بسم الله الرحمن الرحيم
لأول مرة أجد نفسي مشلولًا عن الكتابة حائراً … ما أقول؟!! ومرت أكثر من 48 ساعة منذ علمت بانتقال تاج الفن والأدب والذوق وصديق وأخ لعقود من الزمن… إنه أخي الكبير أبوبكر سالم بن زين بلفقيه…عرفته عن قرب أخاً وصديقاً وأسطورة جيلنا في فنه وأدبه وعشقه للشعر والأدب وتعلقه العميق بالغنّاء تريم وكل ما تحويه وتضمه من علم وعلماء وصالحين وفن راق.. ثم انتقاله إلى عدن النور التي أصبح متيًماًّ بها فأبدع في تغنيه بها في عدة أغنيات من روائعه.
ماذا أقول عن هذا الفقيد العظيم؟! صاحب المشاعر المرهفة والصوت الذي يندر وجوده ويصعب أن تتكرر هذه الموهبة التي حباه الله بها فأسعد بها خلقه… كان ذا وله بالشعر والأدب وذا قلب لا يكره لأنه قد امتلأ حباً لكل الناس ولكل ما خلق الله… اتخذ المملكة العربية السعودية وطناً فاحتضنته وأطربها وغنى لها الأروع من أغانيه الخالدة… وحن لجنوبه العربي فمنحه كل فنه وعشقه وخص منه تريم العلم وعدن النور و”سعاد-الشحر” بمحضارها المبدع حسين فجاءت السبيكة الخالده منهما بأروع الأغاني… عشق فن صنعاء فطور موسيقى أغانيه دون إخلال بروحها.. كان متيماً بالكويت معزاً للإمارات العربية ولكل محيطه العربي… تفاعل في لبنان وتألق في القاهرة التي له فيها صلات فنية وسكن.. كان فقيدنا أينما حل يحل معه الأدب والفن والحب لكل من حوله… إن أنشد حرك الأرواح وإن غنى أنعش القلوب وإن تحدث، شعراً أو نثراً حرك المشاعر والعقول… مهما كتبت فلن أستطيع أن أعطيه ما يستحق أو أن ألم إلا باليسير من ما يستحقه بحق.
من المواقف الإنسانية الخاصة.. أننا كنا في لندن وكان في شوق للإتصال بابنتيه في عدن اللتين حُرم من رؤيتهما أكثر من 15 عاماً فأحب أن يحادثهما تلفونياً وكان الإتصال بعدن صعباً ويتم عبر حجز مكالمة تتم من لندن عن طريق البحرين… فحجز مكالمة وأعطوه موعداً الساعة الواحدة بعد منتصف الليل… وسمرنا معاً وبعض الإخوان وكان في سرور بالغ متشوقاً لسماع ابنتيه…. فأطربنا بأعذب الأغاني….وجاء الموعد للمكالمة ورن التلفون فسارع إليه بفرح شديد وإذا بسنترال لندن يوصله بسنترال بالبحرين الذي يبلغه بأسف أن الخط لم يفتح مع سنترال عدن وكانت صدمة لمشاعر فرحه غنى بعدها عدداً كبيراً من أغاني الحرمان والشوق… بألم الأب المتلهف لسماع ابنتيه. ..
وموقف آخر في جدة حيث كان عندي وتحدث عن زواج احدى ابنتيه الذي سيتم في عدن خلال نفس الاسبوع… وكان يقول ياليت أحضر زواجها… فشجعته وحجزنا لسفره اليوم التالي وأوصلته إلى مقعده في طائرة “اليمدا” ويكاد يطير فرحاً لحضور زواج ابنته وللوصول إلى عدن التي يعشقها ولحضرموت التي يتوق لأريجها ولكل جنوبنا العربي… ووصل عدن فضجت عدن بوصوله وأحيا فيها حفلة وكذلك بالمكلا… وقد تم استقباله بما يليق به من الجميع …
كان يتمنى أن يغني رائعة شاعر الجنوب العربي عبدالله هادي سبيت رحمه الله .. أغنية “يا باهي الجبين” لكلماتها المتميزة ولحنها المتميز المجدد للألحان اللحجية… وكان يقول “أخاف أن لا أتقن اللهجة اللحجية” مما يدل على مدى احترامه لفنه وحرصه على الإتقان..
اغنيتان لهما معي ذكرى…أغنية “مرحيب مرحيب يا الطيب الأصلي” …وأغنية “يا صاحبي” وهي بعد حرب 1994م الظالمة على الجنوب بكى فيها عدن النور….لحناً وكلمات…
رحم الله فقيد الجميع وأسكنه الفردوس الأعلى وعصم بالصبر الجميل قلوب أسرته الكريمة، التي لا شك كان لها دور هام في نجاحه، وأبناءه أديب وأصيل وأليف وأحمد وبنتيه أنغام وألحان… ولا شك أنه ليس كل من عرفه عن قرب، وأنا منهم، فقط يستحق العزاء في فقده بل كل عشاقه في كل المنطقة العربية… فقدنا بانتقاله “تاج” الأدب والفن والطرب والمشاعر المرهفة.
عبدالرحمن علي بن محمد الجفري
12 ديسمبر 2017