تفنيد وجهة نظر جار الله عمر

المحتوى:
مقدمة 
الأسباب الداخلية لإعلان التعددية السياسية!؟ 
أسباب على صعيد القضية الوطنية اليمنية!؟ 
مناقشة لعوائق المشروع وسلبياته وإيجابياته!؟ 
من التراث النظري والتطبيقي للحركة الثورية العالمية !؟ 
ملامح من الـجُـربَاتشوفية 
نبذة عن الكاتب 


بسم الله الرحمن الرحيم
تفنيد وجهة نظر جار الله عمر
حــول
(( أهمية وموقع التعددية السياسية في إطار الإصلاح السياسي ))

مقدمة لا بد منها:

عاش الجنوب تجربة قاسية خلال ربع قرن من الزمن.. فبإسم الكفاح المسلح، ضد الإستعمار فرض على أبناء الجنوب قيادات بعضها فوضوية انتهازية وبعضها قليلة الخبرة كثيرة الحماس… لا يعرف كثير منهم من أساليب العمل إلا النهب والسلب والقتل والإقتتال حتى أدمنوه . لذلك استمروا في ممارسته ضد خيرة الوطنيين من أبناء الجنوب قبل وبعد الإستقلال.. ولما ظنوا أنهم قد انتهوا من تصفية الرجال من أبناء الجنوب إما تقتيلاً أو تشريداً أو مصادرة للحقوق… ولم يعد أمامهم إلا أنفسهم… وحالة الإدمان في أوجها… انقلبوا على أنفسهم وأعملوا في بعضهم قتلاً وتعذيباً وتشريداً..
تلك الروح العدوانية الغارقة في الشر لا بد لها من أن تبرر أفعالها.. لذلك برز منهم من يفلسفون الشر ويبررون فعله… وينظرون للصراع الدموي ويختلقون له الأسباب ويشرعون للنهب والسلب ومصادرة الحقوق ويجدون لها في فلسفتهم وتنظيراتهم مبررات ودوافع..
بل ويتجاوزون الفعل في البشر وما يملكون إلى رب البشر ورسله.. إلى العقيدة الإسلامية وتشريعاتها العادلة.. فيصفونها، لجهلهم، بالتخلف والرجعية وبأنها عودة إلى القرون الوسطى ولعلهم يجهلون أن القرون الوسطى تُطلق على الفترة الزمنية المظلمة في تاريخ أوروبا والتي كانت في نفس الوقت مشرقة في تاريخ العالم الإسلامي عندما كان يسير على منهج الإسلام وشريعته.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة تزامن حدوث حدثين أثّرا على الأوضاع في الجنوب..
أولهما الصراع بين أجنحة أو رموز الحزب الحاكم في “عدن” والذي بدأت تظهر مقدماته بوضوح منذ مايو 1984م.. وتصاعد وتفاعل حتى انفجر بركاناً وزلزالاً في 13 يناير 1986م وترك ما يتركه البركان والزلزال من آثار ودمار وتصدعات.. في بنية الحزب الحاكم والمتصارعين على السلطة.. وكشف لكل أبناء الجنوب زيف الإدعاءات والتنظيرات وسطحيتها.. وأن القائمين على التجربة هم خير من يبين فشلها وأن الشعارات لم تُستخدم إلا وسيلة للوصول والبقاء في السلطة..
وثانيهما انتقال الإتحاد السوفيتي إلى مرحلة “الجوربوتشوفية” وهي مرحلة تختلف في مفاهيمها وديناميكيتها عن كل ما سبقها.. وهي إخراج ناضج وذكي وناجح “للخروتشوفية” التي فشلت في الخمسينات.. والتي جاءت في مرحلة مبكرة فلم تتهيأ لها أسباب النجاح.. علاوة على أن “الجوربوتشوفية” تعالج المشاكل الإقليمية والدولية بأسلوب أكثر نضجاً وتفتحاً.. وهي عملية تجميل بارعة للفكر الماركسي والتطبيق يقوم بها جراح بارع حاد الذكاء يمتلك الكثير من مقومات الزعامة والقيادة التي يتطلبها هذا العمل الكبير والدقيق في نفس الوقت.
ولقد فوجئ بل ذهل ((الرفاق)) في “عدن” مما يجري في “موسكو” وفي البداية لم يستوعبوه.. بل وقف بعضهم معارضاً وقامت المظاهرة الشهيرة في منطقة “رُصُدْ” ضد جورباتشوف.. وحتى انعقاد المؤتمر السابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي والبعض في “عدن” لازال مذهولاً حائراً ينتظر سقوط جورباتشوف..
واضطر الإتحاد السوفيتي إلى إرسال ((المحاضرين)) إلى “عدن” ليشرحوا للقيادة في “عدن” ولكوادر الحزب الحاكم ظروف المرحلة الجديدة والآفاق المستقبلية لإعادة البناء والعلانية (البيروسترويكا والجلاسنوست).. وفوجئ ((المحاضرون)) السوفييت بأنهم يحتاجون إلى وقت ومجهود حتى يجعلوا تلك القيادات والكوادر تستوعب التطورات والمستجدات.. وأن أمامهم بعض الحُفَّاظ لقوالب جامدة وأفكار بالية ومصطلحات فقدت معناها وشعارات قد ملّها الناس.. واضطر السوفيات إلى توجيه الدعوات لزيارة الإتحاد السوفياتي لبعض القادة.. والكوادر والشخصيات الإعلامية التي يؤمل أن تستوعب، وذلك ليطلعوا ويشاهدوا ويقابلوا الموجهين السوفيات ليفهموا منهم عن كثب التفكير الجديد للقيادة السوفياتية…
وقدم السوفيات النصائح والتوجيهات بصور مختلفة وطرق عدة للرفاق في “عدن”… أن يعتدلوا ويتفتحوا.. وأن يدركوا أنهم ليسوا الوطنيين دون سواهم.. وأن الجنوب لجميع أبنائه.. وأن عليهم مشاركة الآخرين الإنفتاح عليهم.. وأنهم ليسوا الأوصياء على الإشتراكية العلمية…إلخ.
وكلنا قرأ التقرير المقدم من الأستاذ/أحمد الحبيشي، رئيس وكالة أنباء عدن ورئيس منظمة الصحفيين، حول زيارته للإتحاد السوفياتي وما شاهده وما سمعه من المسؤولين هناك وبالأخص من السيد ((بوﭬـن)) الشخصية الإعلامية والسياسية المقربة من السيد جورباتشوف.. وكان تقريراً شاملاً عكس فهم كاتبه واستيعابه لظروف المرحلة.. وذكر في التقرير أنه قيل له: ((أن مقياس التقدمية هو بمقدار ما توفره الدولة لشعبها.. وأنهم شاهدوا ما تقدمه دول الخليج لشعوبها ووجدوا أن ذلك فاق كل تصور.. وأن شيوعيين لجأوا إلى الخليج هرباً من أحزابهم الشيوعية.. ويعيشون في الخليج بكل حرية)).. وقالوا له: ((أن النظرة إلى الصراع الطبقي قد تغيرت.. وأنه ليس شرطاً أن يتم الصراع الطبقي وفقاً للمفاهيم القديمة الدموية…إلخ)).
وبدأ بعض العقلاء في الجنوب يدركون طبيعة المرحلة وظروفها وأن الفكر الشيوعي والنظريات الوضعية قابلة للتطور والتغير والإلغاء وأنها ليس قرآناً مُنـزلاً.. ولا قدسية لها.
أما في دول أوربا الشرقية كـ”المجر” و”بولندا”.. فقد أدركوا ذلك دون عناء ولا جهد سوفياتي.. ولكن إدراك ذاتي يدل على اتساع مداركهم وعقلانية تفكيرهم.
وبقي البعض الآخر في الجنوب.. حتى الآن يناور.. ويبحث عن طرق يفلسف بها الأمور.. ليكيّفها حسب هواه.. ويفصلها على مقاسه بحيث يفرغ أي إصلاح من محتواه.. وبحيث يستمر الجنوب في الدوامة فاقداً لتوازنه وفي النفق المظلم بعيداً عن النور.. ويستمر هذا البعض متسلطاً.. وليس مهماً أن يقاسي الشعب.. أو يُشرَّد أو تسيل دماؤه.. أو يُمزق.. فالمهم ((نجاح المشروع الذي يمثله الحزب الإشتراكي اليمني.. وزيادة دوره التاريخي في القيادة لإنجاز مهام التحولات التقدمية في اليمن)).. كلام وكلام.. حتى فقدت الكلمات معانيها وأُفرغت من محتواها ولم يدرك هذا البعض أن السباحة ضد التيار أمر صعب.. بل مستحيل عندما يكون التيار جارفاً والسبّاح ضعيفاً..
تلك كانت مقدمة لا بد منها في سياق ردّنا على ((وجهة نظر عن أهمية وموقع التعددية السياسية في إطار الإصلاح السياسي)) التي قدمها الأستاذ جار الله عمر، سكرتير أول (حوشي) حزب الوحدة الشعبية اليمنية (فرع الشمال للحزب الإشتراكي اليمني الحاكم بـ”عدن”).. وعضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي اليمني بـ”عدن”.. للسيد علي سالم البيض، أمين عام الحزب الإشتراكي اليمني الحاكم بـ”عدن”،.. والتي ناقشتها اللجنة المركزية للحزب في دورة مايو/يونيو الماضي.

ولقد لاحظنا التالي:
1- صدر بلاغ صحفي عن اللجنة المركزية في نهاية اجتماعاتها في يونيو الماضي.. كم ألقى السيد علي سالم البيض خطاباً طويلاً بمناسبة ما يُسمى بخطوة 22 يونيو التصحيحية ووجدنا أن فقرات كاملة مشتركة جاءت بالنص في وجهة نظر ((جار الله عمر)) وفي البلاغ الصحفي وفي خطاب البيض ووو.. في خطاب السيد جورباتشوف أمام الإجتماع الكامل للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي في يونيو 1987م.. وفي كتاب جورباتشوف.
2- حصر جار الله عمر الديمقراطية فيما أسماه ((بالتعددية السياسية الثورية)) وحدد لها أحزاب البعث والناصريين إلى جانب الحزب الإشتراكي اليمني.. بينما قال البيض في خطابه: ((ينبغي أن يكون مفهوماً أن الديمقراطية هي أوسع كثيراً من التصورات المبتسرة أو التخطيطات الجزئية المؤقتة التي سرعان ما تتحول إلى درب من الحذلقات السياسية المكشوفة والدعاية الكلامية التي يدحضها الواقع ويكشف زيفها..)).

فهل كان السيد البيض يرد في ذلك على جار الله عمر.. رغم التحالف المرحلي بينهما؟!.
في ردي على “وجهة نظر” جار الله عمر التي حوتها 26 صفحة سأورد نص كل نقطة ثم أرد عليها.. بالتسلسل والترتيب التي جاءت به..

يقول: ((من الملح النظر في هذه المسألة، من زاوية تقوية المشروع الذي يمثله الحزب الإشتراكي اليمني، وزيادة دوره التاريخي في قيادة تحالف وطني عريق… إلخ)).
نقول: إذن المسألة لا تهدف إلى إصلاح ولا إلى مصلحة الشعب المنكوب في الجنوب وإنما إلى تقوية الحزب..

يقول: ((تتاح الآن إمكانية إدارة نقاش وجدل حول الإصلاح السياسي والإقتصادي.. ويبدو أن أجواء ملائمة من التفتح العقلي والنضج الفكري والسياسي والتحرر بهذا القدر أو ذاك من الصيغ الكلية الجامدة، صارت متوفرة إلى حد كبير لإدارة مثل هذا النقاش والجدل..)).
نقول: هل الموضوع نقاش وجدل..؟! ولكن نحمد الله أن هناك الآن تفتحاً عقلياً ونضجاً سياسياً وفكرياً.. وتحرراً من الصيغ الجامدة بهذا القدر أو ذاك..

يقول: ((إن البيروسترويكا وعملياتها في الإتحاد السوفيتي كسرت الحاجز النفسي الذي كان يقود إلى التهيّب في مناقشة الأطروحات النظرية وظهرت العديد من الصيغ الفكرية التي توفر الغطاء النظري للبحث.. بالإستناد إلى منهج التحليل الجدلي – التاريخي دون أن تكون هناك خشية من الإصطدام بالمقولات النظرية.. وبطبيعة الحال فإن تجربة الثورة في اليمن الديمقراطية – تلح هي الأخرى بطرح جملة من المسائل النظرية والسياسية والبحث مجدداً وبمنهاجية علمية مستندة إلى روح المنهج الديناميكي التاريخي في طبيعة الظروف بمستوى التطور الموضوعي اقتصادياً واجتماعياً…إلخ)).
نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.. حواجز نفسية!! وتهيّب من مجرد مناقشة الأطروحات النظرية!! ولا بد من غطاء نظري للبحث!! وخشية من اصطدام بمقولات نظرية!!.. في الحقيقة أنه صادق مع نفسه.. فلقد أصبحت المزايدة أسلوباً متبعاً.. ويخشون من مزايدة بعضهم البعض لأن لا رابطاً عقائدياً بينهم ولا يربطهم إلا التبعية للنظرية ولا عمل مشترك لمصلحة عامة تجمعهم بل كل يعمل لمصلحته ولمصلحة من يرتبط به.. لذلك لا يستطيعون قولاً مخالفاً للنظرة.. والحمد لله الذي منحهم فرصة الآن للنقاش والجدل.. ولكن دون الخروج عن النظرية الجديدة إلا بما تسمح به الخصوصية المحلية!!.

يقول: ((باعتبارها مرحلة انتقالية يجري فيها انجاز مهام التطور الإقتصادي والإجتماعي دون الوصول إلى الرأسمالية بل إن هذه المرحلة لها أفقها التاريخي المحدد بالأفق الإشتراكي وهذا ما يضمنه في الأساس وجود حزب طليعي من طراز جديد يسترشد بنظرية الإشتراكية العلمية…إلخ)).
نقول: ألم تكف تجارب عشرين عاماً لنكف عن هذا النقل الحرفي لمصطلحات ولنظريات، إن كانت تصلح لغيرنا، فهي حتماً لا تصلح لنا. فأين الطبقة العاملة العريضة التي يستلزم التطور الإشتراكي وجودها حسب النظرية الماركسية.. والتي تقود وتسيطر..؟! ستقولون ((نعمل على تهيئة الظروف الموضوعية لخلق طبقة عاملة))…إلخ. كما جاء في أحد تصريحات الأمين العام.
فهل يجئ ماركس بنظرية من أجل الطبقة العاملة وأنتم ستجيئون بالطبقة العاملة من أجل النظرية!! أي اختلال في الموازين هذا؟!.

يقول: ((إن دعوته للتعددية السياسية للقوى الوطنية الديمقراطية (أي اليسارية) تأتي في سياق مفهوم للإصلاح الإقتصادي والسياسي الشامل، كجزء من عملية الإصلاح هذه وليس كلها.. ولا تعني تراجع الحزب عن برنامجه وعن دوره القيادي وعن نهج التوجه الإشتراكي ومن الضروري الوقوف أمام جملة من المسائل المتعلقة بالوضع الداخلي في اليمن الديمقراطي والمتصلة بالقضية الوطنية اليمنية ونضال حزبنا من أجل إقامة تحالفات وطنية عريضة في الشمال.. والإتجاهات الجديدة التي يجري وضعها وتنفيذها في العديد من البلدان الإشتراكية وخاصة ما يجري في الإتحاد السوفياتي في ضوء البيروسترويكا))!!.
ونقول: كيف يكون إصلاحاً اقتصادياً وسياسياً شاملاً في ظل عدم تراجع الحزب عن برامجه ونهجه؟!.. إذن أين الإصلاح وأين الشمولية؟!.. في الحقيقة هذه الفقرة بداية مؤشر للهدف الحقيقي.. وهو ((إقامة تحالفات عريضة في الشمال)) ، ومجاراة نظرية في الجنوب لما يجري في البلدان الإشتراكية.

 

الأسباب الداخلية لإعلان التعددية السياسية!؟

ثم بدأ الأستاذ جر الله عمر.. يسرد جملة من الأسباب التي يبرر بها مطالبته الآن ((بالتعددية السياسية الثورية)) ويقتبس من ما أسموه ((الوثيقة النقدية للإنحرافات الإنتهازية اليسارية واليمينية التي رافقت تجربة الثورة)).
فيقول: ((إن التطرف اليساري بعد خطوة 22 يونيو مثّل نوعاً من عملية القفز فوق الواقع.. وأن التيار اليميني الإنتهازي قد ضيّق المجال أمام اتساع دور العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين واستخدم السلطة لخلق ظروف ملائمة لإنتعاش الفئات الطفيلية من البرجوازية وتقوية الصلات مع السوق الرأسمالية…إلخ)),
ويضيف كلاماً مطولاً حول انحراف يسارهم ويمينهم وما سبّبه من أضرار فادحة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.. وأنها ((ضاقت مساحة التحالفات وامتد هذا الضيق ليشمل الطبقة العاملة والكادحين.. واستثار التياران الإنتهازيان اليميني واليساري النعرات القبلية والمناطقية المتخلفة.. وضاقت قاعدة الثورة الإجتماعية.. وسادت الشكلية في عمل الحزب والمنظمات الجماهيرية.. واستحكام البيروقراطية في كل شيء إلى المستوى الذي تحل فيه مصلحة الأجهزة محل مصلحة الشعب ومصلحة الفرد محل مصلحة الأجهزة)).
ونقول: تلك الصفات والإتهامات ليست من ألفاظنا وإنما ننقلها نصاً من ((وجهة نظر جار الله عمر)).. ومن وثائق الحزب الحاكم في “عدن”.. ففي زمن انحراف يمينهم الإنتهازي (كما أسموه).. كانوا جميعاً شركاءً في الحكم وفي زمن انحراف يسارهم الإنتهازي كانوا جميعاً يخططون له ويصفقون ويشجعون.. وعندما اكتشف الورطة التي أوقعوه فيها وفداحة الجرائم التي دفعوه إلى ارتكابها.. وبدأ يفكر في إمكانية عودته للعقل.. تآمروا عليه وصفَّوه ثم وصفوه باليسار الإنتهازي.. وأقاموا حزباً من ((طراز جديد)) كما أطلقوا عليه.. ثم أبعد عبدالفتاح إسماعيل. وهدأت البلاد والعباد لمدة أربع سنوات.. ثم أُعيد نتيجةً لبذور الصراع التي كانت قد بُذرت بين علي عنتر وعلي ناصر.. وبعد عشرة أشهر وخمسة أيام من عودته.. انفجر بركان 13 يناير.. وسمعنا صفات جديدة واتهامات أخرى بين الطرفين حتى أصبح طرف يُعرف بـ((الزمرة)) وطرف بـ((الطغمة)).
ومن جملة التناقضات الغريبة العجيبة أنهم يصفون المرحلة التي جاءت نتيجة حركة 22 يونيو بـ((مرحلة اليسار الإنتهازي)) التي مثّلت نوعاً من عملية القفز فوق الواقع، واستثارت النعرات القبلية والمناطقية المتخلفة، وبـ”الشكلية” في عمل الحزب والمنظمات.. واستحكام البيروقراطية.. وحلول مصلحة الأجهزة ومصلحة الفرد محل مصلحة الشعب.. ثم، ويا للعجب، يحتفلون بمناسبة حركة 22يونيو كل عام ويمجدونها!!.
ثم.. أليس القفز من فوق الواقع لايزال هو الأسلوب المتبع حتى الآن..؟.. سنأتي على ذكر الأدلة على ذلك.. تباعاً . أما ما تبقى من كلام الأخ جار الله في الفقرة أعلاه فهو خير شاهد لنا على منطق مطالباتنا لهم بإعادة النظرة الشاملة في كل التجربة.. وإن كان ذلك يحتاج إلى شجاعة.. وولاء وإخلاص للجنوب.

