداخلية والخارجية بين الرابطة والنظام، والعمل على توفير حرية القول والعمل لكل أبناء الجنوب في داخل بلادهم. كما تم الاتفاق على لقاء آخر خلال ثلاثة أشهر يتم فيه الاتفاق النهائي على النقاط، وتمت اتصالات لتحديد الموعد القادم، وأشير بأن وفد حكومة عدن في ذلك اللقاء المرتقب سيكون إما برئاسة السيد حيدر أبو بكر العطاس، أو الأستاذ محمد هادي عوض (سفير عدن في تونس وممثلها في الجامعة العربية في ذلك الحين). ولكن بعد فترة إذا بحكومة عدن تتراجع عن مواصلة الحوار، وفُهم أن خلافاً داخلياً قد نشب حول هذا الموضوع في المكتب السياسي.
[27] كانت الرابطة تتابع عن كثب ما يجري في الداخل من صراعات بين الأجنحة، وبعد أن اشتدت الخلافات في عام 1984م وصعدت إلى درجة تقترب من الانفجار في مايو عام 1985م، أرسلت الرابطة في6/9/1405هـ الموافق 20/5/1985م رسالتها التاريخية إلى طرفي الصراع، كلٍ من الإخوان علي ناصر محمد من جانب، وعلي عنتر وصالح مصلح وعلي شايع من جانب آخر، تناشدهم فيها بضبط النفس وعدم جر الجنوب إلى قتال قبلي أو مناطقي لا يعلم إلا الله نتائجه وعواقبه. كما ناشدت الطرفين بضرورة الدعوة إلى وحدة وطنية لجميع القوى الوطنية.
ولكن كان تأجيج العواطف قد تصاعد، فشلّ العقول، ولا شك أن ذلك كان يشير إلى مؤشرات لحسم الصراع الدولي خاصة في منطقتنا. فجاءت أحداث 13 يناير 1986م، تعكس كل ذلك، وكانت بمثابة زلزال، ليس بما أحدثته مادياً فقط، لكن بما أحدثته سياسياً ودمرته فكرياً ونفسياً. باختصار كان زلزال 13 يناير 1986م، بمثابة نهاية مأساوية لتجربة 19سنة من الحكم والتوجه في عدن.
[28] إن المرحلة التاريخية التي صاحبت الزلزال، ونعني بها مرحلة العصر الجورباتشوفي، كانت عاملاً مساعداً يدفع لإعادة النظر وتقييم ما حدث، ليس يوم 13 يناير فقط، بل كل ما حدث في بلادنا منذ صبيحة يوم الاستقلال وحتى اليوم بشيء من المنطق والوعي والعقلانية. وقد حددت الرابطة موقفها من تلك الأحداث المأساوية في حينها وأشارت في بيان لها بأن: (القضية الجوهرية لا تتمثل في الصراع بين جناحي الحزب الحاكم، ولكنها تتمثل في التوجه لنهج الحكم). وطالبت الرابطة بالوحدة الوطنية الشاملة التي لا تستثني أحداً كمخرج من المأساة في تلك الفترة.
[29] التغييرات الرابطية وانتخاب قيادة جديدة.. عقد المؤتمر الرابطي السابع في الفترة من 12- 14 نوفمبر 1986م، وتم انتخاب السيد/ عبدالرحمن علي الجفري – رئيساً جديداً للرابطة، ومحسن محمد أبو بكر بن فريد- أميناً عاماً، و30 عضواً كهيئة مركزية جديدة. وقد ضمت القيادة الجديدة 8 أعضاء من القيادة السابقة.. أي حوالي نصف القيادة السابقة. أما بقية أعضاء القيادة الذين لم ينتخبوا فقد عينوا في “هيئة استشارية” لها مهام ووظائف تتناسب مع سنهم وخبرتهم. كما أقر المؤتمر تعديلات في النظام الداخلي وبعض مواد الدستور. وفي الوقت نفسه أقر تصورات مستقبلية لتحرك الرابطة ونشاطها في كل المجالات.. ورغم ما حدث فإن المكانة التاريخية والدور العظيم لجميع قيادات الحزب الرائدة والاحترام والتقدير ظل كل ذلك هو الحاكم للعلاقة التي قامت على قيم وآداب راسخة في سلوك الرابطيين غرسها فيهم روادهم متلازماً مع الفكر والتوجه.. فالقيم والسلوك أسس هامة لا تقل أهمية عن سلامة التوجه والفكر والمبدأ.