ويقول: ((إن اليمن الديمقراطية بلد نام ومتخلف ومن بلدان السبعة والسبعين الأكثر فقراً والأقل نمواً.. ومن مجموعة الخمسة والعشرين بلد الأشد فقراً وغالبية سكانه من الفلاحين، ولاتزال الطبقة العاملة فيه ضعيفةً كماً ونوعاً، وتكبله العديد من القيود والموروثات الإجتماعية والعقائدية والتقاليد المتخلفة)).
ثم يقول: ((ويظل على الدوام تحالف العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة والمثقفين الذي جدده برنامج الحزب الإشتراكي اليمني الذي لا يجب التراجع عنه بل يجب تطويره ليغدو معاصراً أكثر هو الأساس الصلب لأي تطور يحدث في البلاد في المرحلة الحالية)).
ونقول: البركة فيكم.. فالجنوب شعباً وأرضاً لديه كل المقومات والأسباب لأن يكون بلداً غنياً أقل تخلفاً وأكثر نمواً..ولكن كان المخطط أكبر من قدرته على مقاومته لأنه لم يدركه في حينه وبدأ يدركه الآن بعد الدمار والخراب.. وبعد أن تعاقب على حكمه ما أسميتموهم اليمين الإنتهازي (وإن كان بريئاً من كثير مما نسبتوه له لأنه لم يُعط الفرصة والوقت..) واليسار الإنتهازي والزمرة والطغمة.. إلا أنني أسأل نفسي دائماً عن إسم المرحلة من 1978م إلى 1980م.. فهي المرحلة التي لم تُعط لها أي صفة وكأنها المرحلة الوحيدة التي لم يكن فيها انتهازية أو انحراف أو زمرة أو طغمة.. وتبدو وكأنها مرحلة ((الطهارة والعفة والمُثُل الثورية)).. كيف لا.. ومن كان على رأسها أسميتموه بـ((النبي)) ويُقام له مولد كل عام؟؟ – بل أسماه بعضكم ((إله)) جريدة 14 أكتوبر في:11/2/1986م… إنها مرحلة من ((طراز جديد))!!.
أما كون غالبية السكان من الفلاحين، والطبقة العاملة ضعيفة كماً ونوعاً، فهل يعرف الأخ جار الله أن الإنتاج الزراعي تدنى كماً ونوعاً إلى دون الـ50% مما كان عليه قبل تطبيق النهج من ((طراز جديد))؟!.. وهل يعرف المدى الذي تدنت إليه الحالة المعيشية للفلاحين.. في ظل حكومات الكادحين؟!.
أما موروثات شعبنا الإجتماعية والعقائدية وتقاليده الطيبة لا يمكن أن تكون قيداً بل هي التي حاولتم تحطيمها والقضاء عليها.. وبها سيستطيع شعبنا إعادة بناء حياته اجتماعياً وأخلاقياً واقتصادياً.. ويكفي انتقاصاً من عقيدتنا وقيمنا.. فذلك ما لن يستطيع شعبنا السكوت عليه بعد الآن.
ولقد تكرر تركيزكم على التحالف بين العمال والفلاحين…إلخ..
وتلك المقولات المنقولة حرفياً والتي سئمتها الناس.. بل إن أكثر من سئمها هم العمال والفلاحون.. لأنها لم تجدهم نفعاً.. ولم توفر لهم القوت الضروري.. ولا وسائل الحياة التي يعيشها الإنسان الذي يستقبل القرن الواحد والعشرين فتلك مقولات العقود الأولى من القرن التاسع عشر.. لظروف مختلفة ومجتمعات مختلفة وأسباب مختلفة.. وتطوير هذا التحالف النظري ، ((ليغدو معاصراً أكثر)) (على الموضة)،.. لن يجدي نفعاً لأن الفكرة من أساسها غير معاصرة.. بل متخلفة وتعكس صراعات عصور مظلمة في أوروبا ليس لها شبيه عندنا في هذا العصر.. فالمشكلة أنكم حفظتم نتائج التحاليل للفكر الماركسي بما يستخلصه من نتائج وثوابت وسُبل لمعالجة هموم وأوجاع عاشها عصره وفي بيئته.. وأردتم أن تستخدموا نفس العلاج لهموم وأوجاع مختلفة تماماً.. وفي عصر آخر وبيئة أخرى.. دون دراسة للبيئة والعصر والدوافع التي أحاطت بانجلز وماركس وغيرهما من المنظّرين.. ولا للبيئة والعصر الذي نعيش فيه والدوافع التي تحيط بنا.
نعم إن التجارب الإنسانية متشابكة.. وأنه لا بد لنا من دراسة التجارب الإنسانية.. والتأثر بها ولكن أيضاً التأثير فيها وأن نأخذ منها بقدر حاجتنا.. وما يناسب مجتمعنا وبما لا يتعارض مع معتقداتنا.. أما أن ننقل حرفياً ونتبع كل ناعق فتلك قاع التبعية.. فنحن رجال وهم رجال.. وقبل ذلك وبعده يقول المثل ((ما حد يبدل ابنه بجني)).. ولدينا ما يغنينا فكرياً.. ولكننا:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ **** والماء فوق ظهورها محمول

ويقول: ((إن اتخاذ بعض الإجراءات المتطرفة في الميدان الإقتصادي قد أضر بمصالح بعض فئات التحالف وجرى ضمها القسري قبل الأوان.. مما جعلها تبحث عن أدوار جديدة لها للتعبير عن مصالحها ورؤاها السياسية والفكرية وحيث يحكم الحزب الواحد أدى ذلك إلى:
1) التحاق بعض هذه الفئات الحليفة بالحزب بدون قناعة ببرنامجه.. وبدافع المنافع والتوظيف…إلخ.
2) بقاء الروح الفصائلية داخل الحزب لأن التحضير للتوحيد لم يكتمل وينضج.. غير أنه كان ينبغي أن يُفهم أنه توحيد للماركسيين فقط. ولا يمنع بقاء القوى الأخرى في موقع الحليف.. وهنا كان استبعاد الناصريين والبعثيين عملاً مضراً بالتحالفات.
3) لقد كان ذلك أحد الأسباب السلبية.. وأمام عدم إمكانية التعبير عن التنوع السياسي والأيديولوجي في إطار معسكر الثورة كان الذين يمكن أن يكونوا جزءاً من القوى الحليفة أمام خيارين : إما الإنتماء الشكلي للحزب أو المعارضة للتجربة من أقصى اليمين.
4) تأثرات بنية الحزب ونقاوتها الفكرية والتمثل الحي والديالكتيكي للفكر الماركسي – اللينيني بكثافة الأيديولوجيات التي غزت الحزب وغزت نزعات الإنحراف اليسارية المغامرة واليمينية الإنتهازية.
5) وجود اصطفاف عريض معاد للنظام من الوسط واليمين.
6) غياب التعدد المشروع لقوى تحالف المرحلة ساعد على طغيان الجمود الفكري والجدب الأدبي والثقافي وشاع اللون الواحد من القيم الروحية التي لم تزدهر لإنعدام القيم المقابلة.. والتي تزدهر بالجدل.. لأن ذلك هو وحده الذي يمكّن الأفكار والقيم الإشتراكية من إبراز قوتها وأفضلياتها واختبار قوة تأثيرها على الناس واستظهار متانة منطقها وقدرته على الإقناع.
7) لقد أدى الإخفاء القسري للمعارضة والنقد من خارج الحزب إلى أن تنتقل إلى داخله. في حين أن النقد من خارج الحزب سيكون محكوماً بمفاهيم تحالف المرحلة..
8) تضافر هذا الوضع الداخلي مع ضغوط القوى المعادية وسمح لها بممارسة تأثير أكبر من قدراتها التنظيمية والدعائية..
9) أدى استبعاد الرأي الآخر الذي يعمل على قاعدة المرحلة وقواها ومهامها إلى التقليل من شأن النظرية والصراع الفكري والثقافي وإحلال العنف كوسيلة وحيدة لحسم الخلاف. وأحرم الحزب من الإطلاع على رأي فئات واسعة من المجتمع تؤيد بعض توجهات النظام وتعارض بعضها الآخر.
10) أسهم انعدام الرأي الآخر والتعددية الثورية في بعث بعض القيم القديمة.. خاصة أن القيم الثورية الجديدة لم تجد المناخ الحي كي تترسخ في حياة الناس.. بما يؤكد قوتها وأفضليتها.
11) ساعد الضيق بوجود الآخر على سيادة مفهوم الحلولية محل الآخر فظاهرة الزعيم الفرد حلّت محل القيادة الجماعية والحزب.. والآن لا ينبغي أن يحل الحزب محل الطبقة أو الطبقات الثورية.
12) التعددية هنا تأتي منسجمة مع طبيعة الثورة الوطنية الديمقراطية التي تمر بها البلاد.. فالديمقراطية تعني تساوي الناس في الحقوق والواجبات وتوفير قدر لائق من العدالة… كما أنها تعني اشتراك القوى الأخرى الحليفة مرحلياً، وسياسياً، وعدم السماح بالتفسير الجزئي لها، الذي أضر بقضيتها وخرج على مفهوم مقولتها.
…. إن الديمقراطية ليست مرادفة للفوضى… وكل امرئ في ظلها مسؤول عن ما يقول ويفعل… وينبغي أن يكون السماح بإصدار صحف مستقلة جزء من اجراءات المرحلة الأولى للإنتقال الديمقراطي.
13) عدم العثور على صيغة للمشاركة في صياغة القرار السياسي أدى إلى استعار الصراعات الداخلية في الحزب.. وحرمان بعض القوى الأخرى من المشاركة تحولت إلى قوة ضغط على الحزب من خارجه.. تؤجج الخلافات الناشئة داخله..
كما أن غياب هذه الصيغة أظهر إشكالاً من الناحية الوطنية، إذ أن بعض محافظات الجمهورية تكون مستبعدة من المشاركة في القرار في بعض الفترات والآن يمكن القول أن العاصمة مستبعدة ، فـ”عدن”، يوجد لدى أبنائها إحساس بالغبن بسبب ذلك.. ولا حل إلا بالديمقراطية لقوى الشعب المنتجة وصاحبة المصلحة في الثورة…إلخ.
14) تطور التجربة البرلمانية الحالية بحيث يتحول مجلس الشعب الأعلى إلى مجلس برلماني.. ومن المهم بهذا الصدد اشراك ممثلي الأحزاب المعنية بالتعددية الثورية وبعض الشخصيات المستقلة ذات الوزن الإجتماعي والثقافي في المجلس البرلماني وفي الحكومة والسماح بالمعارضة العلنية في المجلس.
15) وبقدر ما أن الديمقراطية مطلوبة خارج الحزب، فإنها مطلوبة داخله وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق إعادة النظر في الفهم الخاطئ لمبدأ المركزية الديمقراطية، ورد اعتبار المضمون اللينيني له.. فمبدأ المركزية الديمقراطية صار يُختزل في المركزية وحدها.
16) إنه من أجل توطين الماركسية داخل الحزب فلا بد من مزيد من القراءات في التاريخ والثقافة الوطنية والقومية وأن تُعرَّب جميع المصطلحات بما في ذلك تغيير أسماء مثل السكرتارية والدائرة الأيديولوجية ليصبحا أمانة اللجنة المركزية ودائرة الإعلام والثقافة!!!.
17) مناقشة إمكانية إلغاء الدوائر والوظائف داخل الحزب التي تبدو تكراراً لبعض الوزارات وتؤدي إلى الإزدواجية.

ونقول في ردّنا على تلك النقاط:
إن الإجراءات المتطرفة قد أضرت بمصالح كل الشعب بكل فئاته وليس بمصالح فئات معينة.. لا لأن الضم القسري جرى قبل الأوان.. ولكن لأنه ضم.. ولأنه قسري بصرف النظر متى يتم.. وليس هناك أوان مقبول للقسرية والتعسف.
كما أن الأوحدية في الحكم والرأي والفكر هي أس البلاء.. ولنناقش ما أدت إليه من وجهة نظر جار الله عمر:
1- لم يلتحق بالحزب فئات حليفة بدون قناعة وبدافع المنافع والتوظف فحسب، وإنما دخل في الحزب كل من أراد أن يصل دون أن يملك المؤهلات المعقولة للوصول في أي نظام سوي ودخل كل من أراد أن يمارس الإنتقام من أعداء شخصيين أو قبليين ودخل في الحزب كل من حمل حقداً أو غلاً.. ودخل في الحزب كل هارب من الشمال لأسباب سياسية أو غير سياسية.. وأصبح خليطاً من الناس وخليطاً من التناقضات في التطلعات والأهداف والدوافع.
2- توحيد ما يُسمى بالفصائل في اطار ((حزب من طراز جديد)) تم قسراً.. وكما دخل الحزب أفراد لأغراض خاصة دخلت الفصائل أيضاً لأغراض خاصة.. وكان الجميع يحفظون المقولات الماركسية ويرددونها.. وكان ذلك أيضاً عاملاً أساسياً من عوامل الإنفجارات والإنشطارات كما أنه تعميقاً وتجذيراً لإنفصال الشطرين وعائقاً أساسياً لأي وحدة.
ولم يكن استبعاد الناصريين والبعثيين (العراق) هو العمل المضر الوحيد وإنما استبعاد الشعب في الجنوب كله بكل فئاته هو الذي شكل عائقاً للتطور والنماء..
فالأخوة البعثيون والناصريون محدودو العدد في الجنوب ومحدودو الأثر طوال تاريخ الجنوب النضالي ومعظمهم من الأخوة أبناء الشمال وإن كان الناصريون قد نشطوا في الجنوب وأثروا في الفترة من يناير 1966م إلى نهاية 1967م.
3- في إطار المعسكر الواحد –كمعسكر الثورة كما أسماه الأخ جار الله– لا يوجد تنوع أيديولوجي.. والمشكلة أن الأخ جار الله، وكعادة الماركسيين – يبحثون عن حلفاء مراحل وبإنتهاء كل مرحلة يتغير الحليف وتتم تصفية حليف المرحلة السابقة.. سواء على مستوى الأحزاب أو الأشخاص أو حتى على مستوى تقسيمهم لفئات الشعب.. فهم ينادون بتحالف الطبقة العاملة مع فئات الفلاحين والمثقفين الثوريين والصيادين والبورجوازية الصغيرة…إلخ.. وفي حالة الجنوب ولعدم وجود طبقة عاملة عريضة كماً أو قوية نوعاً.. فهم ينادون بتحالفهم مع تلك الفئات.. وعند استكمال خلق الطبقة العاملة!! يطبقون ديكتاتورية البروليتاريا وينتهي ذلك التحالف!!! لذلك يعمد الواعون لتلك الحقائق إلى الإنتماء الشكلي (المرحلي) للحزب أو المعارضة من أقصى اليمين أو من أي موقع.
4- لم ((تتأثر بنية الحزب ويتباطأ تجذيرها والإستيعاب والتمثّل الحي والديالكتيكي للفكر الماركسي – اللينيني)) لتلك الأسباب… وإنما لأنها بنية أساسها هش وجذورها سطحية.. وفكر غير قابل للنمو.. فالذين بشروا به في الجنوب لم يفهموه والذين فهموه عافوه وتركوه عند أول فرصة.
5- إن الإصطفاف العريض الذي عادى النظام لم يكن ((لفشل النظام في إقامة التحالفات الملائمة لمرحلة الثورة الوطنية)) وإنما لأن النظام هو الذي عادى الجميع.. عادى الشعب، بكل فئاته، وصادر حق الناس في الإعتقاد والفكر والحرية والحركة..
6- لازال الأخ جار الله يصر على قوى تحالف المرحلة.. ثم ماذا بعد المرحلة؟!. إن غياب التعدد المشروع لكل القوى الوطنية الجنوبية هو الذي أدى إلى الجمود الفكري والجدب الثقافي والأدبي وشيوع اللون الواحد من القيم غير الروحية.. وإذا كان صحيحاً أن الأخ جار الله واثقٌ من قوة وأفضلية وتأثير ومتانة المنطق والقدرة على الإقناع للأفكار والقيم الماركسية ، فلماذا يصر على ما أسماه ((التعددية السياسية الثورية)) ولماذا لا ينادي بديمقراطية حقيقية يسمح فيها للجميع بالتعبير المتساوي عن أفكارهم ومبادئهم وقيمهم وعقائدهم وسيكون البقاء للأفضل.. أم أنه لازال يعتقد بوصاية ((من طراز جديد)) على الجماهير. فلماذا لا نحتكم جميعاً إلى الجماهير.. صاحبة الحق وصاحبة الأرض وصاحبة المصلحة؟؟!.
7- نعم.. نتفق مع الأخ جار الله في أن الإخفاء القسري للمعارضة والنقد من خارج الحزب الحاكم أدى إلى أن تنتقل الخلافات إلى داخل الحزب وبصورة مأساوية.
8- لا نتفق مع الأخ جار الله في هذا.. فالوضع الداخلي أضعف نفسه ولكن ساعدته ظروف خارجية لإضعاف معارضيه وتحجيم قدراتهم تنظيمياً ودعائياً وهم أقوى بكثير مما يظن الأخ جار الله.
9- نعم هذا صحيح ولكن ليس بسبب استبعاد الرأي الآخر الذي يعمل على قاعدة المرحلة وقواها ومهامها.. وإنما لإستبعاد كل رأي آخر بصفة عامة.
10- إن بعث القيم التي أسماها الأخ جار الله ((قديمة)) لم يكن لإنعدام التعددية الثورية.. ولكن لأنها قيم أصيلة وراسخة في وجدان الجماهير.. ولم تكن التعددية الثورية لتنتـزعها من القلوب ولا لتستطيع فصلها عن الوجدان.. لأنها قيم تتفق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
11- نحن نتفق مع الأخ جار الله مع معظم ما جاء في هذه الفقرة.. عدا أن الحزب لا ينبغي أن يحل محل الشعب، لا الطبقة أو الطبقات الثورية فقط.. ولا ينبغي أن يدعي الأوحدية ولا ينبغي أن يحل محل كل الأحزاب الأخرى أو يدعي أنه الأفضل أو أنه القائد أو الممثّل والمعبّر الوحيد الأوحد عن الجماهير.. فهذا الإدعاء كما أسلفنا هو أس كل بلاء.
12- ما ورد في هذه الفقرة جديد على الفكر الماركسي وعلى ((طبيعة الثورة الوطنية الديمقراطية)) حسب التعريفات والصفات الماركسية اللينينية لها، فالديمقراطية التي ينادون لها أصلاً هي ((الديمقراطية المركزية)) أي في أطر القيادات الحزبية في الحزب الأوحد،.. ونتفق مع ما جاء من جديد في هذه الفقرة طالما تحقق لجماهير الشعب السيطرة على مقاليد الحياة السياسية والإقتصادية في البلاد.. وتجعل الإجراءات الإجتماعية والثقافية في خدمتها. ونتفق معه في كثير مما نقله من معاني الديمقراطية إذا كانت لا تعني اشتراك القوى الأخرى الحليفة مرحلياً فقط وذلك هو التفسير الجزئي بعينه.
13- نعم عجز الحزب الحاكم عن إيجاد صيغة للمشاركة في صياغة القرار السياسي من داخل الحزب الحاكم وبالتالي عجز الحزب الحاكم عن إيجاد صيغة للمشاركة مع غيره من الهيئات والأحزاب الوطنية الأخرى مما حوَّلها إلى أدوات ضاغطة من خارج الحزب.. خاصة وهي تختلف مبدئياً مع منهج الحزب الحاكم.. أما استبعاد بعض محافظات الجمهورية عن المشاركة في القرار في بعض الفترات، ولكون الحزب الحاكم لم يمثّل تطلعات وآمال ومصالح الجماهير على امتداد أراضي الجمهورية، فإن ذلك كان من أهم أسباب انفجار الصراعات المناطقية داخل الحزب.. لأن التنافس على الإمتيازات والقيادات كان يعكس مصالح مناطقية داخل الحزب لا خارجه.. ولو كانت تلك القيادات تمثّل إرادة الجماهير كلها ومصالحها لما نمت الحساسيات المناطقية داخل الحزب. والإحساس بالغبن لم يقتصر على “عدن” وحدها.. بل شمل الجنوب كله.. فهناك محافظات ليس لها وجود يُذكر في الحزب أو السلطة منذ الإستقلال وهناك مديريات هامة مهملة في المحافظات التي لها وجود في الحزب والسلطة.. فأين “شبوه” وأين “أبين” وأين “المهرة”.. وأين مديريات هامة في “حضرموت” و”لحج”؟!.. إن طرح الأخ جار الله للموضوع بهذه الصورة هو مساهمة مدروسة لإذكاء الروح المناطقية والصراع المناطقي من ناحية ولإستعطاف أبناء “عدن” من ناحية أخرى رغم أن “عدن” وأبناءها قد تعرضت لأكبر ظلم واضطهاد منذ الإستقلال فلم نسمع صوتاً معترضاً.. فأين أبناء “عدن”؟! إن معظمهم في المهجر.. ولم يبق إلا قلة منهم في “عدن” وأكثرهم إخوة من أصل شمالي.. لذلك حتى الأخ جار الله ((الأممي)) تضيق نظرته إلى الحدود المناطقية.. بل القروية.
14- مرة أخرى نقلاً حرفياً.. من تجارب الآخرين. ولكن نحن مع الديمقراطية وتحويل مجلس الشعب إلى مجلس برلماني.. ولكن للجميع . ولا أحداً معني بالتعددية دون أحد.. وما هذا التناقض؟! ((تعددية ثورية)).. ثم ((شخصيات مستقلة ذات وزن اجتماعي وثقافي))؟! وهل هناك وزن اجتماعي لأحد في الفكر الماركسي؟!. ليكن.. ومادام الأمر كذلك.. فلتكن تعددية لجميع الأحزاب والهيئات والشخصيات المستقلة الذين ساهموا في العمل الوطني ضد الإستعمار وقاوموه بأي وسيلة.. والذين قدموا التضحيات في كفاحهم ضد الإستعمار البريطاني.. إلا إذا كانت بريطانيا عند تسليمها السلطة للجبهة القومية قد اشترطت عدم اشراك من قاومها، بحق منذ البدء!!.
15- إن الأوحدية في الفكر والحكم.. تبدأ بنبذ قيادات الحزب بعضهم لبعض وادعاء كل فريق منهم بأنه الأوحد والأقدر والطليعي والمعبّر عن أصحاب المصلحة في الثورة والحزب.. وتنتهي بتأليه فرد.. وذلك ما شاهدناه في كل التجارب الماركسية بدءاً بلينين ومروراً بستالين وانتهاءً بعلي ناصر في الجنوب.. ولولا أننا في مطلع عصر ((جورباتشوف)) لاستمر الجنوب على الطريق اللينيني – الستالني.
16- هنا يصل الأخ جار الله عمر إلى كشف الحقيقة.. وهي نيتهم في أن يغالطوا ويخادعوا شعبنا في الجنوب بل في المنطقة العربية كلها.. فهو يدرك بعض ظروف المرحلة الجديدة التي لا مكان فيها إلا لكل ما هو وطني وعربي (وأهمل : إسلامي).. ويريد أن يلبس الماركسية ثوباً عربياً.. فينادي بتوطين الماركسية داخل الحزب!! كيف؟! بتعريب المصطلحات الماركسية لتبدو أمام الناس أنها عربية لا أجنبية.. تغيير في الشكل وتعميق للمضمون.. ﴿يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون﴾ صدق الله العظيم.
17- ذلك اقتراح يضعه بهدف كسب وزارات ومناصب حكومية إضافية لجماعته.. ولأن المسؤول الحزبي أعلى من المسؤول الحكومي.. ولأن مسؤولي الدوائر والوظائف داخل الحزب هم الذين سيتولون الوزارات والوظائف الحكومية لو تم قبول هذا الإقتراح.. ومنهم من ينتمون لـ((حوشي)) حزبياً أو مناطقياً.. أو يتعاطفون معه. وبذلك يكسب لـ((حوشي)) مناصب أكثر.
ينتقل الأخ جار الله إلى سرد جملة من أسباب مطالبته بـ((التعددية الثورية)) على صعيد ما أسماه بـ((القضية الوطنية اليمنية.. أي، كما سيتضح، على صعيد الشمال)).. فالقضية الوطنية اليمنية، في نظر اليساريين، تعني قضية الشمال.. عملاً بقول الدكتور عبدالحافظ نعمان عضو القيادة القومية لحزب البعث (سوريا) عندما قال لمجلة الشراع عدد(293) في:2/11/87م ما نصه: ((إن الشمال هو الوطن والجنوب ملحق به))!!!.
كما أن جار الله عمر عندما قَسَّم أسباب إعلان التعددية السياسية الثورية في ((وجهة نظر)).. فقد قَسَّمها إلى أسباب داخلية (( “أي على صعيد الجنوب” وأسباب على صعيد القضية الوطنية اليمنية)) أي على صعيد الشمال.. ففي نظره هو أن الأسباب الداخلية (على صعيد الجنوب).. لا تختص بـ((القضية الوطنية اليمنية)) فهو يتفق في طرحه هذا مع الدكتور عبدالحافظ نعمان من أن الشمال هو الوطن والجنوب ملحق به.. وإلا فالأكثر صواباً ووحدويةً أن يقسم الأسباب إلى:
أسباب داخلية: أ) شمالية .
ب) جنوبية.
لكن وهو المسؤول الشمالي عن فرع الحزب الإشتراكي اليمني، يُقسِّم الأسباب إلى : أسباب داخلية(أي تخص الجنوب).. وأسباب (على صعيد القضية الوطنية اليمنية).
أبعد هذا يتهموننا نحن بالإنفصالية.. والله لو كان الأمر لنا لكانت وحدة قد تمّت بين “صنعاء” و”عدن”.. أو على الأقل لساد العلاقات الود.. أو في أدنى الحالات لما تقاتلنا في كل موسم.
ثم فليقل لنا الأخ جار الله عمر.. من صاحب فكرة ((جمهورية اليمن الأوسط)) التي يُراد لها أن تضم اليمن الأسفل ومحافظة “لحج” ومحافظة “عدن” والسهل الساحلي من محافظة “أبين” حتى “العرقوب”؟!! إذا لم يكن يعلم ذلك الأستاذ جار الله: وأنا واثق أنه يعلم، فليبحث مع الرفاق في ملفات هيئة الرئاسة بـ”عدن”: إن كانت لم تختفِ بعد تصفية سالم رُبيّع: وفي ملفات جهاز أمن الدولة، إن كانت لم تختفِ مع خروج محمد سعيد عبدالله (محسن) من أمن الدولة:.. وسيجد تقريراً مقدماً إلى سالم رُبيّع مؤرخ في:5/12/1977م.. ومقدم من أحد المقربين إلى سالم رُبيّع عن جلسة خاصة جداً جداً..، يرسل فيها الكلام على عواهنه!! في مدينة “سيئون” وضمّت كاتب التقرير وعبدالعزيز عبدالولي ومحمد سعيد عبدالله (محسن).. وآخرين.. ودار فيها الحديث عن مشروع جمهورية اليمن الأوسط.. وحدودها.. وآمالهم في انجاز هذا المشروع الحلم بقيادة الرفيق عبدالفتاح…إلخ. وعندما استلم رُبيّع التقرير أحال صورة منه إلى محمد سعيد عبدالله (محسن)!! وكأنه يريده أن يعلم.. أنه يعلم!!.
ثم يأتي من يتكلم عن الوحدة ويتهم الوحدويين الحقيقيين بالإنفصالية!! ذلك بعينه هو الإختلال في الموازين والمقاييس ومحاولة لطمس الحقائق والحرث في البحر.
وعندما ننظر إلى أسباب دعوة الأخ جار الله عمر ((للتعددية السياسية الثورية)) على ((صعيد القضية الوطنية اليمنية)).. ستظهر لنا ملامح جديدة تؤكد أن بعض أهل اليسار من إخواننا الشماليين الذين شاركوا في صنع مأساة الجنوب.. ينظرون إلى الجنوب وإلى من شايعهم من أبنائه كأداة لتحقيق مآربهم المناطقية في الشمال والجنوب..
ولتحقيق أحلامهم المنطلقة من أهداف ذاتية.. ولو كان على حساب قصيري النظر ممن شايعهم من أبناء الجنوب الذين في سبيل استمرارهم في السلطة في “عدن” عميت عيونهم وقلوبهم عن رؤية حقائق الأمور..
ولنتابع ((وجهة نظر جار الله عمر)):

 

أسباب على صعيد القضية الوطنية اليمنية!؟

يقول الأخ جار الله:
((لقد أضرت الإجراءات الإرادية والأوامرية في توجيه مسار التجربة في جنوب الوطن، بالقوى الوطنية في الشمال، وأثرت إجراءات التأميمات المتطرفة على التحالفات في الشمال لأن مثيل الفئات، التي تضررت، في الشمال اتخذت موقفاً معادياً لليسار ثم جاء تكريس الحزب الواحد في المرحلة اللاحقة ليعمق هذه الأضرار والتي تعدت تأثيراتها على التجربة في الشطر الجنوبي، إلى القضية الوطنية اليمنية بأسرها)).
((إن استمرار فكرة الحزب الواحد في جنوب الوطن سبب رئيسي من جملة الأسباب والعوامل التي تعيق وتكبح قيام أية تحالفات عريضة في الشمال، يأخذ فيها حزبنا (يقصد حزب الوحدة الشعبية) دوراً قيادياً: أو شريكاً أساسياً.. لأن القوى التي نريد أن نتحالف معها كانت ولاتزال تنظر إلى نموذجنا في الجنوب: وترى فيه نموذجاً غير مستحب بل مرفوض من قبلها…إلخ)).
نقول: إذن فليس المهم أن تكون التجربة في الجنوب قد أضرت بأبناء الجنوب وشردتهم وفرقتهم ومزقتهم وقتلتهم.. (سكان الجنوب حوالي 266ر345ر2 نسمة حسب آخر تعداد ابريل1988م منهم 900 ألف في الغربة مشردين، حسب إحصائية الإدارة العامة لشؤون المغتربين المنشورة في مجلة نداء الوطن التي تصدر في “عدن” عدد(2) في أكتوبر 1988م والصادرة عن وزارة الثقافة والإعلام بـ”عدن”، وحوالي 400 ألف في الجمهورية العربية اليمنية أي أن المشردين أو المواطنين في الغربة 000ر300ر1 والغرباء في الوطن حوالي مليون، هذا عدا الجنوبيين المتجنسين بجنسيات أخرى وعدا الجنوبيين غير المسجلين لدى الإدارة العامة لشؤون المغتربين).. ولا يوجد نظام في العالم شَرَّد أكثر من 60% من السكان سوى النظام الفريد والنموذج الرائد في الجنوب.

ثم ألا يقرأ زملاؤه حكام “عدن”؟!.. وإن قرأوا ألا يفهمون؟!..
الرجل يقول بصريح العبارة أنكم سبب رئيسي لفشل حزبه في الشمال.. وأن تجربة الجنوب أضرت بالقوى الوطنية في الشمال.. وأثرت التأميمات في الجنوب على التحالفات في الشمال.. فرغم أن الحزب الواحد من ((طراز جديد)) لم يقم أصلاً إلا لإيجاد مخرج لإستيعاب ((حوشي))، ولـمّا أصبح استمرار ((حوشي)) كشركاء في حكم الجنوب وتقرير مصيره أمراً مرفوضاً وشاذاًَ، أصبحت فكرة الحزب الواحد عندكم سبباً رئيسياً لكبح وإعاقة قيام تحالفات عريضة في الشمال.. ونموذجكم في الجنوب غير مستحب بل مرفوض؟! أي أنه يحمّلكم مسؤولية فشل ((حوشي)) في الشمال.. ومحرم عليكم أنتم أن تقيموا تحالفات وطنية عريضة في الجنوب ومسموح لكم بتحالفات ضيقة فقط.. فهل تتعظون؟! يقول: لقد ساهم تأخير قيام تحالفات وطنية عريضة في شمال الوطن في خلق أرضية ملائمة لنشاط تيار الإسلام السياسي. وأن الطبقات الوسطى والصغيرة سعت إلى الإسلام السياسي والتحصن به كملاذ لها من مشروعنا الذي رأت فيه نفي لها، ولمصالحها وصارت تُعَوِّل على الإسلام السياسي في مجابهة الفكر الإشتراكي.. وترسخت قناعة لديها تقوم على أن منع خطر الفكر الإشتراكي لا يكون إلا بالدين : خاصة في ظل انحسار الفكر القومي.
لقد تقوى مركز الإسلام السياسي إلى درجة كبيرة وتزايد نفوذه، وتعاظم حجمه التنظيمي ووقعت بيده إمكانيات مالية وعسكرية كبيرة ويوسع نشاطه الجماهيري في أوساط الكثير من فئات السكان التي تأسرها المخاوف من اليسار.. وقد أدى ذلك إلى أن يصير الإسلام السياسي هو المشروع الثالث المطروح على الساحة اليمنية.. إلى جانب المشروعين الآخرين اللذين يتمثلا في مشروع نظام التوجه الرأسمالي من الشمال، والمشروع الوطني التقدمي الذي يرفعه الحزب الإشتراكي اليمني.. وأمام تعاظم تأثير وخطر المشروعين الأولين وقصور مشروعنا عن الوصول إلى الجماهير وضعف حجته في اجتذاب الحلفاء، صارت تتشكل وضعية في غير مصلحتنا ستؤدي إلى تثبيت الإنفصال أو إلى فرض أحد المشروعين (يقصد الإسلام أو الرأسمالية) بالقوة بعد استكمال تراكم الإنهاك الإقتصادي السياسي!!.
ونقول: ﴿ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ صدق الله العظيم.. ليس هناك إسلام سياسي وإسلام غير سياسي.. فالإسلام دين ودولة.. عبادة وتشريع ومنهج حياة.. وهو أسمى وأعظم من كل النظريات التي وضعها البشر لأنه جاء من رب البشر.. والتحالفات الوطنية العريضة التي تطالب بها للشمال.. لن تضعف تيار الإسلام.. لأن أبناء الشمال حكومةً وشعباً يدينون بالإسلام.. وإن سعت مختلف الطبقات إلى الإسلام للتحصن به كملاذ من مشروعكم، كما تقول، الذي رأت فيه نفياً لها ولمصالحها فذلك أمر طبيعي.. فالإسلام سفينة نوح.. تعصم من أي طوفان فكري لا يلبي مصالح الناس ولا الفطرة التي فطر الله الناس عليها.. والإسلام راسخ في قلوب أبناء شعبنا.. يبرز وينهض ويقوى ويقف سداً منيعاً في وجه كل خطر ومع كل الحق ((إن منع خطر الفكر الإشتراكي (العلمي) لا يكون إلا بالدين)).
والإسلام هو المشروع الأول والأخير لشعبنا.. لأن أي مشروع آخر بما في ذلك مشروعكم سيكون ((قاصراً)) عن الوصول إلى الجماهير ((ضيق القاعدة الإجتماعية ضعيف الحجة في اجتذاب الحلفاء)).. كما ذكرتم.

ويقول في معرض حديثه عن مشروعهم في الشمال:
((وبلا ريب فإن مشروعنا الديمقراطي التقدمي يمتلك الأفق التاريخي وهو أجدر بالنجاح.. من خلال تدعيمه باتباع طرق صحيحة، تقوم على تكوين كتلة تاريخية جديدة وتحالف عريض مرحلي للقوى الديمقراطية…إلخ)).
ويضيف: ((إن هذا يتوقف بدرجة أساسية على قدرتنا في تحويل المشروع التاريخي الذي يمثله النظام الوطني الديمقراطي في الجنوب إلى بروفة للمشروع التقدمي التاريخي على مستوى الوطن كله.. بما يؤدي إلى عزل اليمين وتبوء اليسار مكانة مرموقة في طليعة سائر القوى والفئات والشرائح…إلخ)).
ونقول: أولاً: أي أفق تاريخي هذا الذي يمتلكه مشروعكم؟! وأي كتلة تاريخية جديدة تلك التي ستدعمه؟! ما هذه الأوهام.. وهذا الطرح الذي يقوم على النقل؟ وما هذا الضجيج الكبير الضخم ((أفق تاريخي)).. كتلة تاريخية جديدة.. ثم مادام ((سيقوم تحالف عريض مرحلي لقوى المصالح المتفقة)) فماذا بعد انقضاء مرحلة المصالح المتفقة وأنتم في طليعة سائر القوى؟! هل ستعمدون إلى تصفيتها ليسود الحزب الطليعي ((من طراز جديد))؟ أليس ذلك هو أسلوبكم وطريقتكم.. في كل مرحلة الإنقضاض على حلفاء المرحلة السابقة؟! ثم ماذا؟.
إن ما يجري في الجنوب وما جرى.. ما هو إلا ((بروفة)).. أي يستخدمون الجنوب كحقل تجارب.. فإن نجحت البروفة، وذلك مستحيل، فيتم تعميمها على ((الوطن)) وإن فشلت أو جاءت بكوارث، كما هو حاصل، فضررها محصور في فئران التجارب.