[30] نشاط الرابطة بعد المؤتمر.. في شهر أبريل 1987م، اجتمع سراً، وفد من قيادة الرابطة مكون من: (عبدالرحمن علي الجفري، محسن محمد أبوبكر بن فريد، أحمد عبدالله اليافعي، وعلوي علي الباراسي)، بوفد من حكومة عدن في بومبي بالهند. وفي عدة اجتماعات مكثفة طرحت الرابطة آراءها ووجهة نظرها وتقييمها الموضوعي لكل ما يجري في بلادنا منذ الاستقلال. وقدمت في الوقت نفسه الحلول والمخارج والبدائل، كل ذلك بصدق وبروح المسؤولية الوطنية بعيداً عن المزايدة وتصفية الحسابات. وعند حديثنا مع الإخوة الذين قدموا للقائنا من عدن أشرنا بوضوح إلى أنه وإن كنا قد أخذنا المبادرة للالتقاء بهم بشكل منفرد ومبادرة ذاتية من الرابطة، إلا أن ما نطالب به من حقوق شرعية “ومصالحة وطنية” يجب أن يشمل كل أبناء الجنوب العربي. وليس الرابطة فقط. وقد كانت بداية مشجعة ومجدية لإسماع صوتنا وآرائنا لهم مباشرة.
[31] في شهر أكتوبر 1988م، أرسلت الرابطة رسالة للإخوة في نظام الحكم في عدن آنذاك، تطالبه فيها بضرورة وحتمية (الوحدة الوطنية) لكل أبناء الجنوب، وتحذِّر من تكرار أي صراع داخلي، وجرّ البلاد مرة أخرى إلى 13 يناير جديدة. كما أصدرت الرابطة دراسة مختصرة بعنوان “رؤية صادقة حول قضية الوحدة”، وهي مساهمة من الرابطة في إثراء النقاش الدائر حول الوحدة اليمنية، والذي فتحه الفقيد الكبير عمر الجاوي في مجلة ”الحكمة“، وقد نُشر ملخص تلك الدراسة في مجلة “الشراع” اللبنانية، أشارت إليها مجلة “الحكمة”، كما أصدرت كتيب “الجذور”، ودراسة “الواقع والبديل” بقلم رئيس الرابطة الأستاذ/ عبدالرحمن علي الجفري، وهي كلها تصب في مجرى تحليل مأساة الجنوب العربي وإيجاد بدائل مناسبة للخروج من النفق الذي كنا نراوح فيه منذ سنوات وسنوات.
[32] في يناير 1989 م، وجهت الرابطة رسالتها المفتوحة الأولى لأبناء الوطن في المهجر وفي الداخل، وقد وُزّعت بطرق مختلفة في مناطق الجنوب وفي المهجر. وفي شهر رمضان المبارك 1409 هـ, وجهت الرابطة رسالتها المفتوحة الثانية للداخل، تحث فيها على ضرورة الوحدة الوطنية، وعلى التمسك بالعقيدة الإسلامية وبالقيم والعادات العربية الأصيلة، ومطالبة حكومة عدن بالدعوة لمؤتمر مصالحة وطنية شاملة، يعقد في عدن، ويتعاون الجميع لإخراج البلاد من محنتها.