لذلك نراه يستطرد ويقول:
((ولإعطاء مشروعنا هذا الطاقة على التأثير والقدرة على الجذب ينبغي إجراء الإصلاح الإقتصادي والسياسي الشامل ومراجعة أخطاء الماضي.. ووضع السياسات الجديدة التي تكون محل رضى وترحيب القوى المدعوة للتحالف وتأييد مشروعنا التاريخي وهذا لن يتأتى إلا من خلال رد الإعتبار لمصالحها الإقتصادية التي انتهكت قبل الأوان وضمان وصيانة حقوقها السياسية بما في ذلك امتلاك تعبيراتها السياسية الوطنية والديمقراطية العلنية والمشروعة واتخاذها كجزء من القنوات للعقل السياسي للجماهير وشكل من أشكال مشاركتها في إنجاز مهام وحدة الوطن ومرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية.. خاصة أن دولة الوحدة القادمة في اليمن، لن تكون دولة للحزب الواحد، أو للطبقة الواحدة)).
ويضيف: ((ما لم فستظل مصداقيتنا في الدعوة للتحالف معدومة وسيظل أولئك حلفاؤنا المرحليون، أسيري المخاوف يبحثون لأنفسهم عن مكان ما ودور ما في كنف النظام في الشمال الذي كما يبدو لايزال يراهن على عزل تأثيرنا على هؤلاء الحلفاء، وينافقهم نحو اتخاذ موقف مجابه لنا سياسياً وأيديولوجياً ومحاصرة وجودنا ونفوذنا في أوساط الجماهير.. ولكي لا يتواصل نجاح النظام في الشمال على هذا الصعيد لا ينبغي أن يُترك له فرصة أن يسبق إلى التعددية، وهي ورقة لا يجوز إغفال أن النظام في الشمال قد يلعبها)).
ونقول: إن الإصلاح، في نظرهم لا يهدف إلى تحقيق مصلحة الجماهير أو معالجة مشاكلها وتخفيف معاناتها.. وإنما يهدف لإعطاء مشروعهم ((الطاقة على التأثير والقدرة على الجذب)).. إنهم يدورون حول أنفسهم ومصالحهم.. وحتى من يعتبرونهم حلفاءهم فإن رد الإعتبار لمصالحهم الإقتصادية ينطلق من كونها ((انتهكت قبل الأوان)).. أما لو كانت قد انتهكت في مرحلة أخرى لا يحتاجون فيها إلى التحالف معها فذلك أمر مطلوب فانتهاك مصالح الناس بل حتى من يسمونهم حلفاءهم المرحليين أمر مشروع في مشروعهم شرط ألا يكون قبل الأوان.
وهو في هذه الفقرات، بل وفي كل ((وجهة نظره))، يركز همه الأساسي في كيفية نجاح البروفة في الجنوب وفي كيفية تأثيرها على مشروعه في الشمال.. ونراه يطالب لحلفائه المرحليين ((بأدوات التعبير العلنية المشروعة)) لتساهم في إنجاز مهام وحدة الوطن ((ولأن دولة الوحدة في نظره)) لن تكون ((دولة للحزب الواحد والطبقة الواحدة)).. وليستعيد مصداقية حزبه في الشمال.. ((وحتى لا يقوم النظام في الشمال بعزل تأثيرنا على هؤلاء الحلفاء)).. وخوفه من أن يتخذ هؤلاء الحلفاء موقف مجابهة سياسية وأيديولوجية لحزبهم في الشمال ومحاصرة وجوده ونفوذه في أوساط الجماهير.. وحتى لا يسبقهم النظام في الشمال إلى التعددية . والتعددية في نظر جار الله عمر ((ورقة)) يخاف أن يسبق النظام في الشمال في لعبها. ولا اعتبار للجماهير في الجنوب.. ولا اعتبار لمصلحة شعب أو مصيره.. فالمهم أن يقود ((الحزب الطليعي من طراز جديد)) سواء منفرداً أو ضمن تحالفات مرحلية.. أما معاناة الجماهير وحاجتها للغذاء والكساء والسكن ولحد أدنى من حياة الإنسان المقبل على القرن الواحد والعشرين فتلك مواضيع ومسائل ثانوية في نظرهم..
إن الإخوة في ((حوشي)) وباقي فصائل الجبهة الوطنية الديمقراطية، المتواجدين في “عدن”، قد ارتكبوا أفدح الأخطاء في الماضي.. من خلال محاولاتهم تسخير الأوضاع في الجنوب لمشاريعهم في الشمال.. وبذلك دخلوا ضمن القوة المتصارعة على السلطة في الجنوب ظنّاً منهم أنه عندما يدفعهم ذلك إلى مراكز القرار في الجنوب فإنهم بذلك يستطيعون إنجاح ((البروفة)) في الجنوب ثم نقلها إلى الشمال..
وكان المفروض أن يبتعد الإخوة الشماليون المتواجدون في “عدن” والذين شاركوا في صنع مأساة الجنوب عن الدخول في محاور الصراع على السلطة في الجنوب ولكنهم عوضاً عن ذلك، وبدلاً من أن يعملوا على تهدئة الصراعات، نراهم ينغمسون فيها ويعملون على تأجيجها في كل مراحل الصراعات السابقة سواءً ما كان منها موجهاً من السلطة ضد الجماهير أو ما كان منها بين أجنحة السلطة وبعضها.. ونلاحظ أنها استهدفت العناصر الجنوبية داخل السلطة وخارجها.. تصفية جسدية وتشريداً ومصادرة الممتلكات.. وللحقوق السياسية والإجتماعية…إلخ.
وحتى مرحلة أحداث يناير وعناصر اليسار من إخوتنا الشماليين في مأمن لم يصبهم سوء.. ولكن الإشتراك المباشر لعناصر ((حوشي)) في أحداث يناير أفقدتهم بعض عناصرهم.. كما أن وجود عبدالفتاح في المكتب السياسي ساعة انفجار الصراع أودى بحياته.. ولقد دخلت “عدن” و”صنعاء” في معارك، خاصة في 72 و79م، ولكنها كانت معارك أنظمة لم تؤثر على علاقات الجماهير الشعبية في “عدن” و”صنعاء”.. ولكن الدور الذي يقوم به الإخوة الشماليون في “عدن”، الآن، يجعلهم، ولأول مرة، في الصف الأول لأي صراع مستقبلي في الجنوب.. بل طرف رئيسي فيه، بينما كانوا في الماضي في الصفوف الخلفية، وأكثر ما نخشاه ويقض مضاجعنا أن يتحول الصراع ويتغذى على أساس شماليين وجنوبيين في “عدن”.. وقد يعتقد البعض، من أهل النظرة المرحلية القصيرة، أن ذلك سيوحد الجنوبيين، وهو ما نتمناه، إلا أننا لا نريد وحدة للجنوبيين لنفقد بها، وإلى عقود قادمة، وحدة أكبر وتلاحم شعبي بين أبناء الجنوب والشمال.. إننا نخشى ونحذر من “لبنان” آخر في “عدن”.. نتيجة لضعف القيادة الجنوبية في “عدن”.. وازدواج السلطة.. والسماح لحزب خاص بالشمال بالإشتراك في السلطة في الجنوب.. وسيقول البعض: ((وأن ذلك انطلاقاً من مبدأ الوحدة وتطبيقاتها)).. ولكن ذلك قفز على الواقع.. والتعامل مع الحلم والأمل وكأنه قد تم.. مما يؤدي إلى تصادم حتمي بين واقع معاش وتعامل مع أمل وحلم لم يتحقق بعد.. وبالتالي أعقنا وخربنا ودمرنا أي تنمية في ظل الواقع المعاش.. ودمرنا وأعقنا وخربنا سعينا إلى تحقيق الأمل والحلم.
ونحن لا نحمّل الإخوة اليساريين الشماليين في “عدن” والذين شاركوا في صنع مأساة الجنوب وحدهم مسؤولية هذا الخراب والدمار بل أن الجانب الجنوبي من الحكم يتحمّل مسؤولية أكبر.. نتيجةً لضعف وقصور رؤيته وانتهاجه منهجاً مخالفاً لعقيدته.. ومضاداً لمصالح شعبه.. وتحويل الجنوب إلى مقر وممر ومتنفس وحقل تجارب لكل عقد العالم وشواذه من كل حدب وصوب، عربي وغير عربي..، وتخدر الجانب الجنوبي بوهم ((التجربة الرائدة في المنطقة)) و((النموذج الفريد لحركة التحرر العربية)).. ((وإن تجربة التوجه الإشتراكي في اليمن الديمقراطية تتم بإسم كل الثوريين العرب..)).. وكلام كثير كهذا مضحك.. ضحك به الجميع على عقول عديمة الخبرة سياسياً ليتخذوهم مطية لعقدهم وأهوائهم ونزعاتهم وإلا لماذا يكون الجنوب حقلاً لهذه التجارب الخاطئة؟!.. أي نموذج قدم الجنوب سوى نموذج للخراب والدمار والقتل والسحل.. والجوع والخوف؟!.
ولننظر إلى النظام الوطني في “صنعاء”.. وإلى العقلية السياسية الواعية التي تدرك الواقع وتحدد الأولويات.. وتتعامل مع القضايا كدولة تحترم نفسها ومكانتها.. ولكنها تتعامل مع الواقع كدولة مسؤولة ومع الأمل والحلم كهدف استراتيجي مستقبلي تسعى لتحقيقه.. دون تصادم بين الأمل والواقع وإنما بانسجام عقلاني رائع.. فيقول الأستاذ الدكتور عبدالكريم الإرياني لمجلة الحوادث الصادرة في:18/3/1988م، وهو من دهاة السياسة اليمنيين ومعروف بالدماثة والحنكة، ومؤمن أيضاً بالوحدة اليمنية حتى العظم، يقول:
((أعتقد أنك على علم بوجود معارضة للشطر الشمالي مقيمة في “عدن”، وهي على درجة متطورة وراقية جداً، في وضعها الثقافي والسياسي والإقتصادي داخل الشطر الجنوبي، وأوضاعها متطورة جداً بالقياس مع أوضاع المعارضة الجنوبية المتواجدة لدينا.. طبيعة العلاقات بين الشطرين ربما تفرض هذا النوع من التعامل المختلف عن أنماط التعامل بين الدول الأخرى)).
ويضيف د.الإرياني في رده عن خصوصية التعامل بين الشمال والجنوب قائلاً: ((خصوصية هذا التعامل أنه حينما تجدون معارضة شمالية في الشطر الجنوبي تعلمون أنهم أعضاء في المكتب السياسي للحزب الإشتراكي اليمني الحاكم في “عدن” . في حين أن الأمر مختلف تماماً بالنسبة لنا في الشمال. فالإخوة النازحون من الشطر الجنوبي ممن يقيمون بيننا لا نتعامل معهم على مستوى السلطة السياسية في الجمهورية العربية اليمنية ولا نشركهم في قراراتنا السياسية على الإطلاق، ولا يتدخلون من بعيد أو قريب بهذا القرار ولا يرفعون أصواتهم في جلسة من الجلسات بنعم أو لا . في حين أن الوضع في الشطر الجنوبي، هو عكس هذا تماماً، والإخوة في “عدن” ليسوا بمنكرين هذا)).
ويضيف: ((أي تصريح لأي قيادي جنوبي نازح إلينا لا يعبّر عن رأي القيادة السياسية في الشمال، لكن مع الأسف الشديد أستطيع أن أطلعك على كتابات لمسؤولين في المكتب السياسي للحزب الحاكم في “عدن”، لا يعتبرون أنفسهم ممثلين للحزب الإشتراكي في “عدن” إنما يمثلون المعارضة ضد السلطة الحاكمة في الشمال، هؤلاء أعضاء في المكتب السياسي واللجنة المركزية أمثال جار الله عمر ويحيى الشامي وسلطان أحمد عمر والمرادي. سبعة أعضاء في المكتب السياسي. حزب الوحدة الشعبية هو المعارضة التي يتبناها الشطر الجنوبي لإقامة نظام شبيه بنمط الحكم القائم في “عدن”، هؤلاء كلهم شماليون، وإذا افترضنا أن لهم قوة سياسية فهذه القوة في الشمال وليست في الجنوب، في الوقت الذي تضمهم أطر المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الحاكم في “عدن”. هل سبق لكم أو الآخرين أن واجهوا حالة مستغربة كهذه؟! في حين أن القيادات الجنوبية المقيمة في “صنعاء” لا علاقة لها بالوزارات ولا بالمؤتمر الشعبي ولا بالإنتخابات. القضية ليست في اطار الفعل ورد الفعل.. العقل الجنوبي هذا بدا في عهد علي ناصر، صحيح كما قلتم، وليس من صنع القيادة الجديدة. القضية من سنة 1980م، عندما أنشئ الحزب الإشتراكي ثم أنشأ فرع الشمال أي حزب الوحدة الشعبية، وأدخل بالإنتخاب إلى المكتب السياسي)).
ذلك كان، ولايزال، خط “صنعاء”.. لأن في “صنعاء” دولة تحترم نفسها.. ورجال كبار يحافظون على مسيرة الوطن.. ويمنعون الإزدواج في السلطة أو التعبير عن مصالح متناقضة من خلال السلطة ولأنهم رجال يثقون في أنفسهم فإنهم يتصرفون بواقعية ومنطق.
ولقد بُلينا بتراكمات أكثر من عشرين عاماً في الجنوب.. ألِفَ فيها الأخ جار الله عمر، ومن سبقه ومن معه، مزاولة الإرهاب الفكري على المتهافتين على السلطة في “عدن”، من يمين رجعي إلى يسار انتهازي إلى يمين انتهازي وغير ذلك من التسميات التي أطلقوها.. ولذلك فإن أمام النظام في “عدن” الآن حاجزاً نفسياً عمره سنوات طويلة.. ويحتاج إلى شجاعة رجال وعزيمة مخلصين ينفضون عن عقولهم وقلوبهم هذا الإرهاب الفكري والحاجز النفسي ويبدأون في مواجهة الواقع بعقلانية ومنطق ويبحثون عن مصلحة الجماهير المنكوبة لا عن ((مشاريع تاريخية)) وهمية.


مناقشة لعوائق المشروع وسلبياته وإيجابياته!؟

أما الأخ جار الله عمر في وجهة نظره فينتقل إلى ما أسماه:
((مناقشة لعوائق المشروع وسلبياته وإيجابياته))
1] فيقول: ((يتبادر إلى أذهان بعض الرفاق أن السماح بالتعددية الحزبية سيؤدي إلى إحياء الأحزاب المعارضة القديمة التي تتصادم جذرياً مع نهج التوجه الإشتراكي بحكم طبيعتها الطبقية والمضمون الرجعي لأفكارها…إلخ..
إن هذه التعددية ستحيي لدى هذه القوى بعض الأمل فحسب.. لكنه لن يكون مسموحاً لها إعلان وجودها وممارسة نشاطها السياسي والدعائي…إلخ، إن مشروع هذه القوى قد سقط تاريخياً.. لأنه كان مشروعاً متداخلاً مع المشروع الإقطاعي السلاطيني الإستعماري وذا نزوع انفصالي.. ولم يكن يرمي إلى أكثر من قيام دولة جنوبية تكون جزءاً من الكومنولث)).
((ومفهوم التعددية الحزبية الذي ندعو إليه يقتصر مضمونه على التعددية الثورية أي ضمان حق النشاط العلني للقوى السياسية التي لم تكن جزءاً من المشروع الإقطاعي الكمبرادوري الإستعماري.. والتي ليس لها طبيعة انفصالية وتعمل من أجل تكريس التجزئة.. كما أنها تمثل بعض القوى الإجتماعية المدعوة للتحالف في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، لديها أفق علماني ونزوع ديمقراطي.. ولأنها تمثل فئات وسيطة، فإن الجزء الأكبر منها سيرتبط بتفاعلات العملية الثورية وسيجذب أكثر وأكثر نحو اليسار.. وستنمو ميولها الجديدة كي تغادر مواقفها السابقة إلى مواقف متقدمة فكرياً وسياسياً…إلخ)).
ونقول: يبدو أن الأخ جار الله عمر.. يعطي لنفسه حجماً أكبر من حجمه . فلقد نصب نفسه مدعياً وقاضياً.. ونصب نفسه مانحاً للوطنية ومانعاً لها.. يعطيها من يشاء ويمنعها عمن يشاء من أبناء الجنوب وهيئاته ومنظماته الوطنية.. فهو في الشمال لا شيء، منبوذ.. وكما يقول هو في وجهة نظره ((عاجز عن الوصول إلى الجماهير في الشمال منبوذاً منها.. فاقد مصداقيته ضعيف الحجة في أوساطها)).. أما في الجنوب فقد استأسدت الثعالب.. ونطق الخرسان وتطاول الأقزام.. على المناضلين الحقيقيين من أبناء الجنوب الذين كافحوا الإستعمار البريطاني والتجزئة في الجنوب.. والذين قدموا مواكب الضحايا ودمرت منازلهم بواسطة قوات الإستعمار.. ونفوا وشردوا وسجنوا.. ويأتي اليوم من لم يقدم للجنوب أو الشمال إلا الخراب والدمار.. ومن يجهل حتى التاريخ القريب للجنوب وحركته الوطنية.. يأتي ويحكم بالرجعية والإنفصالية.. ويعطي الحقوق السياسية والوطنية ويمنعها.. ويحيي الأحزاب الوطنية ويميتها..
آن الأوان لنقول للأخ جار الله عمر ولمن ينتهج نهجه ويسير على خطاه.. إن أبناء الجنوب في معظمهم وطنيون مخلصون لبلادهم وأن الحركة الوطنية في الجنوب ليست بحاجة إلى شهادة منك بالوطنية.. فالتاريخ كفيل بذلك.. وأن أول من قاد الحركة الوطنية ضد الإستعمار البريطاني والتجزئة المتمثلة في الجنوب وممن تسميهم ((بذوي الطبيعة والنـزوع الإنفصالي)).. هم أكثر وحدوية من الذين أقاموا الحروب والمجازر بين “عدن” و”صنعاء” وتسببوا فيها.. وهم الذي حاربوا فصل “عدن” وانضمامها للكومنولث وأفشلوا هذا المشروع البريطاني.. وهم الذين رفضوا ما قبله غيرهم من عروض الإستعمار البريطاني.. ولم يكن في تاريخ الجنوب مشروع إسمه ((قيام دولة جنوبية تكون جزءاً من الكومنولث)) ولكنه الجهل بتاريخ الجنوب وحركته الوطنية.
وإن وجودنا عميق في ضمير شعبنا ولسنا في حاجة لأن تسمح لنا بإعلان هذا الوجود.. إننا جزء أساسي، أصيل ونظيف، من تاريخ الحركة الوطنية في الجنوب بل نحن أساس هذا التاريخ، أما السقوط التاريخي الحقيقي فهو لمشروعك.. الذي ترفضه الجماهير والذي تتحايل بالمطالبة بالتحالف مع آخرين، لمرحلة، لتضمن أي قبول من الجماهير له.
أما اتهامات الرجعية والإقطاع.. والعمالة للإستعمار والإنفصالية.. فلم يعد شعبنا يأبه لها.. فلقد عرف من هم الذين تنطبق عليهم تلك الصفات.. ونترفع عن الدخول في هذا النوع من المهاترات، رغم وجود الأدلة والبراهين، لأن شعبنا قد عرف.. فلقد ظلمتنا وسائل الإعلام.. وانخدع بها شعبنا فترة من الزمن ونحمد الله أن شعبنا قد أدرك الحقيقة.. وستتضح له أكثر وأكثر مع الأيام.. وعندما تنشر الوثائق الخاصة بمرحلة الستينات في الجنوب.. ستظهر حقائق مذهلة ولن يجد لها الأخ جارالله عمر ورفاقه مبرراً أو عذراً أو تفسيراً حتى في ((التفسير المادي للتاريخ)).. وحتى في نظريات ((المراحل)).
أما ديمقراطية ((التعددية الحزبية الثورية)) التي ينادي بها، الأخ جارالله عمر فهي ولا شك ديمقراطية ((من طراز جديد)).. مسكينة ((الديمقراطية)) كم بإسمها طغى الطاغون واستبد المستبدون.. وتقوَّل المتقوِّلون!!.
وهو عندما بدأ فقرته هذه بدأها.. بإلقاء الرعب في قلوب الرفاق من السماح بتعددية حزبية حقيقية.. وكأن هذا الخوف قد تبادر إلى أذهانهم.. فأوهمهم بذلك بينما أن العقل يقول أن تعددية حقيقية لا تستثني أحداً، هي صمام الأمان للجميع أرضاً وشعباً وأحزاباً.

ثم يقول جار الله..
[2] ((يتبادر إلى أذهان بعض الرفاق أيضاً أن التعددية ستؤثر على المكاسب التي تحققت للناس.. وهذا ظن ليس واقعياً.. لأن توسيع مجال النشاط السياسي الحر سيؤدي إلى أن تلتقي فئات وأوساط أوسع حول التجربة، وتدافع عنها وتذود عن منجزاتها.. لأنها ستدافع عن مصالحها وعن الحريات الديمقراطية التي فازت بها من ناحية أخرى.. خاصة وأن المشاريع الأخرى المطروحة على الساحة اليمنية، وخاصة في ساحة الشطر الشمالي، لا تضمن لها وجود هذه الحريات السياسية)).
ونقول: لا أدري إن كان الأخ جار الله عمر قادر على اقناع نفسه بما يقول حتى يقنع الرفاق.. لا أعتقد ذلك.. فالتناقضات واضحة في كل فقرة.. إنه يلغي الخوف من قلوب الرفاق ثم يحاول تثبيته.. إنه يسأل ويجيب بإسمهم..
أي مكاسب هذه التي تحققت؟! وأي ديمقراطية فازت بها الجماهير؟! أو ستفوز بها تحت ظل ((التعددية الثورية)) ثم ألا يناقض في هذه الفقرة ما قاله في فقرات أخرى حول الأخطاء وحول عزلهم عن الجماهير في الشمال نتيجة للتجربة الفاشلة في الجنوب.. ثم ما هي المقاييس التي يعتمدها الأخ جارالله عمر في تحديد ما إذا كان الناس قد كسبوا أو خسروا من التجربة؟! وما هو معنى الحريات السياسية في نظره؟! لو كان الناس قد كسبوا ولو كانت الحريات السياسية مكفولة لما وجد حوالي 60% من الشعب مواطناً في الغربة.. ولما قاسى الـ40% الغرباء في الوطن من شظف العيش ومذلة ديكتاتورية الحزب من ((طراز جديد)) حتى أصبح المواطن يجبر على أن يقدم وثيقة عقد الزواج لشراء فرشة اسفنج في “عدن”؟!.

ويضيف في مناقشته لعوائق المشروع وسلبياته وإيجابياته فيقول:
[3] ((ويتساءل بعض الرفاق، هل السماح للأحزاب القومية، سيؤدي إلى زيادة نفوذ بعض الدول العربية في اليمن الديمقراطية، كالعراق وسوريا وليبيا؟.
وفي حقيقة الأمر يمكن أن يؤدي إلى ذلك، ولكنها ستعيد لليمن الديمقراطية جسورها مع هذه البلدان، خاصة في ظل قيام تكتلات عربية قد تستخدم لعزل اليمن الديمقراطية.. وسيخفف هذا من درجة عدائها، وستتحول امتداداتها الحزبية إلى وسيلة ضغط لتحسين العلاقات بدلاً من توتيرها)).
كما أنه من الناحية الواقعية من الخطأ الإنتقال من الوطني إلى ما هو أممي دون الإشارة إلى ما هو قومي!!! ولأننا غير مرتبطين جغرافياً بالبلدان الإشتراكية فإن هذا الوضع يحتم علينا أن نقيم روابط في محيطنا العربي وتبنّي القضايا العربية، في إطار قواسم مشتركة مع الإتجاهات القومية، وإذا تهربنا من إقامة روابط مع البعث والناصريين، والدول القومية سنكون أمام ضغط الإرتباط بالقوى الأخرى في العالم العربي، الأمر الذي يتنافى مع طبيعة ثورتنا ونظامنا….إلخ)).
ونقول: إنه كالعادة يخيف الرفاق ثم يعمل على إزالة جزء من خوفهم دون إزالته كله.. ولنا على هذه الفقرة الملاحظات التالية:
(‌أ) إننا لسنا ضد وجود الناصريين أو البعثيين.. ولكن الشيء العجيب الغريب أن الهيئات ذات الصبغة الوطنية المحلية والإتجاهات القومية.. والتي تملك استقلالية منذ نشأتها والتي لم تستجلب معها نفوذاً لا عربياً ولا أجنبياً.. تلك يرفضها جار الله عمر ورفاقه.. رغم دورها في النضال الوطني وتضحياتها.. ولكي يبرر رفضه لها يأتي بسوط إرهابه الفكري على الرفاق.. متهمها زوراً بالرجعية والإنفصالية…إلخ.
(‌ب) إن ما هو عربي يأتي مع احتمال لنفوذ دول عربية بعضها مرفوض نهائياً وبعضها قابل للتخفيف ومقبول على مضض، وكمرحلة، ولأنه من الخطأ أن ينتقلوا من الوطني إلى الأممي دون الإشارة إلى ما هو قومي.. مجرد إشارة.. حتى لا يخطؤهم أحد.. لا عن إيمان بمصيرية الإنتماء القومي العربي!! كما أن عدم وجود حدود لهم مع البلدان الإشتراكية أجبرهم على إقامة روابط في المحيط العربي وتبنّي القضايا العربية في ظل قواسم مشتركة مع الإتجاهات القومية!! فهم يتعاملون مع العالم العربي لا كجزء منه ومن قضاياه وإنما في ظل روابط ومجرد تبنّي للقضايا.. كما تتبناها أي دولة أخرى في ظروف معينة.. هم ليسوا جزءاً من الكيان القومي العربي وإنما فقط تربطهم بعض القواسم المشتركة (المرحلة) مع الإتجاهات القومية!!.
(‌ج) إن خيار الأخ جار الله عمر لإقامة روابط مع البعث والناصريين ومع سوريا والعراق وليبيا هو من باب أهون الشرين في نظره وذلك حتى لا يكونون أمام ضغط الإرتباط بقوى عربية أخرى.. لكن وجود نفوذ وتبعية، لدول غير عربية أمر مقبول ومجال للتفاخر عند الأخ جارالله عمر ورفاقه لأنه مادام وجود أحزاب قومية سيؤدي إلى نفوذ دول قومية فحتماً وجود حزب أممي سيؤدي إلى وجود نفوذ أكبر بل وتبعية لدول أممية خاصةً إذا علمنا أنها أقوى وأطول باعاً من الدول العربية.

يقول:
[4] ((هل ستؤدي التعددية في ظل الظروف الإقتصادية السيئة وعدم استطاعة الحزب تلبية كل الحاجات المادية للجماهير، لأن تقوم هذه الأحزاب بممارسة الضغط ومحاولة الإنقضاض على سلطة الحزب الإشتراكي اليمني؟.. هذا السؤال له مشروعيته، بل ينبغي الإهتمام بالمخاطر التي يطرقها..)).
ويستطرد بعد أن يؤكد المخاوف بمحاولة لإزالة جزء منها وإبقاء الجزء الآخر كسيف مسلط على الرفاق، فهو الذي يملك الأجوبة لكل سؤال والحل لكل إشكال والأمان من كل خوف!!، وهنا تأتي أهمية الربط بين إعلان التعددية السياسية الثورية والإصلاح الإقتصادي السياسي الشامل،…إلخ.
((وإيجاد الضمانات التي تكفل الإستمرار في البناء وإصلاحه حتى النهاية..)) ((أما أن التعددية يمكن أن تؤدي إلى الإنقضاض على سلطة الحزب الإشتراكي اليمني فيمكن أن يكون العكس هو الصحيح.. فالكبت مع انعدام الحاجات المادية للناس سيؤدي إلى تراكمات من شأنها إضفاء الطابع الجذري للمعارضة..)).
((إن عدم وجود الأحزاب علناً لا يعني أنها غير موجودة.. فهي تمثل آراء وأفكار لا بد أن يعبر عنها بالضرورة، وسيكون ذلك التعبير خطيراً إذا ما ظلت تتراكم دوافعها في الخفاء، على النحو الذي حصل في الجزائر في الآونة الأخيرة)).
((ومن المفيد للحزب الإشتراكي اليمني أن يبادر هو وبسرعة قبل أن يرغم عن طريق مظاهرة، أو أعمال عنيفة أخرى أو تحت ضغط الظروف العربية والدولية المتغيرة يكون مضطراً بعدها لتقديم تنازلات أكبر.. وما أن يقدم النظام على الإنفتاح الديمقراطي على الأحزاب، التي يستطيع أن يتحاور بل ويتحالف معها حتى سيكون بمقدوره إظهار أن التوجه الإشتراكي قابل للتحقيق وقادر أن يقدم نفسه كنظام يلبّي حاجات الإنسان المادية والروحية في مجابهة الأنظمة الأخرى)).
ونقول: إن المخاوف التي يطرحها الأخ جار الله لا تضع حساباً لمصالح الناس ولا لمعاناة الجماهير ولا لتطلعاتها.. وإنما الحساب كل الحساب لسلطة الحزب الإشتراكي اليمني.. فهي الهدف وهي الغاية.. وهي المحور الرئيسي والفرعي وفرعي الفرعي بكل تفكيرهم وخططهم.. وكل فكرة تطرح أو مشروع يناقش أو خطوة تتخذ كل ذلك للتحايل المرحلي على الجماهير وعلى حلفاء المرحلة الذين يخشون من انقضاضهم على سلطة الحزب الحاكم.
ولذلك لا يملك إلا أن يضيف تناقضات أخرى في طرحه.. ويتخيل أن الصعوبات الإقتصادية هي التي يمكن أن يستغلها حلفاء المرحلة ((للإنقضاض)) ولذلك يورد كلاماً عن ((إصلاحات اقتصادية وسياسية شاملة)) بأسلوب العموميات الذي لا يخرج منه القارئ أو الباحث بأي شيء محدد.. بل تكرار لمقولات ومصطلحات منقولة وغامضة..
وفي الحقيقة أنه يجيد، أحياناً، تحديد نتائج الأخطاء والإختلالات والتشوهات ولكن، وكالعادة يخطئ في تحديد أسباب تلك ((الأخطاء والإختلالات والتشوهات)) ومن ثم يستحيل أن يحدد الحلول الصحيحة والمعالجات الناجحة.. ولذلك يلجأ إلى العموميات وإلى النقل الحرفي للمصطلحات ورصها بأسلوب آلي ليزيدها غموضاً.
ثم إنه يعترف بأن ((الكبت مع انعدام الحاجات المادية للناس سيؤدي إلى تراكمات من شأنها إضفاء الطابع الجذري للمعارضة)).. ويعترف ((إن عدم وجود الأحزاب علناً لا يعني أنها غير موجودة.. وأنها تمثل أفكاراً لا بد من أن يعبر عنها بالضرورة…)) ثم يخلص إلى نتيجة أن التعبير عن تلك الأفكار سيكون خطيراً إذا ظلت تتراكم دوافعها في الخفاء.. ويعطي لذلك مثالاً ما حدث في الجزائر.. وأنها قد تقود إلى مظاهرات وأعمال عنف.. أو يتعرض الحزب الإشتراكي اليمني لضغوط عربية ودولية.. ويضطر لتقديم تنازلات أكبر!!.
إذن الدافع إلى ((الإصلاح الإقتصادي والسياسي الشامل))، كما أسلفنا، ليس العودة إلى الصواب وإلى الحق.. وليس صحوة للضمير.. أو حرصاً على شعب وتجاوباً مع رغباته ومتطلباته ورفعاً للمعاناة التي يقاسيها منذ ربع قرن.. ليس كل ذلك.. وإنما خوف على السلطة.. واستباقاً للظروف وحتى لا يفقد الشعب صبره ويتظاهر ضدهم.. ((ويضطرهم إلى تقديم تنازلات أكبر)) فهم بذلك يضعون أنفسهم بوضوح في جانب وشعبنا المنكوب في جانب آخر.. ويعتبرون ما يحصل عليه الشعب من حقوق وكأنه تنازل منهم.. وكأن الأرض وما عليها ومن عليها ملك لهم..
ورغم ذلك.. فكيف حدد الأخ جار الله أن المعارضة لن تأتى إلا من حلفاء المرحلة؟! علماً بأن الهيئات الوطنية، من غير حلفاء المرحلة، هم الأكثر عدداً والأقدر تأثيراً والأقوى ارتباطاً بالناس والأكثر انتشاراً بين صفوفهم ((وعدم وجودها علناً لا يعني أنها غير موجودة))!! كما أن الجماهير الشعبية، حتى في ظل عدم وجود أحزاب، عندما يزداد الكبت وتنعدم حاجاتها المادية ويعجز الحاكم عن رفع المعاناة عنها.. فإن غضبها كفيل بأن يشكل سيلاً جارفاً لا قوة ضغط وحسب.. ومن الخير والمفيد، ليس للحزب الإشتراكي اليمني فحسب، كما أراد الأخ جار الله، وإنما للجنوب بكل هيئاته وفئات شعبه ولحاضره ومستقبله أن يبادر حكامه، وبسرعة وقبل فوات الأوان الذي أوشك أن يفوت، إلى إطلاق الحريات العامة والسماح بالتواجد العلني للهيئات الوطنية الجنوبية والدعوة إلى مؤتمر وحدة وطنية يناقش فيه الجميع، بعقلانية متفتحة وصدر رحب، مأساة شعبنا في الحاضر وآماله في المستقبل وعدم النظر إلى الماضي إلا بقدر ما نأخذ منه من عِبَر.. وإلا فإن أي تردد أو إبطاء أو محاولة لإجهاض هذه التوجهات الخيّرة والمخلصة أو التقليل من شأن وقدرة شعبنا وحركته الوطنية، كل ذلك، سيؤدي إلى مزيد من المآسي وإلى أن يفقد حكام الجنوب السيطرة على كل شيء وعند ذلك لن يجدوا عذراً لهذا التردد ولهذا الإستهزاء برغبات وآمال ومعاناة الناس في سبيل أهداف خاصة وتعصب حزبي ضيق.

[5] ويستطرد الأخ جار الله عمر على نفس النمط، زارعاً المخاوف عند أعضاء الحزب حتى من عمليات انفتاح على النفس.. فيقول:
((يظن بعض الرفاق أن التعددية ستكون بديلاً لوحدة الحزب، وبديلاً للحزب نفسه أو أنها تقدم الدليل على فشل وحدة أداة الثورة وأنها عودة إلى مرحلة ما قبل 5 فبراير 1975م))..
ويقول: ((إن الحزب الإشتراكي وقبله التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية قاما على وحدة فصائل حزبية اجتمعت لها شروط الوحدة نوعاً ما بعد أن صارت متماثلة إلى حد كبير في رؤيتها النظرية ونهجها السياسي والمبادئ التنظيمية لحياتها الداخلية.. وأن هذه الوحدة تمثل وحدة الأداة الطبقية لطبقة بعينها، هي الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين والفئات الكادحة الأخرى.. ومع أن وحدة 5 فبراير قد لحق بها بعض الضرر خاصة في ضوء نتائج أحداث 13 يناير 1986م، وكجزء من المعالجة، أرى أهمية أن يضاف الفقيد عبدالله باذيب إلى القيادة التاريخية اعترافاً بدوره كمبشر أول بالفكر الإشتراكي..)).
ونقول: لا أدري ما إذا كان هذا الكلام من الأخ جار الله عمر استخفافاً بعقول رفاقه في الحزب الإشتراكي اليمني.. أم أن هذا هو فهمه للأمور.
أي وحدة حزب هذه التي يخاف عليها من التعددية؟! إن هذا الحزب مثّل ويمثّل قمة التمزق والتشرذم.. منذ نشأته.. ولم يحدث بينه وبين معارضيه عُشر ما حدث بين أجنحته من قتل وتشريد واتهامات.. بل إن الخلافات الحالية بين أجنحته أعمق وأشد مما هي بينه وبين بعض معارضيه..
ثم أي ثورة وأي أداة لها وأي وحدة لتلك الأداة التي يتحدث عنها؟.. وما هذه التناقضات؟! ففي فقرة سابقة يقول حول ما أدى إليه حكم الحزب الواحد: (ص10):
((بقاء الروح الفصائلية من الناحية العملية داخل الحزب، لأن التحضير للتوحيد لم يكتمل وينضج.. وإنه كان ينبغي أن يفهم أنه توحيد للماركسيين فقط..)) ثم يأتي ليقول: ((إن الحزب الإشتراكي وقبله التنظيم السياسي الموحد، قاما على وحدة فصائل حزبية اجتمعت لها شروط الوحدة بعد أن صارت متماثلة في رؤيتها النظرية ونهجها السياسي والمبادئ التنظيمية لحياتها الداخلية))!!
ثم يقول: ((إن وحدة 5 فبراير لحق بها بعض الضرر..)).. أيوجد ضرر أكبر من القتل والإقتتال والإتهامات بأقسى الألفاظ.. وهل إضافة باذيب للقيادة التاريخية جزء من معالجة تلك الأضرار؟ ما هذا الذي نقرأ؟! كل الذي يهمهم الحزب وظنون ومخاوف الرفاق ولا مكان لشعب أو وطن.. لأنه لا شعور بولاء ولا انتماء، ثم أي وحدة لأداة طبقية وأي طبقة عمال هذه التي يتكلمون بإسمها وليس بينهم من ينتمي إليها؟!
يضيف الأستاذ جار الله عمر:
((كما أن الحزب الإشتراكي لا يستطيع أن يكون بديلاً لكل القوى.. وأن يقبل في صفوفه من يمثل مصالحها…إلخ.. فإن هذه القوى لا تستطيع أن تحل محل الحزب الإشتراكي وتلغي وجوده ودوره.. فالحزب من الناحية التاريخية هو وريث الجبهة القومية والفصائل الأخرى.. وهو بدوره التاريخي هذا في موقع القائد المعترف به من جانب الجماهير.. فالحزب هو وريث القوى التي حققت الإستقلال الوطني والتحولات الإجتماعية وأوجدت دولة مستقلة في الجنوب لأول مرة.. وخلق بمفرده نموذجاً لحركة التحرر العربية، وجلب الأفكار الجديدة إلى الساحة، كمسألة إيجابية ينفرد بها.. وبيده السلطة . وصارت الثورة إلى حد كبير في مأمن من الخطر.. إلى الدرجة التي تؤهلها للإنتقال بأمان كافي من الشرعية الثورية إلى الشرعية الديمقراطية وتوسيع قاعدة التحالفات الإجتماعية للثورة، وترسيخ الوحدة الوطنية.. فالوحدة التي تقوم على التنوع هي الأبقى والأقوى، وليست الوحدة التي تقوم على اختصار الآراء في رأي واحد..)).
((فالديمقراطية وبضمنها السماح بالتعددية الثورية هي الضمانة الأكيدة لوحدة القاعدة الإجتماعية للثورة والنموذج الذي سيؤدي إلى قيام جبهة وطنية عريضة تناضل من أجل تحقيق الوحدة اليمنية.. وهي الضمان أيضاً لصيانة حقوق الإنسان، بهذا الصدد يجب فتح مناقشة إمكانية إلغاء الإعدام كعقوبة واستظهار ميزات نظام التوجه الإشتراكي الأخلاقية والإنسانية بمقابل النماذج العربية الأخرى، التي وإن سمح بعضها بقدر من الديمقراطية والتعددية الحزبية، إلا أنها لم تكتسب مصداقيتها))؟!!
ونقول: نعم لا أحد يستطيع أن يكون بديلاً لأحد.. ولكن المشكلة هي الإصرار على أن الجنوب وشعبه غنيمة.. مملوكة للجبهة القومية.. وأن الحزب الإشتراكي ((وريث)) للجبهة القومية.. فالفهم للعمل الوطني محدود ومحصور في معاني ((الوراثة)) بينما العمل الوطني يعني الخدمة للوطن والشعب.. والتضحية في سبيلهما.. والعمل لما فيه مصلحة الجماهير حتى ولو كان ذلك على حساب المصلحة الشخصية أو الحزبية أو القبلية . لكن ((الرفاق)).. يأتي الحزب في تنظيراتهم أولاً قبل الشعب، والقيادة في الحزب قبل الحزب وقواعده.. وكل فرد من الشعب عبد، ومن الحزب كل فرد أمير!!.. ثم ألم يكن قيام دولة مستقلة في الجنوب، كخطوة أولى على طريق الوحدة، هو ما طرحته الرابطة؟ ألم تُتهم الرابطة لذلك بالإنفصالية وهي أول من نادى بالوحدة؟! ألم تحدد الجبهة القومية في أدبياتها قبل الإستقلال أن هدفها هو ((جلاء المستعمر والإنضمام الفوري إلى الجمهورية العربية اليمنية؟)).. أين ذهبت تلك الإدعاءات وتلك الأهداف؟! ستقولون كالعادة ((إن الوحدة لا تتم إلا بواسطة وحدة أداة الثورة)).. وكالعادة ((فأداة الثورة)) تلك، في مقاييسكم، هي الهدف وهي الغاية.. وليس المهم أن تتم وحدة أو يعم رخاء أو يتمتع الشعب بحريته وإنسانيته.
ثم أي نموذج هذا الذي ((خلقتوه لحركة التحرر العربية))؟!.. القتل.. السحل.. مصادرة الممتلكات.. سرقة الحقوق.. انتهاك الأعراض.. تشريد أكثر من 60% من السكان (حسب إحصائياتكم).. شظف العيش.. الطوابير الطويلة من أجل لقمة طعام.. الإمتهان لكرامة الإنسان.. العجز في كل المشاريع.. الفشل في حل مشاكل المواطنين المعيشية.. الديون المتراكمة.. الإستهزاء بالله ورسله وعقيدة الإسلام وتاريخه.. التناحر الموسمي على كراسي الحكم.. فشلكم في اكتساب ثقة المستثمرين من أبناء الجنوب.. حتى تعرضوا عليهم ضمانة ((بنك انجلترا)) (في اجتماع وزير التجارة عبدالله عثمان بالمغتربين بجدة في:1/8/1989م).. فهل هذه الدولة ((النموذج)) التي تعجز عن اكتساب ثقة أبنائها وتعرض ضمانة ((بنك انجلترا))؟! وسبحان الله!! كيف سيضمن بنك انجلترا دولة تدعي الماركسية؟!! لا عجب إن عرفنا السبب.. فبريطانيا هي الأب الروحي (العراب God Father).. أما جلب الأفكار الجديدة إلى الساحة فنعترف أن الفضل لكم فيها وتنفردون بها، لا كمسألة إيجابية ولكن كأسوأ ما تحقق من سلبيات.
أما السلطة وما حققته من أمان ((للثورة)) فكان ذلك على حساب أمن الجماهير في أموالهم وأنفسهم وأعراضهم وعقيدتهم.. بل وعقولهم.. والحديث عن الشرعية سواء ما أسميتموه ((شرعية ثورية)) أو ((شرعية ديمقراطية)) هو في حد ذاته امتهان لألفاظ ومفردات اللغة وعكس لمعانيها واستخفاف بالعقول . فأي شرعية هذه؟!.. إن الشرعية لا تُكتسَب إلا بالإختيار الحر للناس.. والناس حُرِموا من اختيار طريقة حياتهم وأسلوب تفكيرهم.. ناهيك عن اختيار منهج الحكم أو الحكام..
و((التعددية الثورية)) لا تحقق وحدة وطنية.. بل تزيد من التشرذم والتمزق.. والجبهة الوطنية العريضة هي التي تضم كل فئات الشعب وهيئاته ولا تقتصر على جلاديه وممتهني كرامته وإنسانيته.
أما حقوق الإنسان فشيء عظيم أن تذكرونها.. وكنّا حسبناكم قد نسيتوا حتى معنى ((الإنسان)) ولكن يبدو أن معناها لم يتبلور بعد لديكم.. بدليل مطالبتكم ((بوجوب فتح مناقشة لإمكانية إلغاء الإعدام كعقوبة)).. فأنتم ترفضون الإعدام كعقوبة شرعية بحكم قضائي ولكن الإعدام بالجملة، لا كعقوبة، وإنما للتخلص من الخصوم فذلك من حقوق الإنسان.. أما إعدام المجرم بحكم قضائي فينافي في نظركم حقوق الإنسان.. وذلك إلغاء لحكم الله وجرأة على الله القائل: ﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب﴾ صدق الله العظيم.
ثم ما هذه المقارنة بين النظام في الجنوب والأنظمة العربية الأخرى؟! وأي ميزات أخلاقية وإنسانية يتميّز بها نظامكم مقابل النماذج العربية الأخرى؟ بل أين تلك الإنسانية والأخلاقية؟!.. ألا يكفي ما نحن فيه.. ألا تكفي دروس الماضي لنتعظ؟ ولنعرف عمق المأساة والهوة السحيقة التي يسير الجنوب إليها؟! ألا يكفي كل ذلك لنواجه أنفسنا بشجاعة ورجولة ونقول أخطأنا السير.. أجرمنا في حق شعبنا.. ونعود إلى طريق الحق والعقل؟!.

يبدو أن كل ما حدث من مآسي لازالت غير كافية بالنسبة للبعض.. ولازال الأخ جار الله يقول:
[6] ((إن عدم السماح بوجود التعبيرات السياسية للقوى الطبقية الحليفة.. قد ضيق قاعدة الممارسة الديمقراطية في المجتمع وانعكس هذا الضيق على الحزب نفسه وأدى للوصول بالخلافات داخل الحزب إلى معالجة لا ديمقراطية.. والتناوب بين ما أُسمي التطرفات اليسارية واليمينية)).
ويقول:
[7] ((من الخطأ الإعتقاد أن التعددية ستنقل مشاكل القوى الأخرى إلى داخل الحزب فهو من ناحية سيجد نفسه أمام ضرورة أن يصلب وحدته الداخلية.. ويقدم نفسه للآخرين ويجتذبهم للسير معه على طريق تحقيق المهام الإشتراكية..)).

ونقول:
(6) إن عدم السماح بوجود التعبيرات السياسية للقوى الوطنية الجنوبية هو الذي ضيق قاعدة الممارسة الديمقراطية.. ومهما سمحتم ((للقوى الطبقية الحليفة)) فلن يغيّر في الأمر شيئاً.. رغم أنه لا وجود لما تسمونه ((قوى طبقية حليفة)) فلا يوجد أحد من أبناء الجنوب إلا وقد عانى، ولازال، من هذه التجربة.

(7) ومادمتم تعتقدون أن ((التعددية الثورية)) ستؤدي إلى أن يجد الحزب الحاكم نفسه ((أمام ضررة أن يصلب وحدته الداخلية ويقدم نفسه للآخرين ويجتذبهم للسير معه على طريق تحقيق المهام الإشتراكية)).. مادمتم ترون ذلك، فبنفس المنطق، فإن التعددية للجميع وبالذات للقوى الوطنية الجنوبية والتي قد تختلف فكرياً مع الحزب الإشتراكي ستؤدي إلى أن يصلب وحدته أكثر ويكون أمام تحد أكبر يختبر فيه قدرته لإجتذاب الجماهير!! فمادمتم تثقون في قدرة فكركم ونهجكم على اكتساب الجماهير.. فماذا يضيركم أن تفتحوا المجال لجميع القوى الوطنية.. وأن يأخذ الجميع فرصاً متساوية في حرية الإعلام والحركة والإتصال…إلخ؟!.. هل تقبلون التحدي في ساحة صراع ((العقول)) والفكر أم أنكم لا تتقنون إلا صراع ((العجول))؟!!

ويستطرد الأخ جار الله:
[8] ((لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن تجربة التوجه الإشتراكي في اليمن الديمقراطية تتم بإسم كل الثوريين العرب، وإن نجاحاتها واخفاقاتها تؤثر مباشرة عليهم وعلى دعايتهم السياسية وليس عبثاً أن يُقال أن أحداث 13 يناير 86م كانت من بين المؤثرات السلبية على وضع الحزب الشيوعي السوداني أثناء الإنتخابات البرلمانية لصالح التيار الديني)).
((ولذا ينبغي أن نراعي أن تأثير تجربتنا يتجاوز إطارها الجغرافي في الساحة العربية كلها.. وأن نجاحاتها تعزز نضالات الثوريين العرب، وإذا ما استكملت بناءها الديمقراطي ومارست تعددية حقيقية فإنها سوف تسقط واحدة من الذرائع التي تستخدمها الأنظمة العربية في قمع الشيوعيين وسائر اليسار بدعوى أن نموذجهم في اليمن الديمقراطية لا يحقق شعارات الحرية السياسية والتعددية الحزبية التي ينادون بها))!!