[33] ركزت الرابطة في تحركها ونشاطها بعد المؤتمر الرابطي على العمل السياسي والفكري والإعلامي، إيماناً منها بأن المرحلة هي مرحلة صراع عقول لا عجول، أي أنها مرحلة صراع فكري وعقائدي أكثر منه صراع مدافع ودبابات وطائرات. واعتقاداً منها بأن ما مر على شعبنا وما مر به حكام الجنوب من تجربة طويلة وما مرت به المعارضة في الخارج من مد وجزر وغربة كفيل بأن يجعل الجميع يعودون إلى رشدهم وإلى الصواب وينتهجون النهج الذي فيه منفعة بلادهم وشعبهم. فالعالم كله كان متجهاً نحو الانفتاح وإعادة البناء والمصارحة والشفافية والديمقراطية وحرية الرأي، وما كان ينبغي لبلادنا أن تتخلف عن الركب.
[34] وبالفعل.. لم تتخلف بلادنا عن الركب (والحمد لله) وكانت بداية الصحوة لدى الإخوة في عدن (كما لمسناها وتابعناها) عند انعقاد الدورة السابعة عشرة الاستثنائية للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني في عدن في 23 نوفمبر 1989م. وقد كان المؤشر على توجه الإخوة في عدن التوجه الجديد والصحيح هو ما جاء في البلاغ الصحفي عن تلك الدورة، والذي تحدد بالنص كما يلي: “وترى اللجنة المركزية أن المدخل الواقعي لخلق الوسائل والضمانات الكفيلة لبناء دولة الوحدة يمر عبر إشاعة الديمقراطية في الحياة السياسية والاجتماعية التي تكفل مشاركة أوسع جماهير الشعب وقواه الخيرة ممثلة بأحزابها السياسية ومنظماتها الجماهيرية والإبداعية والشخصيات المؤمنة بأهداف الثورة اليمنية المجيدة”. وما أن اطلعت قيادة الرابطة على بلاغ اللجنة المركزية وتوجهها الجديد.. إلا وأصدرت بياناً مؤيداً ومشجعاً لهذا التوجه، وقالت بالنص: “والرابطة إذ تبادر كعادتها إلى مباركة وتأييد هذه الخطوة الشجاعة والجريئة، فإنها تهيب بكل أبناء الجنوب ومنظماته الجماهيرية وقواه الوطنية إلى تأييد ومساندة هذا الخط الديمقراطي الذي هو طوق النجاة لشعبنا وسبيله للخروج من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية والتربوية والنفسية”. وهكذا أثبتت الرابطة أنها لم تكن تعارض النظام السابق في عدن لمجرد المعارضة، بل أنه عندما بدرت أول بادرة على سير النظام في الاتجاه الصحيح كانت الرابطة أول من أيده وشجعه على المضي في هذا التوجه الجديد والصحيح.
[35] على ضوء التغيرات الجذرية الكبيرة التي شهدتها الساحة الدولية (منذ منتصف الثمانينات) والعربية واليمنية تسارعت الأحداث في اتجاه التحقيق الفعلي لـ”الوحدة اليمنية”. فكان نزول الرئيس علي عبدالله صالح إلى عدن. وكان الاتفاق في لقاء عدن التاريخي مساء30/11/1989م.
وفي صبيحة اليوم التالي 1/12/1989م، أصدر حزب الرابطة بياناً أيد فيه هذه الخطوة الوحدويه، وطالب بأن تتم عملية مواءمة للوضع السياسي، وذلك بإتاحة المجال لكل الأحزاب والقوى الوطنية للنشاط في عدن، وقيام مصالحة وطنية شاملة، وتكوين تحالف في عدن شبيه بالمؤتمر الشعبي العام في صنعاء لتشارك القوى الوطنية على امتداد الساحة اليمنية في بناء أسس الوحدة، لتقوم الوحدة على أسس وطنية صحيحة، عوضاً عن تحزيبها باقتسامها بين حزبي السلطة في صنعاء وعدن.