ونقول: كفى ضجيجاً.. وادعاءً.. فإن أبناء الجنوب لا يمكن أن يقبلوا أن يستمروا كحقل تجارب وفئران تجارب ((للثوريين)) العرب وغير العرب.. ويا عجباً.. أن تنطلق أي دعوة للإصلاح من منطلق كهذا وهو التأثير على ((الدعاية السياسية للشيوعيين واليساريين العرب)).. وأن يكون ما يُسمى ((بالإصلاح السياسي والإقتصادي الشامل)) مقصوراً على هذا التأثير وعلى تقوية الحزب الحاكم في “عدن”.. أما معاناة الجماهير فليس لها في حساب الماركسيين وزناً أو اعتباراً..
والمهم أن نحافظ على الشيوعيين العرب واليسار العربي حتى لا تقوم الأنظمة العربية بقمعهم.. معتقدين أن عدم نجاح الشيوعيين العرب واليسار العربي في الإستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد العربية الأخرى هو عدم وجود ((تعددية ثورية حقيقية في “عدن”))!!.
إن عدم نجاح الشيوعيين واليسار العربي في المنطقة العربية يعود إلى عاملين أساسيين:
الأول: رفض الجماهير العربية المبدأي لوأد تراثها وإنسانيتها وعقيدتها وفكرها.. وثقة الجماهير العربية بأن لديها فكراً وعقيدة أسمى وأقدر على تلبية احتياجات الجماهير المادية والروحية (وبالمناسبة تتكرر كلمة ((روحية)) في مصطلحاتهم الجديدة.. وهم يرددونها كتقليد ونقل عن غيرهم ولكن دون أن يقولوا ماذا يعنون بها.. وما تعريفها عندهم.. فلقد كانت منطلقاتهم كلها مادية.. ((منطلقين من التفسير المادي للتاريخ)) ).
الثاني: لا شك أنه إلى جانب رفض الجماهير العربية للنظرية فإن التطبيق في “عدن” وفي غير “عدن” عزز ودعم اعتقاد تلك الجماهير بصواب موقفهم، والرافض لهذا الفكر والتمسك بعقيدتهم الإسلامية وقيمهم العربية.. لذلك كان الموقف العربي من نظام “عدن” غير جاد في محاربته أو العمل على إسقاطه بل تم تحجيم للمعارضة الوطنية وترك نظام “عدن” ليكون نموذجاً سيئاً ترفض الجماهير العربية تكراره في أي بقعة عربية أخرى لذلك بقي هذا النظام.. وبقي يعزف لحناً نشازاً.. وبواسطته تم تطعيم المنطقة العربية من الوباء.. بحقنها، في ثغرها الجنوبي، بمصل الوباء نفسه.. فاعتبرت الجماهير العربية عن بُعُد.. ولم يعتبر الذين جلبوا الوباء، آسف المصل، أو لعلهم كالحامل للفيروس.. الذي لا يهتم بخطورته على غيره، فطالما هو سليم وحامل للفيروس فقط،.. فلا يتورع عن مزاولة رغباته ولو كان على حساب آلام وأرواح غيره.. وكان كل ذلك على حساب آلام وأرواح ومعتقدات أبناء الجنوب.
وانظروا إلى المدى والتمادي الذي وصل إليه من يتولون حكم الجنوب، إنهم بوضوح وجرأة على الله وعلى الإسلام.. يظهرون أسفهم لإنتصار التيار الديني على التيار الشيوعي في السودان.. إنهم يتحدون مشاعر الجماهير الإسلامية علناً وعلى رؤوس الأشهاد ﴿يُوادُّون مَنْ حادَّ اللهَ ورسولَه﴾.. دون حياء أو خجل.. أو خوف..
ونأمل مرة أخرى أن يعود حكام الجنوب إلى العقل والمنطق وإلى كلمة سواء بيننا وبينهم، فجماهير شعب الجنوب، لا تستطيع أن تتحمل استمرار الإمتهان لآدميتها وعقيدتها.. ولا مزيداً من ذل الطوابير في الوطن ومرارة الغربة في المهجر.. والمسألة أكبر من معادلات تصارعهم على الحكم.. وأكبر من التنظيرات التي لا تطعم جوعاناً ولا تسقي ظمآناً ولا تكسي عرياناً ولا تدفيء برداناً.. ولا تمسح دمعة ولا ترسم ابتسامة لا تداوي مريضاً.. ولا تسعد معافاً.. ولا تعيد غريباً إلى وطنه ولا تعز مقيماً في وطنه.. ولا تصنع هابةً في عدو ولا احتراماً من صديق أو شقيق.


من التراث النظري والتطبيقي للحركة الثورية العالمية !؟

ومع ذلك نرى الأستاذ جار الله عمر، وكأنه يبرر دعوته المبتسرة للتعددية الضيقة فيحاول أن يجد لها تخريجاً في ما أسماه، ((بالتراث النظري/التطبيقي للحركة الثورية العالمية)).. حتى لا يتهمه رفاقه بالإنحراف أو التراجع.. أو غير ذلك من التسميات الجاهزة.. فلا يهم، في نظرهم، بل يجب أن تهاجم الإسلام وتسخر منه.. فتعتبره عودة للقرون الوسطى، وفي أحسن الأحوال تراث قديم، لكن المهم ألا تخرج عن مقولات الفكر الماركسي اللينيني..

فنراه يقول:
((تمتاز النظرية الماركسية اللينينية، بأنها لا تقبل الجمود، لأنها تدرس قوانين التطور الموضوعية.. وعندما رفعت شعار الإشتراكية، لم تكن تصدر عن موقف أخلاقي، وإن كان هذا يقوم ضمناً، بل وجدت في الإشتراكية ضرورة تاريخية يفضي إليها التطور الموضوعي للمجتمع، وأنجزت الماركسية – اللينينية تحليل ودراسة هذه القوانين الموضوعية، وبالتالي حددت للبروليتاريا دورها التاريخي باعتبارها الطبقة التي يؤهلها التاريخ لأن تضطلع بهذه المهمة…إلخ)).
ثم يقول جار الله في اعتزاز وفخر بماركسيته التي يعتنقها الحزب الحاكم في “عدن”:
يقول:
((ونفت الماركسية – اللينينية عن نفسها صيغة الدين، أو العقيدة الجامدة التي لا تسري عليها قوانين التغيير والتطور، بل أن الماركسية، كما اعتبرها لينين، مرشد للعمل، وهي بهذا المعنى لا تقبل النصوص الخرساء النهائية (يعني جار الله نصوص القرآن والسنة)، والجمود العقائدي)).
ثم يخلص إلى أن الماركسية اللينينية من ((إيمانها بالتطور وقوانينه.. فمن باب أولى أنها تؤمن بتطوير نفسها.. ومع ذلك لا يجد الماركسيون الحقيقيون بأساً من العودة إلى ماركس وانجلز ولينين، والإستئناس بآرائهم، واستشاراتهم في العديد من القضايا النظرية والتطبيقية، والشيء الرئيسي في هذا هو إدراك المنهجية الماركسية كما استخدمها أعلامها الأفذاذ)).
((وقد أعطى لينين نموذجاً للنهج الديالكتيكي الماركسي، عندما كان يصف بعض أطروحات ماركس وانجلز بأنها قد شاخت، وأنها لم تعد تلائم الظرف المعطى الجديد، وإنما كانت تلائم ظرفاً سابقاً مختلفاً، وقبله ضرب ماركس وانجلز نفسهما هذا النموذج، عندما كانا يقفان أمام بعض أطروحاتهما العبقرية السابقة ويقولان عنها بأنها شاخت، ولم تعد صالحة)).
ويستطرد ((جار)) في محاولاته لتخريج دعوته للتعددية، الضيقة، الثورية.. تخريجاً جارياً ماركسياً لينينياً – انجلزياً – فيقول:
((وفي التراث النظري الكلاسيكي للماركسية – اللينينية عشرات ومئات الأمثلة على طابعها التعددي هذا.. وهو غني بالأطروحات العبقرية حول الحزب الثوري للطبقة العاملة، ولم يقل ماركس وانجلز ولينين مرة واحدة بنظرية الحزب الواحد، الذي يلغي ما سواه من أحزاب وتعبيرات سياسية،… وتقوم النظرية الماركسية للأحزاب على حقيقة كونها تعبّر عن صراع طبقي، وهي ستكف عن الوجود ما أن يكف هذا الصراع عن الوجود بزوال الطبقات، واختفاء مظاهر انقسام المجتمع إلى طبقات حيث سيستمر الصراع أيضاً، ولكن بأشكال أخرى، ووفق قوانين أخرى.. أي أن الأحزاب ستزول كما ستزول الدولة، ولكن حالما ينتهي الأساس الإقتصادي والإجتماعي لوجودها، وحالما يتشكل عالم جديد بعلاقات جديدة تختفي فيه الحاجة لوجود أدوات للصراع كالدولة والأحزاب..))!!
ثم يعلل الظروف التي شهدت ظاهرة الحزب الواحد في أول تجربة رائدة للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي:
فيقول: ((فالحزب الواحد في التجربة السوفيتية له نشأة تاريخية، وظروف محددة، قادت إليه، وكما تشهد يوميات ثورة البلاشفة فقد كان هناك في عهد لينين أحزاب متعددة وتحالفات عديدة وكان حزب البلاشفة يحرص على اختيار حلفائه وقد كان مرسوم البلاشفة الخاص بالأرض مأخوذ عن برنامج حزب الإشتراكيين الثوريين الذين تحالفوا معه في انتفاضة أكتوبر 1917م، كما أن لينين كان يسمح بالجدل داخل الحزب (منتهى الديمقراطية أن يسمحوا بالجدل لأعضائهم.. وفقط الجدل وفقط لأعضائهم).. وكان لينين يرى أن من الأنسب تعاون عدة أحزاب اشتراكية، وقد حدث مثل هذا التعاون داخل الحكومة الثورية الجديدة بين البلاشفة وحزب الإشتراكيين الثوريين اليساريين ولم يفك البلاشفة عرى التحالف مع الإشتراكيين الثوريين اليساريين.. بل أن الحزب الآخر هو الذي فعل ذلك.. عندما قررت سلطة السوفيات إبرام معاهدة (بريست لبتوفسك) من أجل الحفاظ على الدولة السوفياتية..)).
ويأتي الأخ جار الله بمقولات لجورج مارشيه، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي، لتساعده على مزاولة طقوسه في معبد لينين وماركس وانجلز فيقول في كتابه ((التحدي الديمقراطي)) لجورج مارشيه: ((فالظروف الفريدة في قساوتها وتدخل الدول الرأسمالية، قد دفعت الحزب الشيوعي في روسيا ليبقى وحده على رأس سلطة السوفيات))!!
ثم يقول: ((ولم يحدث ذلك، إلا بعد أن رفضت بقية الأحزاب التي كانت قائمة آنذاك التعاون مع البلاشفة، بل ورفضت أن تبقى على الحياد بين الثورة وبين رفض التعدد.. ومحصلة التجربة الستالينية رفض وجود المعارضين.. وأصبح الضيق بالآراء المخالفة، ليس من نصيب الأحزاب الأخرى فقط بل انتقل إلى داخل حزب البلاشفة نفسه، ومارس ستالين اضطهاد رفاقه في قيادة الحزب.. وقام بتصفية عشرات القادة البارزين والآلاف من الشيوعيين الذين يخالفونه الرأي في أي مسألة مهما كانت صغيرة)).
ويسترسل في سرد التراث التطبيقي للماركسية اللينينية:
((واستفادت البيروقراطية من قمع الرأي المخالف ولجأت بسبب حاجتها للسيطرة وحماية المصالح التي تكونت لها إلى تثبيت نظرية الحزب الواحد واعتبار الرأي الآخر جريمة يعاقب عليها..
وترتب، على تعميم المصوغات النظرية لوجود الحزب الواحد، وتكريس فكرته وإشاعتها على نطاق عالمي، العديد من الأضرار التي لحقت بالثورة الإشتراكية.. إذ أبرز الإشتراكية بصورة البديل غير الديمقراطي للرأسمالية ولحق ضرر مماثل بنظرية الإشتراكية العلمية، ففكر الحزب الواحد، والأفق الضيق الذي انتقل إلى داخل الحزب، وسمح باضطهاد قادته وأعضائه، جاءت نفياً لواحدة من أهم القواعد الفلسفية للماركسية – اللينينية، وهي القاعدة التي تقوم على الإيمان بمبدأ التناقض كقانون للتطور، ومبدأ التناقض والوحدة))..
ثم يبرر فشل الماركسية في أوروبا فيقول:
((وألقت هذه التشويهات بظلالها الداكنة على نضال الأحزاب الشيوعية في أوطانها وخاصة في أوربا. لأن النموذج الستاليني كان مخالفاً ومتناقضاً مع آمال بروليتاريا أوربا، وغير مقبول من زاوية التقاليد الأوربية التي تكرس فيها التنوع ونشأت على أساسها ضوابط تمنع العنف، وتبغض القمع البوليسي مما أضعف إلى حد كبير الدعاية الشيوعية.. بل إن القمع الستاليني صوغ قمع الشيوعيين في أوربا وفي بلدان العالم الأخرى بحجة أن الشيوعية معادية للديمقراطية..)).
ثم يضيف: ((وقاد نظام الحزب الواحد واستشراء البيروقراطية وفسادها، في الفترة اللاحقة لغياب ستالين، إلى الفشل في تطوير منظومة سياسية معاصرة للنظام الإشتراكي، كبديل للمنظومة السياسية الليبرالية، في أوربا الرأسمالية وكان مأمول في هذه المنظومة أن تضمن مشاركة الناس فعلياً في إدارة السلطة، ولم تتشوه سمعة الإشتراكية في مضمار الممارسة الديمقراطية، فحسب، بل أضر بسمعتها في مضمار حقوق الإنسان . وكانت النتيجة الطبيعية لفكرة الحزب الواحد، وملحقاتها المرتبطة شرطاً بها، أن قزمت قاعدة الحزب الإجتماعية، الأمر الذي تضمن نفياً عملياً للإدعاء النظري عن طليعية الحزب، وفكرة الطليعة هذه تمثل العمود الفقري لنظرية الحزب عند لينين)).
((أما في البلدان الإشتراكية الأخرى، وهي تعرف نظام تعدد الأحزاب، ولكن أثر الستالينية ظهر في إفراغها من المحتوى الحقيقي، وتلك البلدان التي اقتفت أثر النموذج الستاليني، في مجال فرض الحزب الواحد، اضطرت للتراجع، ولكن مأساتها أنها تتراجع بعد أن فلتت من يدها المبادرة التاريخية، وهي مضطرة أن تقبل بالتعدد، مع تنازلات أخرى، لم تكن ضرورية إذا كانت هذه الخطوة جاءت قبل هذه الظروف، وقبل أن تكون هذه البلدان مضطرة لإتخاذها.. كما يحدث في بولندا.. وفي البلدان التي أعلنت عدائها للإمبريالية، وصرحت أنها تنهج على طريق الإشتراكية، بدرجاتها المختلفة، مثل مصر وإندونيسيا وغانا وغينيا ومالي والجزائر وبورما…إلخ.. فقد سادت فيها أيضاً فكرة الحزب الواحد، وغياب التعددية السياسية والديمقراطية أدى إلى نفس النتائج السابقة مع فارق كبير أن هذه البلدان تراجعت أخيراً عن نهج التوجه الإشتراكي الذي كانت تزعمه لنفسها، واندفعت قوى سياسية واجتماعية من حظيرة التأييد للتوجه الإشتراكي إلى ميدان المعارضة، وربطت نفسها بالديمقراطية الليبرالية وصار مألوفاً على نحو غير معبر عن الحقيقة أن تقترن الديمقراطية التعددية بالإنفتاح الإقتصادي والتوجه الرأسمالي، وكأن ذلك من فضائل هذا التوجه.. بينما سيكون الأمر مختلفاً تماماً لو حدث هذا في مصر بزعامة عبدالناصر، وفي الجزائر بزعامة بومدين، غير أنه من المؤسف أن التجربة الناصرية لم توجد الحزب القادر على حمايته بعد غياب رائدها)).
ثم بعد أن يورد كل هذه التبريرات ويتمسح باللينينية.. ويذكر الأمثلة المختلفة الدالة على التبعية في كل الحركات والسكنات.. وفي النوم وفي اليقظة..
يعود ليقول:
((ولا يليق أن يكون الحديث عن التعددية السياسية الثورية في اليمن الديمقراطية مقترناً بالحديث عن تأثير البيروسترويكا في الإتحاد السوفياتي علينا كما لو كنّا ننقل التجربة السوفياتية على أي اتجاه تسير عليه.. نقلناها في عهد الحزب الواحد.. وننقلها في عهد العلانية وإشاعة الديمقراطية والسماح بالرأي الآخر كما يحدث الآن في ظل البيروسترويكا.. بل ينبغي أن ننظر إلى مسألة التعددية كما تقتضيها ظروف النضال في بلادنا، مع أن ذلك لا يعني نفي عالمية البيروسترويكا، فهي إن نجحت، وحققت نتائج إيجابية، فإنها ستصبح ماركسية العصر الراهن، وهي من هذه الناحية تكتسب صيغة عالمية)).
((ويجب أخذ الخصوصية بعين الإعتبار، فالبيروسترويكا، وإن كانت لم تؤدِ إلى التعددية الحزبية، كما يحلو للبعض أن يؤكد رأيه في الإعتراض على قيام التعددية في اليمن الديمقراطية.. فهذا الموقف فيه نوع من المطابقة الميكانيكية بين وصفين مختلفين.. ففي الإتحاد السوفياتي لم تعد البرجوازية موجودة، ولم تعد قوة ذات شأن في المجال الإقتصادي، وليس هناك حاجة لمن يعبر عنها سياسياً، غير أنه يمكن أن تكون هناك تعددية اشتراكية، كما يكون عندنا تعددية ثورية، وبمعنى آخر لها مدلولات معينة على حياتنا وسياساتنا لأنها قامت في مركز التأثير للإشتراكية على الصعيد الدولي.. وفي بلد الإشتراكية الأول، ولا يمكن تجاهلها والنأي عن تأثيراتها.. كما أنها تلمح إلى متغيرات أساسية على الصعيد العالمي.. من أهم هذه المتغيرات، أن التناقض بين الإشتراكية والرأسمالية يُراد له أن يتم منذ الآن فصاعداً في إطار التكامل وواحدية العالم في وحدة واحدة لكنها متناقضة ومعنى هذا اتصال العالم ببعضه البعض، وانفتاحه على بعضه البعض واعتماده على بعضه البعض)).
ثم يسترسل في طرح الأسباب لهذا التوجه السوفياتي الجديد ناقلاً نقلاً ميكانيكياً حول تراجع الحرب الباردة بين المعسكرين.. وحلول التفاهم والتعايش بدلاً من الحرب…إلخ.
ثم يعرج على موقف الإتحاد السوفياتي من حلفائه في ضوء التوجه الجديد فيقول: ((ومع أن البيروسترويكا لا تعني أن الإتحاد السوفياتي سيمتنع عن الإستمرار في تقديم الدعم لحلفائه.. بيد أن المؤكد أن هذا الدعم سيتغير، وأنه صار بالنسبة للإتحاد السوفياتي ممكن تقديم الدعم المادي باستثناء ارسال القوات العسكرية والقبول بالمواجهة الدولية الشاملة، التي ستؤدي إلى فناء البشرية كلها، من أجل حماية حلفائه.. في ذات الوقت سيتغير شكل الدعم السوفياتي لحلفائه.. فالدعم الإقتصادي سيقوم على مبدأ الحساب الإقتصادي للمؤسسات أكثر فأكثر تبعاً للتعامل الذي يجري اعتماده في الإتحاد السوفياتي.
((وهذا لا يعني، ولا يجب القبول بأي معنى يشير إلى أننا سنقبل بمصير غير الإشتراكية، ولن نكون إلا معها.. ولن نقبل بأن تفهم التغيرات الجديدة في الإتحاد السوفياتي وفي العالم في ضوء البيروسترويكا كذريعة للتحول نحو التبعية للبلدان الإمبريالية.. ولكن يجب التعويل بدرجة رئيسية على الدعم الداخلي.. وسد الفراغ الناشئ عن هذا على الصعيد الدولي ونعتقد أن السماح بالتعددية السياسية الثورية جزء هام من الإتجاه نحو خلق ظروف داخلية ملائمة تنهض بتعويض غياب العامل الخارجي الذي صار غير ملائم في ظروف بلد كبلادنا.. وكما أنه لا يليق أن يكون الحديث عن التعددية السياسية الثورية في اليمن الديمقراطية مرتبطاً بتأثر البيروسترويكا فإنه لا يليق أن يكون بتأثير ما تقدم الأنظمة الليبرالية البرجوازية من نموذج فهي، لا تقدم نموذجاً ديمقراطياً حقيقياً بل تقدم صورة عن الطريقة التي يمكن بها العبث بإرادة الشعوب. غير أننا عندما نتحدث عن الليبرالية هذه بمساوئها.. لا يجب أن يغيب عن أذهاننا، أنها أقامت منظومة سياسية متطورة، كان ينبغي أن تحفز الإشتراكية لتقديم منظومتها السياسية البديلة..)).
((والديمقراطية الإشتراكية هي في كل الأحوال تجاوز تاريخي لليبرالية الرأسمالية، فهي تحقق المساواة الفعلية بين الناس على أساس مادي. وينبغي أن تكون العدالة الإجتماعية الإشتراكية قاعدة لتوسيع ممارسة الناس لحقوقهم الديمقراطية.. كما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن الديمقراطية في الغرب جاءت بفعل نضالات الطبقة العاملة، وقواها الطليعية، وعلى رأسها الأحزاب الشيوعية.. وهي بهذا المعنى مكسب إنساني تقدمي يجب تطويره، واغناءه بالمضامين الإجتماعية التقدمية))!!
انتهى كلام الأخ جار الله عمر.. الطويل عن ((التراث النظري التطبيقي للحركة الثورية العالمية)).. ولن أعلق على كل ما ذكر.. فمنه ما لا يحتاج ولا يستحق تعليقاً.. غير أنني سأورد بعض الملاحظات التي أرجو أن تتسع لها صدور الرفاق في “عدن”.. طالما هذه وثيقة تعبّر عن فكر يقولون أنهم يؤمنون به، وطالما كاتبها لازال عضواً في المكتب السياسي للحزب الحاكم بـ”عدن”، وطالما هي مقدمة منه لأمين عام الحزب، وطالما قدمها الأمين العام للحزب للجنة المركزية، وطالما أنها والبلاغ الصحفي لإجتماعات اللجنة المركزية في دورتها الخامسة عشر، وخطاب الأمين العام ليلة 22/6/1987م ووثيقة الإتجاهات للإصلاح السياسي والإقتصادي الصادرة عن الحزب الحاكم.. جميعهم يتحدثون عن إصلاح سياسي واقتصادي، وجميعهم يقرون ((بتشوهات وأخطاء واختلالات في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإدارية والثقافية والتربوية والتعليمية))، وجميعهم صادرون عن حزب واحد وقيادات أساسية في حزب واحد، وجميعهم ينطلقون من منطلق فكري واحد، وجميعهم يحاولون –كلٌ بطريقته وأسلوبه– تفصيل ثوب الإصلاح ومظلته على مقاس واحد هو ((الحزب الإشتراكي اليمني من طراز جديد)).. أي أنهم.. رغم كل المصائب والمصاعب، ورغم كل البلاء والجوع والتمزق والشتات والمذلة التي يعيشها شعبنا وكأنهم لا شأن لهم ولا عمل ولا تفكير إلا في كيفية المحافظة على سلطتهم وتسلط الحزب.. فهم مسجونون في سلطة الحزب.. وقيادته للجميع حتى إلى الهاوية.. أما الجنوب وأهله فلم تذكرهم أي من تلك الوثائق الأربع ولم تهتم أي منها بما تعانيه الجماهير من شتات في الغربة وجوع وذل واغتراب في الوطن. ودعونا نورد بعض الملاحظات على ما ذكره ((جار الله عمر)) حول ((التراث النظري والتطبيقي للحركة الثورية العالمية)):
1- يتكلم عن دور تاريخي حددته الماركسية لطبقة البروليتاريا التي لا وجود لها يذكر عندنا.. مما يدل على النقل الآلي.
2- يفخر بأن الماركسية – اللينينية، التي يعتنقونها، تنفي عن نفسها صيغة الدين الذي يعلن جار الله عمر، جهاراً نهاراً، أنه عقيدة جامدة لا تسري عليها قوانين التغيير والتطور، وأن نصوص الدين، وهي بالنسبة للإسلام القرآن الكريم والسنة المحمدية، نصوص خرساء تعبّر عن جمود عقائدي لا يقبلونه.. فأين ما يقوله سلمان رشدي في كتابه ((آيات شيطانية)) مما يقوله جارالله عمر.. لقد تعدت جرأة جار الله عمر على الإسلام والقرآن كل حد.. فلم نسمع إدانة له ولحزبه الحاكم في “عدن” من أي مسلم أو عربي.. أما زملاؤه في الحكم في “عدن” فلا ننتظر منهم رفضاً لما يقول لأنهم جميعاً يدّعون انتماءهم لنفس الفكر.. وحتى عند ذكرهم للإسلام في ما أسموه ((وثيقة الإتجاهات للإصلاح السياسي والإقتصادي))، التي أعلن عنها أثناء كتابتنا للرد على جار الله، فقد ذكروا الإسلام في هذه الوثيقة على أنه ((تراث))، وحسب، لا عقيدة ومنهج حياة.. وهم لا يستأنسون بالقرآن والسنة والتاريخ الإسلامي العظيم.. وإنما يستأنسون بآراء واستشارات ماركس وانجلز ولينين في القضايا النظرية والتطبيقية لأن ((الشيء الرئيسي هو إدراك المنهجية الماركسية كما استخدمها أعلامها الأفذاذ)) كما يقول جار الله. فهل هناك جمود فكري وضاحلة في العقل والمنطق أكبر من الإستئناس برأي واستشارة، من مضى على موت آخرهم أكثر من نصف قرن، في أمور مستجدة وظروف لم يشهدوها بل ويستحيل توقعهم لحدوثها؟!.
والأخ جار الله.. لا يجرؤ على القول بأن تلك الأطروحات قد شاخت ولذلك نراه يضع الكلام على لسان لينين عندما قال: ((إن أطروحات ماركس وانجلز قد شاخت وأنها لم تعد تلائم الظرف المعطى الجديد وإنما كانت تلائم ظروفاً سابقة مختلفة)).. وسؤالنا: كيف تستأنس برأي واستشارة ((الأعلام الأفذاذ)) في تطبيقات أطروحاتهم التي شاخت.. والتي طرحوها في ظروف سابقة ومختلفة؟! بل كيف تنادي بتلك الأطروحات وتتخذها منهجاً للحكم والحياة؟! ألست تناقض بذلك منطق الأِشياء؟!
يقول فيتالي ناؤومكين في معهد الإستشراق بـ”موسكو” (29/7/1988م):!! ((نحن نرى بأن الحقبة الجديدة التي تمر بها البشرية والعالم المعاصر تتميز بسمات جديدة لم يستوعبها الفكر النظري في السابق وكان لذلك انعكاساته على سياستنا الداخلية والخارجية وعلى عملنا في الميدان الأيديولوجي))!! ولم يقل إنه سيستأنس برأي واستشارات لينين وماركس وانجلز في أمور مستجدة.
3- يتكلم عن ((الحزب الثوري للطبقة العاملة)) ثم ينكر أن أساس الفكر الماركسي، في هذه الناحية، يقوم على قيادة هذا الحزب لكل التطورات وللصراع الطبقي ثم يدعي أن الفكر الماركسي لم يقل بالحزب الواحد!! ويورد مقولات الماركسية التي لا تستند إلى واقع أو عقل سليم والقائلة ((بزوال الطبقات وزوال الأحزاب والدولة.. وتشكل عالم جديد بعلاقات جديدة تختفي فيه الحاجة لوجود أدوات للصراع كالدولة والحزب!!!)) فالدولة والحزب ما هما في نظرهم، إلا أدوات صراع، لا أدوات بناء للمجتمع وخدمة لكل فئاته.. ولذلك نراه يتخبط بين الفكر الماركسي – اللينيني كما جاء به ماركس ولينين وبين المتغيرات الحديثة، التي جاءت نتيجة لفشل هذا الفكر وعجزه عن تلبية متطلبات الحياة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً،.. والتي أوشكت أن تستكمل نقضها لكثير من الأسس التي قام عليها هذا الفكر وأهمها الصراع الطبقي والصراع بين الرأسمالية والإشتراكية… والتي استبدلت ((زوال الطبقات)) بعد انتصار طبقة البروليتاريا والصراع بين الإشتراكية والرأسمالية بـ((عالم واحد متكامل ومترابط ومتناقض في آن واحد)) من حديث ((الكسندر بوﭬـن)) كبير المعلقين السياسيين السوفييت، المقرب من الرئيس جورباتشوف، ومن قرارات المؤتمر السابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي. والكونفرس الحزبي التاسع عشر.
4- ثم يحاول إثبات أن قيام الحزب الواحد في التجربة السوفياتية له ظروف خاصة وأن لينين كان يفضل التعددية!! وذلك في نظرنا تزوير للتاريخ فـ”لينين” دخل في تحالفات مرحلية مع غيره في المراحل التي احتاج لتلك التحالفات ولكن ما إن انقضت حاجته إلا وأقام الحزب الواحد وقضى على حلفاء المرحلة كالعادة.. ويحمّلون ستالين فيما بعد كل الأخطاء.. فهل جاء ستالين إلى السلطة وقضى على تعددية لأحزاب موجودة أم أنه جاء للسلطة من خلال حكم الحزب الواحد؟!.
5- ثم يبرر فشل الماركسية في أوربا.. ومن ضمن المبررات أن الضوابط في أوربا تمنع العنف وتبغض القمع البوليسي.. ثم يدّعي أن القمع الستاليني صوّغ قمع الشيوعيين في أوربا..!! وكأن أوربا الشرقية التي حكمها الماركسيون من طينة غير طينة أوربا الغربية التي لم يحكمها الماركسيون في حين أن العالم أجمع يعلم أن حكم الماركسيين لأوربا الشرقية كان نتيجة لظروف ونتائج الحرب العالمية الثانية والتقسيم بين الشرق والغرب في ((يالطا)) فقبل الإتحاد السوفياتي أن تظل أوربا الغربية رأسمالية وأوربا الشرقية اشتراكية فذلك كان فرضاً من القوى المنتصرة في الحرب وليس ((لحركة التفسير المادي للتاريخ)) دخلاً فيه . كما أن الأخ جارالله يطرح الموضوع وكأن شعوب باقي العالم تقبل القمع والعنف وأن الأوربيين والغربيين فقط الذين لا يقبلون . فهو ينظر لهم نظرة فوقية تميزهم عن باقي البشر ((أليس ذلك غريباً))؟!
6- يقول ((إن البلدان الإشتراكية الأخرى كانت تعرف تعدد الأحزاب)).. والحقيقة أنها كانت تعرف تعدد الأحزاب عندما كانت تحكم بغير الأحزاب ذات ((الطراز الجديد)) ولما حكمت بالأحزاب الشيوعية سحقت كل رأي آخر.. ولا ندري لماذا يعتقد الأخ جار الله أن ((بولندا)) مثلاً قبلت بالتعدد مع تنازلات أخرى لم تكن ضرورية؟! ولمن قدمت ((بولندا)) تلك التنازلات؟.. فهل اعطاء بعض الحرية للشعب يعني أن الحزب الحاكم قد تنازل تنازلات غير ضرورية؟! أم أنه في الحقيقة أعاد بعض الحق لأصحابه.. ثم هل يعرف الأخ جار الله مصلحة ((بولندا)) أكثر من البولنديين؟!
7- أما البلدان العربية كمصر والجزائر وبلدان العالم الثالث التي عادت عن النهج الإشتراكي فذلك لأنها أدركت ما هو في صالح شعوبها وتحاول تحقيقه بطرق أخرى وهي أدرى بمصالحها. والعدالة الإجتماعية، حتى لو سُميت أحياناً اشتراكية، لا تعني مطلقاً الإشتراكية العلمية.
8- يعود، بخجل، ويدرك أنه لا يليق النقل.. وينكر أن ما يطرحه كان بتأثير من البيروسترويكا في الإتحاد السوفياتي أو أنهم ينقلون التجربة السوفياتية على أي اتجاه تسير عليه.. وهو بذلك يريد أن ينفي عن نفسه التراجع عن فكره.. ولكن فليقل لنا الأخ جار الله.. لماذا لم يطرح تلك الأفكار قبل ذلك مادام ينطلق من ظروف بلادنا كما يدّعي؟!.. ما الذي تغير في ظروف بلادنا هذا العام حتى يطرح ما يطرحه الآن . أين كان قبل أحداث يناير 86م طوال سنوات العذاب لشعبنا؟ أين كان طوال أعوام 86، 87، 1988م؟ ولماذا لم نسمع منه ما نسمعه اليوم إن كان يدّعي استقلالية الرأي وذاتية التفكير والمنطلقات؟! إنه تابع ((لماركسية العصر القديم)) والآن يحاول أن يكون تابعاً لماركسية العصر الراهنة كما يسميها.. فلكل عصر ماركسيته.. وكأن ماركس يبعث في كل عصر ليقول لهم ماذا يصنعون!!. ولم يدرك أن ((ماركسية العصر الراهن)) تبحث عن مصالح مشتركة لا عن تابعين يثقلون كاهلها!!
9- والغريب أنه في كل كلامه يحاول أن يقنع من لازالوا يفكرون بمنطق ماركسية العصر القديم، ((العهد القديم)) ((بالتعددية الحزبية الثورية)) الذين يقول أنهم يعترضون على حتى تلك التعددية المبتورة والمبتسرة بحجة أن البيروسترويكا في الإتحاد السوفياتي لم تؤدِ إلى التعددية الحزبية، ويبرر ذلك بأن في الإتحاد السوفياتي ((لم يعد هناك وجود للبرجوازية، ولم تعد قوة ذات شأن وليس هناك حاجة لمن يعبر عنها سياسياً)) ما هذا التناقض؟ إذا لم تكن البرجوازية موجودة أصلاً وليس لها قوة أصلاً لا ذات شأن ولا غير شأن . على كل حال ثم يأتي باقتراحه العظيم للقادة السوفيات بأن يطبقوا ((تعددية اشتراكية)) فيكون عندنا ((تعددية ثورية)) وتكون عندهم ((تعددية اشتراكية)) وهذا كلام لا يستقيم عقلاً.. فإذا كانت الأحزاب في نظرهم تعبر سياسياً عن مصالح طبقات فما الحاجة للتعددية في بلد فيه طبقة واحدة كما يدعي؟!. أم إنه في الإتحاد السوفياتي يوجد ((اشتراكيات)) متباينة تعبر عن ((بروليتاريات مختلفة))؟!.
10- ثم يبدأ في تحليل تراجع الدعم السوفياتي لحلفائه.. ولكنه يخلص إلى نتيجة تختلط فيها الأمور عليه، كعادة الماركسيين، فهو يخلط بين ما قرأه في كتاب الرئيس جورباتشوف والذي ينطبق على علاقة الدولة السوفياتية بالشعوب السوفياتية وبين ما ينطبق على علاقتها بحلفائها خارج نطاق الأراضي والمؤسسات السوفياتية.. ولا بأس فهم أحياناً، إمعاناً في التبعية وانسجاماً مع موال الولاء المطلق وطبول الزار، يخلطون بين ما هو لهم وما هو للأسياد.. فيعتقدون بأن الدعم الإقتصادي السوفياتي لحلفائه، وهم منهم، سيقوم على مبدأ الحساب الإقتصادي للمؤسسات تبعاً للتعامل الذي يجري اعتماده في الإتحاد السوفياتي!! ويبدو أنهم قرأوا كتاب الرئيس جورباتشوف ولكن لم يفهموه.. أو أنهم، لفرط التبعية، اعتبروا أنفسهم مؤسسة اقتصادية سوفياتية!! إن مبدأ الحساب الإقتصادي ينطبق على المؤسسات السوفياتية لا على الدول الأخرى.. وحتى لو اعتبرتم أنفسكم مؤسسة اقتصادية سوفياتية فإنني أشك أن السوفيات سيقبلونكم على هذا الأساس.. فهم أعقل من ذلك بكثير.. فالعالم يعيش عصر اسمه عصر ((جورباتشوف)) للعقل فيه قيمة!!.
11- يختم كلامه بالتأكيد أنه لا يجب القبول بأي معنى بغير الإشتراكية العلمية وأنهم لن يكونوا إلا معاً ويعتقد خطأ أن ((التعددية الثورية)) ستعوضه داخلياً عن العامل الخارجي الناشئ عن البيروسترويكا في الإتحاد السوفياتي.. ولخوفه من اتهامه بالنقيض يسارع إلى نفي أن يكون كلامه تأثراً بالبيروسترويكا أو بالأنظمة الليبرالية البرجوازية ويهاجم الليبرالية الغربية ثم يعود يمدحها بأنها قدمت منظومة سياسية متطورة.. وعجزت الإشتراكية أن تقدم البديل.. ثم يدعي أن التطور في الغرب جاء نتيجةً نضالات القوى الطليعية للطبقة العاملة، وعلى رأسها الأحزاب الشيوعية؟! وأنه يجب تطوير هذا المكسب في الغرب بمضامين اجتماعية وتقدمية!! ماهذا؟! لماذا إذن عجزت الأحزاب الشيوعية في البلدان التي تحكمها من أن تقيم نظاماً متطوراً.. ثم تدعمه بالمضامين التقدمية؟! ثم كيف تكون الليبرالية في الغرب قد تجاوزتها الديمقراطية الإشتراكية ثم تعتبرها في نفس الوقت نظاماً متطوراً جاء بفضل نضالات الأحزاب الشيوعية ومكسب إنساني تقدمي؟! ثم هل انحصرت المعرفة في التبعية لهذا النظام الشيوعي أو ذاك الرأسمالي؟.

 

ملامح من الـجُـربَاتشوفية

وسأورد لكم أمثلة مما نقله الأستاذ أحمد الحبيشي، عضو مجلس الشعب الأعلى بـ”عدن”، المدير العام لوكالة أنباء عدن، رئيس منظمة الصحفيين الديمقراطية اليمنية بـ”عدن”، عن مقابلاته في الإتحاد السوفياتي ((بالذات مع السيد/الكسندر بوﭬـن كبير المعلقين السياسيين السوفيات والمقرب من الرئيس جورباتشوف ومع فيتالي ناؤومكين، المستشرق السوفياتي المعروف وصاحب الصلة الوثيقة بالقيادة السوفياتية . أما ما جاء من حديث مع غينادي ايليتشوف نائب مدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية السوفياتية فلا داعي لتناوله لأنه يمثل نقاشاً خاصاً لم يتعرض كثيراً للفكر الجديد))!!