[36] تعديل الاسم إلى: حزب رابطة أبناء اليمن(رأي).. على ضوء التطورات الوحدوية اليمنية المتسارعة.. وبتواجد قيادة الرابطة الفعلي في العاصمة صنعاء.. ولأن قانون الأحزاب يمنع الأسماء الشطرية.. أصدرت الرابطة بياناً سياسياً هاماً متعلقاً بتعديل اسمها.
[37] بالرغم من أننا كنا نعيش كـ”الغرباء” في بلادنا “أثناء الفترة الانتقالية التي استمرت حوالي ثلاث سنوات، – لأننا وجدنا أنفسنا في وضع وصفه المعلن “ديمقراطي”، ومضمونه وممارسته الفعلية “شمولي” – فكل شيء في الوطن كان لحزبي السلطة فقط، على أن حزب الرابطة قد شق طريقه بقوة واحترام. فبدأنا بمقر رئيسي في العاصمة صنعاء وآخر في عدن، ثم اتسع مجال نشاطنا وازداد الإقبال على حزبنا وما أن انفجرت الحرب في صيف 1994م، إلا ولحزبنا ما يقرب من ستين مقراً في طول البلاد وعرضها.
[38] نشبت الحرب الشاملة في 4 مايو 1994م التي شنتها القيادة في “صنعاء” على كامل التراب الجنوبي. وصدرت الفتاوى الدينية من “صنعاء” والتي تبيح “قتل المدنيين بما في ذلك النساء والشيوخ والأطفال”. وبثتها وسائل إعلامهم.
وتم في 7 يوليو 1994م الاجتياح الكامل للجنوب صاحبها عملية نهب وسلب لم يشهد العالم المتحضر مثيلاً لها في القرن العشرين.
وبالحرب انهارت مقومات الوحدة التي أُعلنت بصورة سلمية.. وأنهت الحرب هذه الوحدة خاصة وأن الأعمال القتالية العدوانية وُجّهت ضد شعب الجنوب العربي، الطرف الآخر في إعلان الوحدة الذي أذابت الإتفاقية دولته – جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية – من أجل قيام دولة واحدة – الجمهورية اليمنية. وبذلك تكون الحرب قد أنهت، على أرض الواقع، الوحدة وحوّلت الجنوب إلى أرض محتلة.
[39] وكنتيجة مفجعة لحرب صيف 94م اضطر عدد كبير من قيادات حزب الرابطة، لمغادرة الوطن مرة أخرى وتجرع الغربة. كما تعرض حزب الرابطة في الداخل بعد تلك الحرب المشؤومة للمتابعة والمراقبة والاضطهاد والتهميش.
[40] وفي ظل الظروف الصعبة والأوضاع الخطيرة.. فإننا قد بذلنا كل جهد ممكن على مدى ربع قرن من الزمان سعياً نحو الإصلاح والنهوض بالمجتمع لكي لا نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من دمار وخراب وبناء جُدُر الكراهية وأحقاد بين الشعبين الجارين ولكن دون جدوى.. وقد تبنّينا من 1997م – 2011م مبادرات.. وهي:
– مشروع لقانون الحكم المحلي كامل الصلاحيات وذلك في 15 ديسمبر 1997م لاستيعاب الخصوصيات ولمعالجة الاختلالات وسيطرة الفساد لغياب الحكم الرشيد القائمة على الأضلاع الثلاثة: المشاركة والشفافية والمساءلة وسيادة القانون.
– مشروع الإصلاح الوطني الشامل وذلك في 7 نوفمبر 2005م.
– رؤية للسياسات الداخلية والخارجية في 17 يناير 2008م.
– المبادرة الوطنية لحل الأزمة اليمنية وذلك في 8 يونيو 2009م.
– مبادرة الفيدرالية بين الشمال والجنوب وذلك في 6 مارس 2010م.
– مبادرة الصرخة الأخيرة لحل القضية وذلك في 20 يناير 2011م.
وكل ذلك بقصد استيعاب الخصوصية والتنوع.. ولنثبت للعالم أن مراكز القوى في “صنعاء” لا تقبل، ولن تقبل، أي حلول تحفظ للجنوب حقه ومكانته وهويته.
[41] وفي 12 مايو 2012م شاركنا في تأسيس “التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي”.. واتفقنا مع الشركاء المؤسسين على “التعاون في إطار التنوع والرأي والرأي الآخر”، وتم إصدار بيان تاريخي، جاء فيه:
((ولذلك فإننا بذلنا، وبذل غيرنا، جهوداً كبيرة لفترة طويلة، لم تنقطع ولن تتوقف، من أجل لم الشمل وتحقيق اصطفاف جنوبي لمواصلة المسيرة نحو الوصول إلى الغاية الأسمى وهي: حقُّ شعبنا في الجنوب في أن يحقق طموحاته في حياة حرة كريمة وفق خياره الحر.
وقد تم التواصل والتنسيق مع كثير من القوى السياسية والاجتماعية الجنوبية على قاعدة الجنوب لكل أبنائه بغض النظر عن رؤاهم وخياراتهم في ما يتعلق بقضية شعبنا الجنوبي المحتل وقد توصلنا إلى نقاط تفاهم تربط بيننا في هذا الاصطفاف وتجعلنا ندير تبايناتنا بإدارة راقية تتلاءم وتطورات العصر الحديث وبعقلية اليوم وليس بعقلية الماضي المؤسف. وأن سقف هذا التكتل هو الاستقلال والتحرير مع التعامل مع كل الوسائل والاتجاهات المؤدية إلى تحقيق الغاية “الأسمى” لشعبنا.))
[42] لذلك.. وفي 18 ديسمبر 2012م وبدعوة كريمة من معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور/عبداللطيف بن راشد الزياني، قدمنا له – مع حوالي 60 شخصية من الجنوب العربي من مختلف الاتجاهات – مذكرة نوضح أن القضية الجنوبية هي قضية شعب وهوية ووطن وليست سياسية داخلية أو مطلبية، وأن هدف شعب الجنوب العربي هو التحرير والاستقلال وبناء دولته وأن النظام القادم في الجنوب يقوم على أساس دولة فيدرالية تراعى فيه خصوصيات كل المحافظات الجنوبية الست وفقاً للمعايير الدولية.
[43] وفي سبتمبر 2013م تقدمنا بـ”مشروع استقلال الجنوب العربي – خارطة الطريق” إلى اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي الجامع.
[44] وفي 1 فبراير 2014م أصدرنا بياناً نعلن فيه العودة إلى اسمنا الأساس.
[45] وفي يناير 2015م شاركنا في تأسيس “الهيئة الوطنية الجنوبية المؤقتة للتحرير والاستقلال”.. وذلك للعمل على تحقيق الهدف العظيم لشعب الجنوب العربي المتمثل بالتحرير والاستقلال وبناء دولة الجنوب العربي الفيدرالية الجديدة كاملة السيادة على كامل أرض الجنوب بحدوده المعروفة دولياً.
[46] بدأ الغزو الثاني الهمجي لقوات الرئيس علي عبدالله صالح ومليشيات الحوثي على الجنوب العربي في مارس 2015م، وكان الحزب في مقدمة صفوف المقاومة الجنوبية.
[47] في 22-23 يونيو 2015م وبدعوة من الكتلة البرلمانية في البرلمان الاوروبي “اوروبا الحرية والديمقراطية المباشرة EFDD” حضرنا مؤتمر “اليمن في حالة حرب: من منظور الجنوب العربي” المنعقد في بروكسل حيث عرضنا القضية الجنوبية، وقدم الأستاذ عبدالرحمن علي الجفري رئيس الحزب كلمة ضافية حول القضية الجنوبية.