يقول السيد بوﭬـن (في:27/7/1988م)
((تسألني عن موقع العالم الثالث في مشروع النظام العالمي المتكامل والمترابط والمتناقض..؟ وأنا أسألك أيضاً كيف يمكن أن ننظر إلى المفاهيم النظرية التي كانت ترى أن الطريق الحقيقي لإخراج عالم البلدان النامية والمتحررة من تخلفها يمر عبر مجموعة من العمليات التاريخية باتجاه التحول إلى نظام اشتراكي عالمي؟
– من الناحية النظرية الشكلية يمكن أن نفهم المسألة على أنها تبشير بالحل أما من الناحية العملية فإن تلك المفاهيم تربط تقدم العالم الثالث بقيام نظام اشتراكي علمي..
– أنا أعرف الكثير عن عالمكم العربي الغريب.
– مشكلة العالم العربي في ضعفه وتمزقه . وما يجمع العرب ربما يكون الدين والتاريخ والحضارة واللغة، أما السياسة فهي عامل تفريق وتمزيق وإضعاف لوحدة العالم العربي.
– هناك مقياس بسيط يدل على ذلك.. وهو موقف مختلف الأطراف العربية من القضية الفلسطينية.. وهو موقف غير موحد.. حتى على مستوى ما تسمى بالدول التقدمية.
– اسمح لي بهذا الصدد أن أطرح وجهة نظري من هذه المسألة فأنا لم أعد مقتنعاً بأن العالم العربي ينقسم إلى قوى تقدمية وقوى رجعية.. أنا أعتبر هذا التقسيم فهماً مبسطاً للأمور، ونحن لم نعد نعمل بهذا الفهم رغم شعورنا بأن هناك من لايزال يتمسك به في العالم العربي.
– أنا أطرح عليك سؤالاً.. ما هو فهمك للتقدمية.. وما هو النظام التقدمي في رأيك؟؟
– الواقعية السياسية مهمة جداً.. هناك قوى تقدمية تلحق ضرراً بنفسها.. وبسمعة الإشتراكية.. وتفتقر إلى الديمقراطية في داخلها!!
إذن يكفي أن يرفع أي نظام في آسيا وافريقيا شعارات الصداقة مع الإتحاد السوفياتي والعداء للإمبريالية.. فنعتبره تقدمياً وصديقاً لنا حتى وإن كان هذا النظام يضطهد شعبه!!
– الحقيقة المرة.. إننا كنا نسكت على معاناة هذه الشعوب تحت نير الأنظمة التي تضطهدها لمجرد أن حكامها يرفعون شعارات الصداقة معنا والعداء للإمبريالية!!
– وكانت النتيجة أن نشأت معادلة غريبة ومشوهة.. وهي أن أصدقاء الإتحاد السوفيتي وأعداء أميركا هم الذين يضطهدون شعوبهم وليس العكس! وقد ألحق ذلك ضرراً كبيراً بقضية التقدم وبنا كدولة اشتراكية كبيرة!!
– النظام التقدمي هو الذي يقدم أفضل ظروف الحياة والمعيشة والحقوق الإنسانية لجماهير الشعب.
– النظام التقدمي هو الذي يوفر حرية التعبير ويزيل الخوف بين صفوف الشعب.
– أنا متأكد بأنك ستقول بأن هذه مقاييس غير طبقية.. لكن الواقعية السياسية تستدعي عدم التعامل مع ظواهر الحياة وفق مقاييس مدرسية جامدة . (إذن أين الجمود أهو في الإسلام كما يقولون في “عدن”؟!).
– علينا أن لا ننسى أن العامل الطبقي يولد بالإرتباط الوثيق بالعلاقة القائمة بين الحياة الإجتماعية والحقوق الإنسانية.. يجب أن لا يغدو الموقف الطبقي مجرد قناعات فكرية مستمدة من الكتب المجردة.. وعلينا أن نتذكر أن الأفكار والثورات الإجتماعية كان همها الأساسي سعادة الإنسان.. وبناء الإنسان المتمتع بكامل حقوقه في الحياة . (لم يقل إسعاد طبقة معينة.. كما كان يقال، والقضاء على باقي الطبقات وتصفيتها.. وإنما إسعاد الإنسان.. أي إنسان).
– العالم العربي عبارة عن قوس قزح من الألوان المتداخلة.. وفهم تناقضات العالم العربي يتطلب التخلص من المفاهيم الماركسية المبسطة وعدم الإنطلاق من مخططات سابقة وجاهزة.
– يجب أن ننظر إلى العالم العربي بحس ما هو ممكن أن يكون لا كما ينبغي أن يكون.
– هذه ليست استخلاصات جديدة.. بل أنها عودة إلى الأصول لأن البلاشفة الأوائل الأفذاذ كانوا يفرقون بين الممكن وبين ما ينبغي أن يكون.. ألم يقل لينين أن السياسة هي فن تحقيق الممكن؟ (كان ذلك رداً على نظرية ماركس.. في مؤتمر البلاشفة الثالث).
أليست هذه هي البدايات الناقدة للواقعية السياسية التي هجرناها منذ فترة طويلة؟
– لا يكفي أن يقول الإنسان عن نفسه بأنه تقدمي.. المهم أفعاله.
– التناقض بين الأقوال والأفعال عند التقدميين يرهق الحياة لأنه يضيف إلى تناقضاتها المعقدة تناقضاً جديداً أشد تعقيداً.
– مع الأسف الشديد أنا زرت عدداً من البلدان التقدمية العربية وزرت مؤخراً بعض دول الخليج العربي.. ووجدت صورة متناقضة..
– لن أتحدث عن الدول التقدمية.. بل سأتحدث عن دول الخليج.. حيث وجدت الناس فيها يعيشون حياة لا نوعد بها شعبنا في المجتمع الشيوعي والأهم من ذلك.. وجدت شيوعيين هاربين من نير أنظمة ديكتاتورية.. وجدتهم في هذه البلدان يعيشون ويتنفسون ويكتبون في الصحف بحرية.. ووجدت أيضاً شيوعيين قالوا لي أنهم هاربون من ظلم أحزابهم الشيوعية في المنافي.. فكيف الحال عندما تحكم هذه الأحزاب أوطانهم.
– الموقف الطبقي ليس شعاراً نظرياً للإستهلاك.. ولا يمكن تجريده من المضمون الإنساني.
– في تقديري توجد عمليات معقدة تجري الآن في العالم العربي في إطار ما يمكن أن نسميه بالإنبعاث الوطني العام حيث تتسابق الدول العربية اليوم من أجل التنمية وبناء هياكل الدولة الوطنية وتطوير الثقافة وتجديد الحياة وتوفير الحقوق الإنسانية بمستويات متفاوتة.
– أعتقد أن هذه العمليات تعتبر من ثمرات حركة التحرر الوطني العربية.. وأنا أرى أن هذه الحركات انتهت الآن ليس فقط على مستوى العالم العربي.. بل على مستوى آسيا وأفريقيا باستثناء فلسطين وناميبيا.
– نحن نعيش اليوم فترة تاريخية جديدة وحافلة بالمتغيرات الجديدة والقضايا الجديدة.
هذا لا ينطبق فقط على العالم المعاصر عموماً.. بل إنه ينطبق على عالم البلدان النامية أو العالم الثالث كما يحلو لنا أن نسميه أحياناً.
– من المهم في هذا الإطار الدفع بأن تتم كل العمليات والتناقضات الجديدة داخل النظام الدولي نفسه بدلاً من السعي إلى تقسيم العالم إلى عوالم مختلفة.. جنباً إلى جنب مع العمل الواسع من قِبل أكبر عدد ممكن من الدول باتجاه إصلاح النظام الإقتصادي العالمي وتثويره.
– في هذا الإطار أيضاً يجب دعم كل عمليات الإنبعاث الوطني العام والتوجه الإشتراكي واحترام كل دولة في اختيار الطريق الخاص بها في التطور الإقتصادي.. بما في ذلك الدول الإشتراكية أو الدول التي تختار طريق التوجه الإشتراكي.. وعدم إلزامها بنماذج جاهزة وعامة للإشتراكية فلكل دولة الحق في بناء الإشتراكية بطرقها ووسائلها الخاصة . (أم على نظام آخر تختاره).
– في العالم العربي توجد تناقضات جديدة.. وأنا كما قلت فإن العالم العربي عبارة عن قوس من ألوان متداخلة.. لكن هذه التناقضات لا تحل بأساليب ووسائل حركة التحرر الوطني.. بل تحل بأساليب عصرية جديدة.
– حتى القضية الفلسطينية وقضية ناميبيا وهما القضيتان التحرريتان الوحيدتان حالياً في عالمنا.. لا يمكن حلهما في الظروف الراهنة بالوسائل التحررية.. وأنتم تدركون الآن الحاجة الملحة لعقد المؤتمر الدولي بشأن قضية الشرق الأوسط والمائدة المستديرة بين أنجولا وكوبا والولايات المتحدة وجنوب افريقيا من أجل حل مشكلة ناميبيا وامتداداتها في ذلك الجزء من الجنوب الغربي لأفريقيا.
– نحن دولة عظمى.. وسياستنا إزاء العالم العربي يجب ألا تستند إلى الفهم الذي يقول بأنه ينقسم إلى معسكر رجعي ومعسكر تقدمي.. على حساب حلفائنا التقدميين الذين يتوجب عليهم فهم أساليب التفكير والعمل لديهم.
– وفي تقديري أن قوى التقدم أيضاً لا توجد في خانة واحدة.. كما أن القوى الرجعية لا توجد جميعها في خانة واحدة.. فالجميع موزعون في خانات مختلفة ومزدوجة أحياناً.
– العمليات والتناقضات الجارية في العالم العربي تحمل معها سمات العمليات التي تحدث في العالم المعاصر عموماً في هذه الحقبة الهامة.
– أنتم تعرفون أن نتائج المؤتمر السابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي ومقررات الكونفرس الحزبي التاسع عشر، أكدت على أن هذه العمليات والتناقضات المعقدة التي تجري في عالمنا يجب أن تتم وتستمر وتحل في اطار الإعتراف بوجود عالم واحد متكامل ومترابط.
– هذا العالم يحتاج إلى عمل مشترك من قِبل جميع أعضاء المجتمع الدولي من أجل إيجاد نظام شامل للأمن الدولي في الميادين السياسية والإقتصادية.. وفي ميادين حقوق الإنسان والأيكولوجيا.
– وأهم جانب هو أن لا نجعل من الماركسية، ديناً كنيسياً، وأن لا نجعل من مفاهيمنا وتصوراتنا عن العالم وعن الإشتراكية أجوبة صالحة لكل الأسئلة في كل زمان ومكان.
– وبحسب قول الرفيق غورباتشوف.. ((فإن عيسى المسيح وحده هو الذي كان يملك أجوبة على كل الأسئلة.. أما الشيوعيون فأنهم لا يملكون ناصية هذا الفن.. ولا يجب عليهم أن يتحولوا إلى مسيح آخر وإلى كهنة وعرافين)) . (هل يجرؤ ماركسيو “عدن” أن يقولوا عن سيدنا رسول الله محمد بن عبدالله عليه وعلى آله الصلاة والسلام ما قاله جورباتشوف عن سيدنا عيسى؟!! برغم أن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام كان يملك أجوبة على كل الأسئلة لزمانه ودعوته الإلهية أما رسول الله عليه الصلاة والسلام فجاء خاتماً للرسل ومكملاً لرسالاتهم فهو يملك الإجابة عن كل الأسئلة لكل زمان ومكان فهو جاء بمنهج إلهي للبشرية ينظم كل علاقاتها، عبادة وتشريعاً ونظام حكم وحياة).
– كانت الشكلية تستعبدنا.. حتى مؤتمراتنا الحزبية كانت عبارة عن مسرحيات جامدة تدار وفق سيناريو جاهز.. الرئاسة والمتحدثون القلائل بموجب مداخلات جاهزة هم الممثلون.. والمندوبون هم المقررون.. أما المخرج الحقيقي فلم يكن موجوداً في المسرح.. في أعماقنا.. إنه الطرائق الستالينية.
– تصور أيها الرفيق.. إنه حتى عندما كانت فرق الطلائع تدخل إلى قاعة المؤتمرات بصورة مؤثرة.. فإن رئيس الجلسة يحبس مشاعره وينـزل وجهه نحو ورقة معدّة مسبقاً ليقرأ منها عبارات جاهزة ضمن السيناريو.
– تلك كانت مأساتنا التي اكتشفنا بشاعتها في الكونفرس الحزبي التاسع عشر الذي انعقد بدون سيناريوهات.. وبدون تلك الضوابط التي كانت تعد المناقشات وتجعل من الحدث عبارة عن مهرجان شكلي!!

ويقول السيد فيتالي ناؤومكين في:29/7/1988م:
((نحن نعترف بأننا كنا لا ننكر في الماضي وجود عالم واحد مترابط متكامل وكنا نركز فقط على تناقضات عالمنا.. وهذا الفهم كان بتأثير الجمود العقائدي الذي بدأ خلال الفترة الستالينية وتفاقم خلال سنوات الركود حيث كانت مفاهيمنا عن العالم تبدو وكأنها حقائق نهائية ومطلقة لا تقبل النقاش.
– نحن نرى بأن الحقيقة التي تمر بها البشرية والعالم المعاصر تتميز بسمات جديدة لم يستوعبها الفكر النظري في السابق وكان لذلك انعكاساته السلبية على سياساتنا الداخلية والخارجية وعلى عملنا في الميدان الأيديولوجي..
– أريد أن أقول أنه من بين الآراء الواسعة والمناقشات الصاخبة والمتسعة التي حدثت في الكونفرس الحزبي التاسع عشر.. كان هناك اتفاق على هذه المسألة وخاصة في جانبها المتعلق بحرية الإختيار.. أي حرية أي بلد في اختيار طريق تطوره.. وكذلك حرية أي بلد يختار الإشتراكية كطريق للتطور في أن يستخدم ويبتكر وسائله الخاصة لبناء الإشتراكية بالطريقة التي تنسجم مع خصائصه وأوضاعه وقدراته. (وأصحابنا في “عدن” يرفضون تلك الحرية.. ويتنافسون في بناء سجن لأنفسهم وعقولهم.. ويصرون على أن يسجنوا عقول كل الناس في سجنهم هذا)!!
– في الكونفرس الحزبي التاسع عشر أكدنا على أن هذا المبدأ ليس صادراً عن إرادة ذاتية.. بل هو نابع من حقيقة التنوع المنقطع النظير لعالمنا.
– هناك بلدان عديدة تكونت حديثاً ونالت استقلالها وأصبحت اليوم تمارس نشاطاً كبيراً في ميدان النشاط السياسي والإقتصادي الدولي.. ودخلت معها مليارات عديدة من البشر هذا الميدان أيضاً وبرزت مجموعات جديدة ومتنامية من التناقضات والظواهر التي تعكس ترابط العالم وحاجته في نفس الوقت إلى تغيير قواعد العلاقات السياسية والإقتصادية الدولية من داخله باعتباره عالماً واحداً وليس مجموعات منفصلة من العوالم المختلفة.
– الوقوف ضد حرية الإختيار معناه الوقوف ضد المجرى الموضوعي لسير التاريخ العالمي في هذه الحقبة المعقدة (فهل نعقل ونفهم أن التاريخ يسير سيراً مغايراً لكل التفسيرات والتنظيرات القديمة!!).
– لا يمكن أن نتفهم أبعاد هذه الحقبة بدون تجديد تفكيرنا.. وإعادة النظر في الأفكار القديمة التي عفى عليها الزمن.. ولم تعد قادرة على الصمود أمام المتغيرات الهائلة والمتسارعة التي تحدث في عالمنا هذه الأيام.
– قريباً جداً سنقيم علاقات حزبية مع اليمن الشمالية وسيتوجه وفد حزبي من اللجنة المركزية لحزبنا إلى “صنعاء” لإقامة علاقات حزبية مع المؤتمر الشعبي العام.
– في اعتقادي يجب عليكم التقاط هذه المتغيرات.. وامتلاك تفكير جديد وسلوك جديد إزاءها.. والتخلص من القوالب والسياسات القديمة!!))

وليس لدينا تعليق على ما جاء في حديث السيد الكسندر بوﭬـن والسيد فيتالي ناؤومكين فالحديث يشرح نفسه.. ويقول للإخوان في “عدن” وفي غير “عدن” شقوا طريقكم حسب ظروفكم.. وأن هناك فكراً جديداً.. يجمع كل التناقضات والمصالح في بوتقة واحدة . ولكن لازال بعض الإخوة في “عدن” بعيدين عن فهم المتغيرات الجديدة واستيعاب معانيها.. أو أنهم يخافون من عدم قدرتهم على مواكبتها.. ومن ثم فقدانهم لمصالحهم الذاتية.. ونحن نقول لهم أنكم لا تستطيعون مقاومة سير التاريخ.. ولا تستطيعون كبح التغيير.. والأولى أن تسهموا مع غيركم من الوطنيين في صنع التاريخ فشعبنا سيغفر كل أخطاء وتشوهات الماضي إن أنتم توقفتم عن عرقلة طموحاته في التغيير نحو مستقبل أفضل وحياة مستقرة آمنة.. وبادرتم بتغيير ما في نفوسكم وعقولكم.. واعتبرتم من تجارب الماضي.. ولكن شعبنا لن يقبل بعد الآن أن تستمر الإستهانة به وبمعتقداته وبآماله وطموحاته. ولا نريد أن ندخل في كثير من الجدل، مع الأخ جار الله عمر، حول كل ما جاء في وجهة نظره.. وبالذات حول ربط كل شيء بالفكر الماركسي- اللينيني، ورغم أن هذا الفكر يعتمد صراع الطبقات وبالتالي سيادة طبقة البروليتاريا من خلال حزب طليعي للطبقة العاملة. إلا أننا نقبل الإكتشاف والكشف الجديد للأستاذ جار الله عمر من أن لا ماركس ولا أنجلز ولا لينين قالوا بالحزب الواحد.. وكما أن أهل مكة أدرى بشعابها.. فإن أتباع انجلز وماركس ولينين أدرى بما يستجد من نظرياتهم بعد الموت!! ولا بأس من أن ينسبوا كل تغيير يدخلونه على الفكر الماركسي إلى انجلز وماركس ولينين حتى لو جاء هذا التغيير بعد عقود أو قرون من فنائهم لكن الشيء العجيب الغريب أن يتم الطرح بطريقة وأسلوب يظهر وكأن هذا الفكر سياج وسجن لا يجوز ولا يجب الخروج منه وأي عمل أو كلام أو حزن أو ابتسام لا بد أن نجد له تفسيراً في هذا الفكر وإلا فهو حرام.. لذلك فقد حرص جار الله على أن يفلسف مطالبته بما أسماه التعددية ((الثورية)).. ويبحث لهذا المصطلح الجديد عن ((خانة)) في الفكر الماركسي.. ولا بأس إن لم يجد من أن يصنع ((خانة)) وينسبها لماركس أو لينين أو انجلز.. وذلك إمعاناً في إبراز تحريم الخروج عن هذا السياج والسجن الفكري الضيق.. وحتى لا يتهم ((بالإنهزامية)).. و((الإنحراف)) و((الإنتهازية)).. و((العمالة والخيانة)) وغير ذلك من الألفاظ والإتهامات التي كالوها لبعضهم طوال تاريخهم حتى وصم الجميعُ الجميعَ.. بل أصبحوا هم، قبل غيرهم، أسرى لهذا السجن الفكري والإجتماعي والنفسي، مغلولة أيديهم إلى أعناقهم.. مقيدة أرجلهم إلى أرجلهم.. صم بكم عمي فهم لا يعقلون . لا يسمعون إلا صدى لأصوات قديمة قد ضاعت.. ولا ينطقون إلا بلغة قد نسي الناس مفرداتها وعافتها نفوسهم وأسماعهم.. ولا يرون إلا أطيافاً لصور باهتة لم يعد لها وجود في واقع الناس.. ولذلك لا يَسْمَعُون ولا يُسْمِعُون ولا يَرون ولا يُرَون.. يعيشون في زمن سيء مضى.. وإن ظهروا للناس ذَكَّروا الناس بذلك الزمن الذي مضى فهم دائماً يحتاجون لأن يبرروا، لأنفسهم لا للناس، كل خطوة يخطونها أو فكرة يطرحونها أو همسة يهمسونها.. فلا بد من تبرير كل ذلك بإسناده لماركس أو لينين أو انجلز.. أو أي يهودي آخر أو “متيهود” وإلا رمتهم ووصمتهم نفوسهم، لا الناس، بكل التهم المسجلة في قاموسهم..
لذلك نرى الأستاذ جار الله عمر في ((وجهة نظره)).. يحاول تبرير ((خروجه)) ومطالبته بالتعددية ((الثورية)) بإسناد ذلك للفكر الماركسي اللينيني!! وذلك ليضع هذا التبرير درعاً يتقي به سهام رفاقه وسهام نفسه أما الناس.. أما الجماهير فهي لا تقبل لا الفكر القديم الماركسي ولا التعددية ((الثورية)) المسندة زوراً، للفكر الماركسي.. ولن يقبل شعبنا إلا فكراً مستمداً من عقيدته الإسلامية وانتمائه القومي وتاريخه وتراثه الوطني . ويكفي لعباً بالنار على أرض الجنوب.. ويكفي تلاعباً بمصير الجنوب وأهله.. فقد نفذ الصبر.. ولا يحصد الزارع إلا ما زرع.. إن خيراً خير وإن شراً شر.


30 ذو الحجة 1409هـ
2 أغسطس 1989م

 

نبذة عن الكاتب

السيد عبدالرحمن علي الجفري
العمر : 46 عاماً.
الدراسة: بعد انهاء الثانوية العامة من مدرسة حلوان حصل على:
 بكالوريوس علوم عسكرية من الكلية الحربية بالقاهرة يناير 1965م.
 دورة هندسة ميدان.
 برمجة كمبيوتر، بريطانيا 1974م.
 إدارة أعمال، بريطانيا 1974 – 1975م.
الأعمال التي تولاها:
– عضو منتدب لشركة بواخر 1975 – 1980م.
– عضو منتدب لشركة مقاولات سعودية تركية مشتركة 1981 – 1987م.
– مدير عام شركة مقاولات 1980 – 1987م.
– مدير عام شركة مقاولات (حالياً).
مشاركاته الوطنية:
– عضو مؤسس في رابطة طلاب الجنوب العربي بالقاهرة.
– عضو مؤسس في شباب الجنوب العربي بالقاهرة.
– مثّل الجنوب العربي الكبير (اليمن الطبيعية) في الإحتفالات بالعيد الأول للوحدة بين مصر وسوريا في 22/2/1959م وألقى خطاباً في ميدان الجمهورية بالقاهرة بحضور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
– اشترك في أول تنظيم للرابطة في القاهرة.
– اشترك في تمثيل الجنوب في مؤتمر شباب آسيا وأفريقيا بالقاهرة.
– تولى مسؤولية المكتب العسكري للرابطة في 65 – 1967م.
– تولى قيادة مقر تدريب للشباب 1968 – 1969م وعضو المكتب العسكري.
– مثّل الرابطة في المكتب العسكري للوحدة الوطنية 1970 – 1972م.
– سكرتير لجنة الإعلام في الرابطة 1984 – 1986م.
– عضو قيادة الرابطة 1985 – 1986م.
– انتُخِب رئيساً للرابطة في: 12/3/1407هـ الموافق:14/11/1986م بأغلبية ساحقة.
كتاباته:
– كتب في جريدة الرأي العام في “عدن”.. تحت إسم رمزي (ع.ع.ج).
– بعض بيانات الرابطة ومواقفها 1985 – 1986م.
– كتب عدة مقالات في إحدى مجلات المعارضة بالقاهرة.
– كتاب ((مسيرة شعب وزعيم)) توزيع دار البيان العربي.
– أصدر كتيب ((الجذور)) عن قضية الجنوب.
– أصدر دراسة ((رؤية صادقة حول قضية الوحدة)) التي نشرت مجلة ((الشراع)) ملخصاً لها.
– كتاب ((الواقع والبديل)) حول الواقع الذي يعيشه الجنوب وقضيته وحول البديل لهذا الواقع.
– كتب وشارك في كتابة العديد من بيانات الرابطة ومذكراتها.
– شارك بدور رئيسي في كتابة كتيب عن الرابطة ودورها النضالي.
– قدم بحثاً عن الحياد الإيجابي وعدم الإنحياز في مسابقة بالكلية الحربية عام 1964م وفاز بالجائزة الأولى ونشر في مجلة القوات المسلحة.

اضغط هنا لتحميل الكتاب بصيغة pdf

شاهد أيضاً

الذكرى الـ68 – حزب رابطة الجنوب العربي الحر (الرابطة)

بسم الله الرحمن الرحيم حزب رابطة الجنوب العربي الحر (الرابطة) الذكرى الـ68 مدخل: تهل علينا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *